:: الملكة باطلالتها المتواضعة ( الكاتب : همس الشوق )       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا الدلوع ( الكاتب : الــســاهر )       :: هاك المشاركات الغير مقروءه والتقييمات ( الكاتب : ناطق العبيدي )       :: منع تعديل البيانات للعضوية المشتركة من فضاء هوست ( الكاتب : ناطق العبيدي )       :: هاك تغيير اسم العضوية بتحكم كامل ( الكاتب : الملكة )       :: هاك افضل اجابة بدون تعديل قوالب ( الكاتب : ناطق العبيدي )       :: اظهار وصف الاقسام الفرعية عند المرور بالماوس عليها ( الكاتب : همس الشوق )       :: هاك رجل البريد تعريب ح,رقة قلب ( الكاتب : ناطق العبيدي )       :: مراجعة لبحث الحلم: لغز النفس البشرية ( الكاتب : ناطق العبيدي )       :: لاتضع حدود لنفسك تعيقك ( الكاتب : ناطق العبيدي )       :: سبق الأمثال الشعبية لفرويد فى نظرية الأحلام نتاج الرغبات اليومية ( الكاتب : الندى )       :: سلسلة مساجد العراق الجامع المرادية في بغداد ( الكاتب : تووفه الحربي )       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا الندى ( الكاتب : الندى )       :: كود نسيت كلمة السر في Navbar ( الكاتب : ناطق العبيدي )       :: مناقشة لمقال ألعاب مرعبة: هل هي حقيقة؟ ( الكاتب : ناطق العبيدي )       :: هوت تشوكليت مع إسبريسو ( الكاتب : الندى )       :: باذنجان مقلي مع ليمون وفلفل ( الكاتب : ناطق العبيدي )       :: كيكة التمر الصحية ( الكاتب : الندى )       :: المغالطات ( الكاتب : ناطق العبيدي )       :: روائع الشعر العراقي/جميل صدقي الزهاوي/جف روض المنى وشح الربيع ( الكاتب : تووفه الحربي )      

همس الشوق من شبكة همس الشوق : إدارة المنتدى ترحب بالعضو الجديد الدلوع شرفتنا بإنضمامك لنا ونتظر ان تسعدنا بمشاركاتك التي راح تكون محل تقديرنا واهتمامنا فأهلا وسهلا بك بين اخوانك

 

 
   
{ اعلانات شبكة همس الشوق ) ~
 
 
 
   
فَعاليِات شبَكة همَس الشُوقِ
 
 

   

 غير مسجل  : بصفتك أحد ركائز المنتدى وأعضائه الفاعلين ، يسر الإدارة أن تتقدم لك بالشكر الجزيل على جهودك الرائعه .. وتأمل منك فضلاً لا أمراً المشاركة في أغلب الأقسام وتشجيع كافة الأعضاء بالردود عليهم والتفاعل معهم بقدر المستطاع . ( بكم نرتقي . غير مسجل  . وبكم نتطور ) همس الشوق


جديد المواضيع في شبكة همس الشوق
إضغط علي شارك اصدقائك او شاركى اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

اخي الزائر لديك رسالة خاصة من شبكة همس الشوق للقراءة ! اضغط هنا !


الملاحظات

مع تحيات : همس الشوق


همس القرآن الكريم خير كتاب أُنُزل على خير الأنام



تفسير القر ن الكريم للقرطبي البقرة

همس القرآن الكريم


إنشاء موضوع جديد  إضافة رد

بحث حول الموضوع انشر علي FaceBook انشر علي twitter
العوده للصفحه الرئيسيه للمنتدى انشاء موضوع جديد ردود اليوم من يجيب المضطر إذا دعاه مقطع صوتى رائع للقارى خالد الجليل
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21 - 1 - 2015, 08:37 AM   #31



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » 11 - 7 - 2020 (05:16 AM)
 فترةالاقامة » 3577يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}
قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً} فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ} معناه هنا صير لتعديه إلى مفعولين: ويأتي بمعنى خلق، ومنه قوله تعالى: {ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ} [المائدة: 103] وقوله: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] ويأتي بمعنى سمى، ومنه قوله تعالى: {حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} [الزخرف: 1- 3]. وقوله: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً} [الزخرف: 15]. {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً} [الزخرف: 19] أي سموهم. ويأتي بمعنى أخذ، كما قال الشاعر:
وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة *** لضغمهما ها يقرع العظم نابها
وقد تأتي زائدة، كما قال الآخر:
وقد جعلت أرى الاثنين أربعة *** والواحد اثنين لمّا هدني الكبر
وقد قيل في قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ}: إنها زائدة. وجعل واجتعل بمعنى واحد، قال الشاعر:
ناط أمر الضعاف واجتعل اللي *** ل كحبل العادية الممدود فراشا
أي وطاء يفترشونها ويستقرون عليها. وما ليس بفراش كالجبال والأوعار والبحار فهي من مصالح ما يفترش منها، لأن الجبال كالأوتاد كما قال: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً} [النبأ: 6- 7]. والبحار تركب إلى سائر منافعها كما قال: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ} [البقرة: 164].
الثانية: قال أصحاب الشافعي: لو حلف رجل ألا يبيت على فراش أو لا يستسرج بسراج فبات على الأرض وجلس في الشمس لم يحنث، لأن اللفظ لا يرجع إليهما عرفا.
وأما المالكية فبنوه على أصلهم في الايمان أنها محمولة على النية أو السبب أو البساط الذي جرت عليه اليمين، فإن عدم ذلك فالعرف.
الثالثة: قوله تعالى: {وَالسَّماءَ بِناءً} السماء للأرض كالسقف للبيت، ولهذا قال وقوله الحق {وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} [الأنبياء: 32] وكل ما علا فأظل قيل له سماء، وقد تقدم القول فيه والوقف على {بِناءً} أحسن منه على {تَتَّقُونَ}، لأن قوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً} نعت للرب. ويقال: بنى فلان بيتا، وبنى على أهله بناء فيهما أي زفها. والعامة تقول: بنى بأهله، وهو خطأ، وكان الأصل فيه أن الداخل بأهله كان يضرب عليها قبة ليلة دخوله بها، فقيل لكل داخل بأهله: بان. وبنى مقصورا شدد للكثرة، وابتنى دارا وبنى بمعنى، ومنه بنيان الحائط، وأصله وضع لبنة على أخرى حتى تثبت. وأصل الماء موه، قلبت الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فقلت ماه، فالتقى حرفان خفيان فأبدلت من الهاء همزة، لأنها أجلد، وهي بالألف أشبه، فقلت: ماء، الألف الأولى عين الفعل، وبعدها الهمزة التي هي بدل من الهاء، وبعد الهمزة ألف بدل من التنوين. قال أبو الحسن: لا يجوز أن يكتب إلا بألفين عند البصريين، وإن شئت بثلاث، فإذا جمعوا أو صغروا ردوا إلى الأصل فقالوا: مويه وأمواه ومياه، مثل جمال وأجمال.
الرابعة: قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ} الثمرات جمع ثمرة. ويقال: ثمر مثل شجر. ويقال ثمر مثل خشب. ويقال: ثمر مثل بدن. وثمار مثل إكام جمع ثمر. وسيأتي لهذا مزيد بيان في الأنعام إن شاء الله. وثمار السياط: عقد أطرافها. والمعنى في الآية أخرجنا لكم ألوانا من الثمرات، وأنواعا من النبات. {رِزْقاً} طعاما لكم، وعلفا لدوابكم، وقد بين هذا قوله تعالى: {أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا. وَحَدائِقَ غُلْباً. وَفاكِهَةً وَأَبًّا. مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ} [عبس: 25- 32] وقد مضى الكلام في الرزق مستوفى والحمد لله.
فإن قيل: كيف أطلق اسم الرزق على ما يخرج من الثمرات قبل التملك؟ قيل له: لأنها معدة لان تملك ويصح بها الانتفاع، فهي رزق.
الخامسة: قلت ودلت هذه الآية على أن الله تعالى أغنى الإنسان عن كل مخلوق، ولهذا قال عليه السلام مشيرا إلى هذا المعنى: «والله لان يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يسأل أحدا أعطاه أو منعه». أخرجه مسلم. ويدخل في معنى الاحتطاب جميع الاشغال من الصنائع وغيرها، فمن أحوج نفسه إلى بشر مثله بسبب الحرص والأمل والرغبة في زخرف الدنيا فقد أخذ بطرف من جعل لله ندا.
وقال علماء الصوفية: أعلم الله عز وجل في هذه الآية سبيل الفقر، وهو أن تجعل الأرض وطاء والسماء غطاء، والماء طيبا والكلأ طعاما، ولا تعبد أحدا في الدنيا من الخلق بسبب الدنيا، فإن الله عز وجل قد أتاح لك ما لأبد لك منه، من غير منة فيه لاحد عليك.
وقال نوف البكالي: رأيت علي بن أبي طالب خرج فنظر إلى النجوم فقال: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ قلت: بل رامق يا أمير المؤمنين، قال: طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، والقرآن والدعاء دثارا وشعارا، فرفضوا الدنيا على منهاج المسيح عليه السلام... وذكر باقي الخبر، وسيأتي تمامه في هذه السورة عند قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} [البقرة: 186] إن شاء الله تعالى.
السادسة: قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا} نهى. {لِلَّهِ أَنْداداً} أي أكفاء وأمثالا ونظراء، واحدها ند، وكذلك قرأ محمد بن السميقع {جُنْداً}، قال الشاعر:
نحمد الله ولا ند له *** عنده الخير وما شاء فعل
وقال حسان:
أتهجوه ولست له بند *** فشركما لخيركما الفداء
ويقال: ند ونديد ونديده على المبالغة، قال لبيد:
ليكلا يكون السندري نديدتي *** وأجعل أقواما عموما عماعما
وقال أبو عبيدة {أَنْداداً} أضدادا. النحاس: {أَنْداداً} مفعول أول، و{لِلَّهِ} في موضع الثاني. الجوهري: والند بفتح النون: التل المرتفع في السماء. والند من الطيب ليس بعربي. وند البعير يند ندا وندادا وندودا: نفر وذهب على وجهه، ومنه قرأ بعضهم {يَوْمَ التَّنادِ}. وندد به أي شهره وسمع به.
السابعة: قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ابتداء وخبر، والجملة في موضع الحال، والخطاب للكافرين والمنافقين، عن ابن عباس. فإن قيل: كيف وصفهم بالعلم وقد نعتهم بخلاف ذلك من الختم والطبع والصمم والعمى. فالجواب من وجهين:
أحدهما: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يريد العلم الخاص بأن الله تعالى خلق الخلق وأنزل الماء وأنبت الرزق، فيعلمون أنه المنعم عليهم دون الأنداد.
الثاني: أن يكون المعنى وأنتم تعلمون وحدانيته بالقوة والإمكان لو تدبرتم ونظرتم، والله أعلم.
وفي هذا دليل على الامر باستعمال حجج العقول وإبطال التقليد.
وقال ابن فورك: يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين، فالمعنى لا ترتدوا أيها المؤمنون وتجعلوا لله أندادا بعد علمكم الذي هو نفي الجهل بأن الله واحد.




رد مع اقتباس
قديم 22 - 5 - 2020, 11:41 PM   #32



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » 11 - 7 - 2020 (05:16 AM)
 فترةالاقامة » 3577يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23)}
قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} أي في شك. {مِمَّا نَزَّلْنا} يعني القرآن، والمراد المشركون الذين تحدوا، فإنهم لما سمعوا القرآن قالوا: ما يشبه هذا كلام الله، وإنا لفي شك منه، فنزلت الآية. ووجه اتصالها بما قبلها أن الله سبحانه لما ذكر في الآية الأولى الدلالة على وحدانيته وقدرته ذكر بعدها الدلالة على نبوة نبيه، وأن ما جاء به ليس مفترى من عنده. قوله: {عَلى عَبْدِنا} يعني محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والعبد مأخوذ من التعبد وهو التذلل، فسمى المملوك من جنس ما يفعله عبدا لتذلله لمولاه، قال طرفة:
إلى أن تحامتني العشيرة كلها *** وأفردت إفراد البعير المعبد
أي المذلل. قال بعضهم: لما كانت العبادة أشرف الخصال والتسمي بها أشرف الخطط، سمى نبيه عبدا، وأنشدوا:
يا قوم قلبي عند زهراء *** يعرفه السامع والرائي
لا تدعني إلا بيا عبدها *** فإنه أشرف أسمائي
{فَأْتُوا بِسُورَةٍ} الفاء جواب الشرط، ائتوا مقصور لأنه من باب المجيء، قاله ابن كيسان. وهو أمر معناه التعجيز، لأنه تعالى علم عجزهم عنه. والسورة واحدة السور. وقد تقدم الكلام فيها وفي إعجاز القرآن، فلا معنى للإعادة. و{من} في قوله: {مِنْ مِثْلِهِ} زائدة، كما قال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} والضمير في: {مِثْلِهِ} عائد على القرآن عند الجمهور من العلماء، كقتادة ومجاهد وغيرهما.
وقيل: يعود على التوراة والإنجيل. فالمعنى فأتوا بسورة من كتاب مثله فإنها تصدق ما فيه.
وقيل: يعود على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. المعنى: من بشر أمي مثله لا يكتب ولا يقرأ. فمن على هذين التأويلين للتبعيض والوقف على {مِثْلِهِ} ليس بتام، لأن {وَادْعُوا} نسق عليه.
قوله تعالى: {وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ} معناه أعوانكم ونصراءكم. الفراء: آلهتكم.
وقال ابن كيسان: فإن قيل كيف ذكر الشهداء هاهنا، وإنما يكون الشهداء ليشهدوا أمرا، أو ليخبروا بأمر شهدوه، وإنما قيل لهم: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}؟ فالجواب: أن المعنى استعينوا بمن وجدتموه من علمائكم، وأحضروهم ليشاهدوا ما تأتون به، فيكون الرد على الجميع أوكد في الحجة عليهم.
قلت: هذا هو معنى قول مجاهد. قال مجاهد: معنى: {وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ} أي ادعوا ناسا يشهدون لكم، أي يشهدون أنكم عارضتموه. النحاس: {شُهَداءَكُمْ} نصب بالفعل جمع شهيد، يقال: شاهد وشهيد، مثل قادر وقدير. وقوله: {مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي من غيره، ودون نقيض فوق، وهو تقصير عن الغاية، ويكون ظرفا. والدون: الحقير الخسيس، قال:
إذا ما علا المرء رام العلاء *** ويقنع بالدون من كان دونا
ولا يشتق منه فعل، وبعضهم يقول منه: دان يدون دونا. ويقال: هذا دون ذاك، أي أقرب منه. ويقال في الإغراء بالشيء: دونكه. قالت تميم للحجاج: أقبرنا صالحا وكان قد صلبه فقال: دونكموه.
قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} فيما قلتم من أنكم تقدرون على المعارضة، لقولهم في آية أخرى: {لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا} [الأنفال: 31] والصدق: خلاف الكذب، وقد صدق في الحديث. والصدق: الصلب من الرماح. ويقال: صدقوهم القتال. والصديق: الملازم للصدق. ويقال: رجل صدق، كما يقال: نعم الرجل. والصداقة مشتقة من الصدق في النصح والود.





رد مع اقتباس
قديم 22 - 5 - 2020, 11:42 PM   #33



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » 11 - 7 - 2020 (05:16 AM)
 فترةالاقامة » 3577يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24)}
قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} يعني فيما مضى {وَلَنْ تَفْعَلُوا} أي تطيقوا ذلك فيما يأتي. والوقف على هذا على {صادِقِينَ} تام.
وقال جماعة من المفسرين: معنى الآية وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ولن تفعلوا، فإن لم تفعلوا فاتقوا النار. فعلى هذا التفسير لا يتم الوقف على {صادِقِينَ}.
فإن قيل: كيف دخلت إن على لم ولا يدخل عامل على عامل؟ فالجواب أن إن هاهنا غير عاملة في اللفظ فدخلت على لم كما تدخل على الماضي، لأنها لا تعمل في لم كما لا تعمل في الماضي، فمعنى إن لم تفعلوا إن تركتم الفعل.
قوله تعالى: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} نصب بلن، ومن العرب من يجزم بها، ذكره أبو عبيدة، ومنه بيت النابغة:
فلن أعرض أبيت اللعن بالصفد ***
وفي حديث ابن عمر حين ذهب به إلى النار في منامه: فقيل لي: «لن ترع». هذا على تلك اللغة.
وفي قوله: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} إثارة لهممهم، وتحريك لنفوسهم، ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع، وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها.
وقال ابن كيسان: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} توقيفا لهم على أنه الحق، وأنهم ليسوا صادقين فيما زعموا من أنه كذب، وأنه مفترى وأنه سحر وأنه شعر، وأنه أساطير الأولين، وهم يدعون العلم ولا يأتون بسورة من مثله. وقوله: {فَاتَّقُوا النَّارَ} جواب {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} أي اتقوا النار بتصديق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطاعة الله تعالى. وقد تقدم معنى التقوى فلا معنى لإعادتها. ويقال: إن لغة تميم وأسد فتقوا النار.
وحكى سيبويه: تقى يتقي، مثل قضى يقضي. {النَّارَ} مفعولة. {الَّتِي} من نعتها. وفيها ثلاث لغات: التي والت بكسر التاء والت بإسكانها. وهي اسم مبهم للمؤنث وهي معرفة، ولا يجوز نزع الألف واللام منها للتنكير، ولا تتم إلا بصلة.
وفي تثنيتها ثلاث لغات أيضا: اللتان واللتا بحذف النون واللتان بتشديد النون.
وفي جمعها خمس لغات:
اللاتي، وهي لغة القرآن. واللات بكسر التاء بلا ياء. واللواتي. واللوات بلا ياء، وأنشد أبو عبيدة:
من اللواتي واللتي واللاتي *** زعمن أن قد كبرت لداتي
واللوا بإسقاط التاء، هذا ما حكاه الجوهري. وزاد ابن الشجري: اللائي بالهمز وإثبات الياء. واللاء بكسر الهمزة وحذف الياء. واللا بحذف الهمزة فإن جمعت الجمع قلت في اللاتي: اللواتي وفي اللائي: اللوائي. قال الجوهري: وتصغير التي اللتيا بالفتح والتشديد، قال الراجز:
بعد اللتيا واللتيا والتي *** إذا علتها أنفس تردت
وبعض الشعراء أدخل على {التي} حرف النداء، وحروف النداء لا تدخل على ما فيه الألف واللام إلا في قولنا: يا الله، وحده. فكأنه شبهها به من حيث كانت الألف واللام غير مفارقتين لها، وقال:
من أجلك يا التي تيمت قلبي *** وأنت بخيلة بالود عني
ويقال: وقع فلان في اللتيا والتي، وهما اسمان من أسماء الداهية. والوقود بالفتح: الحطب. وبالضم: التوقد. و{النَّاسُ} عموم، ومعناه الخصوص فيمن سبق عليه القضاء أنه يكون حطبا لها، أجارنا الله منها. {وَالْحِجارَةُ} هي حجارة الكبريت الأسود عن ابن مسعود والفراء وخصت بذلك لأنها تزيد على جميع الأحجار بخمسة أنواع من العذاب: سرعة الاتقاد، نتن الرائحة، كثرة الدخان، شدة الالتصاق بالأبدان، قوة حرها إذا حميت. وليس في قوله تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ} دليل على أن ليس فيها غير الناس والحجارة، بدليل ما ذكره في غير موضع من كون الجن والشياطين فيها.
وقيل: المراد بالحجارة الأصنام، لقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] أي حطب جهنم. وعليه فتكون الحجارة والناس وقودا للنار، وذكر ذلك تعظيما للنار أنها تحرق الحجارة مع إحراقها للناس.
وعلى التأويل الأول يكونون معذبين بالنار والحجارة. وقد جاء الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «كل مؤذ في النار».
وفي تأويله وجهان:
أحدهما- أن كل من آذى الناس في الدنيا عذبه الله في الآخرة بالنار.
الثاني- أن كل ما يؤذي الناس في الدنيا من السباع والهوام وغيرها في النار معد لعقوبة أهل النار. وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه النار المخصوصة بالحجارة هي نار الكافرين خاصة. والله أعلم. روى مسلم عن العباس بن عبد المطلب قال قلت: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك، فهل نفعه ذلك؟ قال: «نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح- في رواية- ولولا أنا لكان فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»... {وَقُودُهَا} مبتدأ. {النَّاسُ} خبره. {وَالْحِجارَةُ} عطف عليهم. وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف: {وقودها} بضم الواو. وقرأ عبيد بن عمير: {وقيدها الناس}. قال الكسائي والأخفش: الوقود بفتح الواو: الحطب، وبالضم: الفعل، يقال: وقدت النار تقد وقودا بالضم ووقدا وقدة ووقيدا ووقدا ووقدانا، أي توقدت. وأوقدتها أنا واستوقدتها أيضا. والاتقاد مثل التوقد، والموضع موقد، مثل مجلس، والنار موقدة. والوقده: شدة الحر، وهي عشرة أيام أو نصف شهر. قال النحاس: يجب على هذا ألا يقرأ إلا {وَقُودُهَا} بفتح الواو لان المعنى حطبها، إلا أن الأخفش قال: وحكى أن بعض العرب يجعل الوقود والوقود بمعنى الحطب والمصدر. قال النحاس: وذهب إلى أن الأول أكثر، قال: كما أن الوضوء الماء، والوضوء المصدر.
قوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} ظاهره أن غير الكافرين لا يدخلها وليس كذلك، بدليل ما ذكره في غير موضع من الوعيد للمذنبين وبالأحاديث الثابتة في الشفاعة، على ما يأتي. وفيه دليل على ما يقوله أهل الحق من أن النار موجودة مخلوقة، خلافا للمبتدعة في قولهم: إنها لم تخلق حتى الآن. وهو القول الذي سقط فيه القاضي منذر بن سعيد البلوطي الأندلسي. روى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال كنا مع رسول الله إذ سمع وجبة، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تدرون ما هذا؟» قال قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا فهو يهوى في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها».
وروى البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احتجت النار والجنة فقالت هذه يدخلني الجبارون والمتكبرون وقالت هذه يدخلني الضعفاء والمساكين فقال الله عز وجل لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها». وأخرجه مسلم بمعناه. يقال: احتجت بمعنى تحتج، للحديث المتقدم حديث ابن مسعود، ولان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أراهما في صلاة الكسوف، ورأهما أيضا في إسرائه ودخل الجنة، فلا معنى لما خالف ذلك. وبالله التوفيق. و{أُعِدَّتْ} يجوز أن يكون حالا للنار على معنى معدة، وأضمرت معه قد، كما قال: {أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] فمعناه قد حصرت صدورهم، فمع {حَصِرَتْ} قد مضمرة لان الماضي لا يكون حالا إلا مع قد، فعلى هذا لا يتم الوقف على {الْحِجارَةُ}. ويجوز أن يكون كلاما منقطعا عما قبله، كما قال: {وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ} [فصلت: 23].
وقال السجستاني: {أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} من صلة {الَّتِي} كما قال في آل عمران: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} [آل عمران: 131]. ابن الأنباري: وهذا غلط، لأن التي في سورة البقرة قد وصلت بقوله: {وَقُودُهَا النَّاسُ} فلا يجوز أن توصل بصلة ثانية، وفي آل عمران ليس لها صله غير {أُعِدَّتْ}.




رد مع اقتباس
قديم 22 - 5 - 2020, 11:44 PM   #34



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » 11 - 7 - 2020 (05:16 AM)
 فترةالاقامة » 3577يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25)}
قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: لما ذكر الله عز وجل جزاء الكافرين ذكر جزاء المؤمنين أيضا. والتبشير الاخبار بما يظهر أثره على البشرة- وهي ظاهر الجلد- لتغيرها بأول خبر يرد عليك، ثم الغالب أن يستعمل في السرور مقيدا بالخير المبشر به، وغير مقيد أيضا. ولا يستعمل في الغم والشر إلا مقيدا منصوصا على الشر المبشر به، قال الله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} [الانشقاق: 24]. ويقال: بشرته وبشرته- مخفف ومشدد- بشارة بكسر الباء فأبشر واستبشر. وبشر يبشر إذا فرح. ووجه بشير إذا كان حسنا بين البشارة بفتح الباء. والبشرى: ما يعطاه المبشر. وتباشير الشيء: أوله.
الثانية: أجمع العلماء على أن المكلف إذا قال: من بشرني من عبيدي بكذا فهو حر، فبشره واحد من عبيده فأكثر فإن أولهم يكون حرا دون الثاني. واختلفوا إذا قال: من أخبرني من عبيدي بكذا فهو حر فهل يكون الثاني مثل الأول، فقال أصحاب الشافعي: نعم، لأن كل واحد منهم مخبر.
وقال علماؤنا: لا، لأن المكلف إنما قصد خبرا يكون بشارة، وذلك يختص بالأول، وهذا معلوم عرفا فوجب صرف القول إليه. وفرق محمد بن الحسن بين قوله: أخبرني، أو حدثني، فقال: إذا قال الرجل أي غلام لي أخبرني بكذا، أو أعلمني بكذا وكذا فهو حر- ولا نية له- فأخبره غلام له بذلك بكتاب أو كلام أو رسول فإن الغلام يعتق، لأن هذا خبر. وإن أخبره بعد ذلك غلام له عتق، لأنه قال: أي غلام أخبرني فهو حر. ولو أخبروه كلهم عتقوا، وإن كان عنى- حين حلف- بالخبر كلام مشافهة لم يعتق واحد منهم إلا أن يخبره بكلام مشافهة بذلك الخبر. قال: وإذا قال أي غلام لي حدثني، فهذا على المشافهة، لا يعتق واحد منهم.
الثالثة: قوله تعالى: {وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} رد على من يقول: إن الايمان بمجرده يقتضي الطاعات، لأنه لو كان ذلك ما أعادها، فالجنة تنال بالايمان والعمل الصالح.
وقيل: الجنة تنال بالايمان، والدرجات تستحق بالأعمال الصالحات. والله أعلم.
{أَنَّ لَهُمْ} في موضع نصب ب {بشر} والمعنى وبشر الذين آمنوا بأن لهم، أو لان لهم، فلما سقط الخافض عمل الفعل.
وقال الكسائي وجماعة من البصريين: {أن} في موضع خفض بإضمار الباء. {جَنَّاتٍ} في موضع نصب اسم أن، وأن وما عملت فيه في موضع المفعول الثاني. والجنات: البساتين، وإنما سميت جنات لأنها تجن من فيها أي تستره بشجرها، ومنه: المجن والجنين والجنة. {تَجْرِي} في موضع النعت لجنات وهو مرفوع، لأنه فعل مستقبل فحذفت الضمة من الياء لثقلها معها. {مِنْ تَحْتِهَا} أي من تحت أشجارها، ولم يجر لها ذكر، لأن الجنات دالة عليها. {الْأَنْهارُ} أي ماء الأنهار، فنسب الجري إلى الأنهار توسعا، وإنما يجري الماء وحده فحذف اختصارا، كما قال تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي أهلها.
وقال الشاعر:
نبئت أن النار بعدك أوقدت *** واستبّ بعدك يا كليب المجلس
أراد: أهل المجلس، فحذف. والنهر: مأخوذ من أنهرت، أي وسعت، ومنه قول قيس بن الخطيم:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها *** يرى قائم من دونها ما وراءها
أي وسعتها، يصف طعنة. ومنه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه». معناه: ما وسع الذبح حتى يجري الدم كالنهر. وجمع النهر: نهر وأنهار. ونهر نهر: كثير الماء، قال أبو ذؤيب:
أقامت به فابتنت خيمة *** على قصب وفرات نهر
وروي: أن أنهار الجنة ليست في أخاديد، إنما تجري على سطح الجنة منضبطة بالقدرة حيث شاء أهلها. والوقف على {الْأَنْهارُ} حسن وليس بتام، لأن قوله: {كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ} من وصف الجنات. {رِزْقاً} مصدره، وقد تقدم القول في الرزق. ومعنى: {مِنْ قَبْلُ} يعني في الدنيا، وفيه وجهان:
أحدهما- أنهم قالوا هذا الذي وعدنا به في الدنيا.
والثاني- هذا الذي رزقنا الدنيا، لأن لونها يشبه لون ثمار الدنيا، فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك وقيل: {مِنْ قَبْلُ} يعني في الجنة لأنهم يرزقون ثم يرزقون، فإذا أتوا بطعام وثمار في أول النهار فأكلوا منها، ثم أتوا منها في آخر النهار قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل، يعني أطعمنا في أول النهار، لأن لونه يشبه ذلك، فإذا أكلوا منها وجدوا لها طعما غير طعم الأول. {وَأُتُوا} فعلوا من أتيت. وقرأه الجماعة بضم الهمزة والتاء. وقرأ هارون الأعور {وَأُتُوا} بفتح الهمزة والتاء. فالضمير في القراءة الأولى لأهل الجنة، وفي الثانية للخدام. {بِهِ مُتَشابِهاً} حال من الضمير في: {به}، أي يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في الطعم. قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم.
وقال عكرمة: يشبه ثمر الدنيا ويباينه في جل الصفات. ابن عباس: هذا على وجه التعجب، وليس في الدنيا شيء مما في الجنة سوى الأسماء، فكأنهم تعجبوا لما رأوه من حسن الثمرة وعظم خلقها.
وقال قتادة: خيارا لا رذل فيه، كقوله تعالى: {كِتاباً مُتَشابِهاً} [الزمر: 23] وليس كثمار الدنيا التي لا تتشابه، لأن فيها خيارا وغير خيار. {وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ} ابتداء وخبر. وأزواج: جمع زوج. والمرأة: زوج الرجل. والرجل زوج المرأة. قال الأصمعي: ولا تكاد العرب تقول زوجة.
وحكى الفراء أنه يقال: زوجة، وأنشد الفرزدق:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي *** كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وقال عمار بن ياسر في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: والله إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم. ذكره البخاري، واختاره الكسائي. {مُطَهَّرَةٌ} نعت للأزواج. ومطهرة في اللغة أجمع من طاهرة وأبلغ، ومعنى هذه الطهارة من الحيض والبصاق وسائر أقذار الآدميات. ذكر عبد الرازق قال أخبرني الثوري عن ابن أبى نجيح عن مجاهد: {مُطَهَّرَةٌ} قال: لا يبلن ولا يتغوطن ولا يلدن ولا يحضن ولا يمنين ولا يبصقن. وقد أتينا على هذا كله في وصف أهل الجنة وصفه الجنة ونعيمها من كتاب التذكرة. والحمد لله. {وَهُمْ فِيها خالِدُونَ}... {لَهُمْ} مبتدأ. {خالِدُونَ} خبره، والظرف ملغى. ويجوز في غير القرآن نصب خالدين على الحال. والخلود: البقاء ومنه جنة الخلد. وقد تستعمل مجازا فيما يطول، ومنه قولهم في الدعاء: خلد الله ملكه أي طوله. قال زهير:
ألا لا أرى على الحوادث باقيا *** ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
وأما الذي في الآية فهو أبدي حقيقة.




رد مع اقتباس
قديم 22 - 5 - 2020, 11:45 PM   #35



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » 11 - 7 - 2020 (05:16 AM)
 فترةالاقامة » 3577يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (26)}
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين: يعني {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً} [البقرة: 17] وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ} [البقرة: 19] قالوا: الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال، فأنزل الله هذه الآية.
وفي رواية عطاء عن ابن عباس قال: لما ذكر الله آلهة المشركين فقال: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج: 73] وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت، قالوا: أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد، أي شيء يصنع؟ فأنزل الله الآية.
وقال الحسن وقتادة: لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل، ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله الآية. و{يَسْتَحْيِي} أصله يستحيي، عينه ولامه حرفا علة، أعلت اللام منه بأن استثقلت الضمة على الياء فسكنت. واسم الفاعل في هذا: مستحي، والجمع مستحيون ومستحيين. وقرأ ابن محيصن {يستحي} بكسر الحاء وياء واحدة ساكنة، وروى عن ابن كثير، وهي لغة تميم وبكر بن وائل، نقلت فيها حركة الياء الأولى إلى الحاء فسكنت، ثم استثقلت الضمة على الثانية فسكنت، فحذفت إحداهما للالتقاء، واسم الفاعل مستح، والجمع مستحون ومستحين. قاله الجوهري. واختلف المتأولون في معنى: {يَسْتَحْيِي} في هذه الآية فقيل: لا يخشى، ورجحه الطبري، وفي التنزيل: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ} [الأحزاب: 37] بمعنى تستحي.
وقال غيره: لا يترك.
وقيل: لا يمتنع. واصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح، وهذا محال على الله تعالى.
وفي صحيح مسلم: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت أم سليم إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق. المعنى لا يأمر بالحياء فيه، ولا يمتنع من ذكره.
قوله تعالى: {أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما}... {يَضْرِبَ} معناه يبين، و{أن} مع الفعل في موضع نصب بتقدير حذف من. {مَثَلًا} منصوب ب يَضْرِبَ... {بَعُوضَةً} في نصبها أربعة أوجه:
الأول- تكون {ما} زائدة، وب {عُوضَةً} بدلا من {مَثَلًا}.
الثاني- تكون {ما} نكرة في موضع نصب على البدل من قوله: {مَثَلًا}. و{بَعُوضَةً} نعت لما، فوصفت {ما} بالجنس المنكر لإبهامها لأنها بمعنى قليل، قاله الفراء والزجاج وثعلب.
الثالث- نصبت على تقدير إسقاط الجار، المعنى أن يضرب مثلا ما بين بعوضة، فحذفت بين وأعربت بعوضة بإعرابها، والفاء بمعنى إلى، أي إلى ما فوقها. وهذا قول الكسائي والفراء أيضا، وأنشد أبو العباس:
يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم *** ولا حبال محب واصل تصل
أراد ما بين قرن، فلما أسقط بين نصب.
الرابع- أن يكون {يَضْرِبَ} بمعنى يجعل، فتكون {بَعُوضَةً} المفعول الثاني. وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورؤبة بن العجاج {بَعُوضَةً} بالرفع، وهي لغة تميم. قال أبو الفتح: ووجه ذلك أن {ما} اسم بمنزلة الذي، و{بَعُوضَةً} رفع على إضمار المبتدأ، التقدير: لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلا، فحذف العائد على الموصول وهو مبتدأ. ومثله قراءة بعضهم: {تماما على الذي أحسن} أي على الذي هو أحسن.
وحكى سيبويه: ما أنا بالذي قائل لك شيئا، أي هو قائل. قال النحاس: والحذف في ما أقبح منه في الذي، لان الذي إنما له وجه واحد والاسم معه أطول. ويقال: إن معنى ضربت له مثلا، مثلت له مثلا. وهذه الأبنية على ضرب واحد، وعلى مثال واحد ونوع واحد والضرب النوع. والبعوضة: فعولة من بعض إذا قطع اللحم، يقال: بضع وبعض بمعنى، وقد بعضته تبعيضا، أي جزأته فتبعض. والبعوض: البق، الواحدة بعوضة، سميت بذلك لصغرها. قاله الجوهري وغيره.
قوله تعالى: {فَما فَوْقَها} قد تقدم أن الفاء بمعنى إلى، ومن جعل {ما} الأولى صلة زائدة ف- ما الثانية عطف عليها.
وقال الكسائي وأبو عبيدة وغيرهما: معنى: {فَما فَوْقَها}- والله أعلم- ما دونها، أي إنها فوقها في الصغر. قال الكسائي: وهذا كقولك في الكلام: أتراه قصيرا؟ فيقول القائل: أو فوق ذلك، أي هو أقصر مما ترى.
وقال قتادة وابن جريج: المعنى في الكبر. والضمير في أَنَّهُ عائد على المثل أي أن المثل حق.
والحق خلاف الباطل. والحق: واحد الحقوق. والحقة بفتح الحاء أخص منه، يقال: هذه حقتي، أي حقي.
قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} لغة بني تميم وبني عامر في: {أما} أيما، يبدلون من إحدى الميمين ياء كراهية التضعيف، وعلى هذا ينشد بيت عمر بن أبي ربيعة: رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت فيضحى وأيما بالعشي فيخصر قوله تعالى: {فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا} اختلف النحويون في: {ماذا}، فقيل: هي بمنزلة اسم واحد بمعنى أي شيء أراد الله، فيكون في موضع نصب بـ {أَرادَ}. قال ابن كيسان: وهو الجيد.
وقيل: ما اسم تام في موضع رفع بالابتداء، وذا بمعنى الذي وهو خبر الابتداء، ويكون التقدير: ما الذي أراده الله بهذا مثلا، ومعنى كلامهم هذا: الإنكار بلفظ الاستفهام. و{مَثَلًا} منصوب على القطع، التقدير: أراد مثلا، قاله ثعلب.
وقال ابن كيسان: هو منصوب على التمييز الذي وقع موقع الحال.
قوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} قيل: هو من قول الكافرين، أي ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى.
وقيل: بل هو خبر من الله عز وجل، وهو أشبه، لأنهم يقرون بالهدى أنه من عنده، فالمعنى: قل يضل الله به كثيرا ويهدي به كثيرا، أي يوفق ويخذل، وعليه فيكون فيه رد على من تقدم ذكرهم من المعتزلة وغيرهم في قولهم: إن الله لا يخلق الضلال ولا الهدى. قالوا: ومعنى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً} التسمية هنا، أي يسميه ضالا، كما يقال: فسقت فلانا، يعني سميته فاسقا، لأن الله تعالى لا يضل أحدا. هذا طريقهم في الإضلال، وهو خلاف أقاويل المفسرين، وهو غير محتمل في اللغة، لأنه يقال: ضلله إذا سماه ضالا، ولا يقال: أضله إذا سماه ضالا، ولكن معناه ما ذكره المفسرون أهل التأويل من الحق أنه يخذل به كثيرا من الناس مجازاة لكفرهم. ولا خلاف أن قوله: {وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ} أنه من قول الله تعالى. و{الْفاسِقِينَ} نصب بوقوع الفعل عليهم، والتقدير: وما يضل به أحدا إلا الفاسقين الذين سبق في علمه أنه لا يهديهم. ولا يجوز أن تنصبهم على الاستثناء لان الاستثناء لا يكون إلا بعد تمام الكلام.
وقال نوف البكالي: قال عزير فيما يناجي ربه عز وجل: إلهي تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء. قال فقيل: يا عزير أعرض عن هذا! لتعرضن عن هذا أو لامحونك من النبوة، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون. والضلال أصله الهلاك، يقال منه: ضل الماء في اللبن إذا استهلك، ومنه قوله تعالى: {أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ} [السجدة: 10] وقد تقدم في الفاتحة. والفسق أصله في كلام العرب الخروج عن الشيء، يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، والفأرة من جحرها. والفويسقة: الفأرة، وفي الحديث: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا». روته عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أخرجه مسلم.
وفي رواية: «العقرب» مكان: «الحية». فأطلق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها اسم الفسق لاذيتها، على ما يأتي بيانه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وفسق الرجل يفسق ويفسق أيضا- عن الأخفش- فسقا وفسوقا، أي فجر. فأما قوله تعالى: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} فمعناه خرج. وزعم ابن الأعرابي أنه لم يسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق. قال: وهذا عجب، وهو كلام عربي حكاه عنه ابن فارس والجوهري.
قلت: قد ذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الزاهر له لما تكلم على معنى الفسق قول الشاعر:
يذهبن في نجد وغورا غائرا *** فواسقا عن قصدها جوائرا
والفسيق: الدائم الفسق. ويقال في النداء: يا فسق ويا خبث، يريد: يا أيها الفاسق، ويا أيها الخبيث. والفسق في عرف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة الله عز وجل، فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان.




رد مع اقتباس
قديم 22 - 5 - 2020, 11:46 PM   #36



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » 11 - 7 - 2020 (05:16 AM)
 فترةالاقامة » 3577يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27)}
فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {الَّذِينَ} الذين في موضع نصب على النعت للفاسقين، وإن شئت جعلته في موضع رفع على أنه خبر ابتدا محذوف، أي هم الذين. وقد تقدم.
الثانية: قوله تعالى: {يَنْقُضُونَ} النقض: إفساد ما أبرمته من بناء أو حبل أو عهد. والنقاضة. ما نقض من حبل الشعر. والمناقضة في القول: أن تتكلم بما تناقض معناه. والنقيضة في الشعر: ما ينقض به. والنقض: المنقوض. واختلف الناس في تعيين هذا العهد، فقيل: هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره.
وقيل: هو وصية الله تعالى إلى خلقه، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسنة رسله، ونقضهم ذلك ترك العمل به.
وقيل: بل نصب الادلة على وحدانيته بالسماوات والأرض وسائر الصنعة هو بمنزلة العهد، ونقضهم ترك النظر في ذلك.
وقيل: هو ما عهده إلى من أوتي الكتاب أن يبينوا نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يكتموا أمره. فالآية على هذا في أهل الكتاب. قال أبو إسحاق الزجاج: عهده عز وجل ما أخذه على النبيين ومن اتبعهم ألا يكفروا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ودليل ذلك: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: 81] إلى قوله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] أي عهدي.
قلت: وظاهر ما قبل وما بعد يدل على أنها في الكفار. فهذه خمسة أقوال، والقول الثاني يجمعها.
الثالثة: قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ} الميثاق: العهد المؤكد باليمين، مفعال من الوثاقة والمعاهدة، وهي الشدة في العقد والربط ونحوه. والجمع المواثيق على الأصل، لأن أصل ميثاق موثاق، صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها- والمياثق والمياثيق أيضا، وأنشد ابن الاعرابي:
حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا *** ولا نسأل الأقوام عهد المياثق
والموثق: الميثاق. والمواثقة: المعاهدة، ومنه قوله تعالى: {وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ}.
الرابعة: قوله تعالى: {وَيَقْطَعُونَ} القطع معروف، والمصدر- في الرحم- القطيعة، يقال: قطع رحمه قطيعة فهو رجل قطع وقطعة، مثال همزة. وقطعت الحبل قطعا. وقطعت النهر قطوعا. وقطعت الطير قطوعا وقطاعا وقطاعا إذا خرجت من بلد إلى بلد. وأصاب الناس قطعة: إذا قلت مياههم. ورجل به قطع: أي انبهار.
الخامسة: قوله تعالى: {ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} {ما} في موضع نصب بـ {يقطعون}. و{أن} إن شئت كانت بدلا من {ما} وإن شئت من الهاء في: {به} وهو أحسن. ويجوز أن يكون لئلا يوصل، أي كراهة أن يوصل. واختلف ما الشيء الذي أمر بوصله؟ فقيل: صلة الأرحام.
وقيل: أمر أن يوصل القول بالعمل، فقطعوا بينهما بأن قالوا ولم يعملوا.
وقيل: أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه، فقطعوه بتصديق بعضهم وتكذيب بعضهم.
وقيل: الإشارة إلى دين الله وعبادته في الأرض، وإقامة شرائعه وحفظ حدوده. فهي عامة في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل. هذا قول الجمهور، والرحم جزء من هذا.
السادسة: قوله تعالى: {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} أي يعبدون غير الله تعالى ويجورون في الافعال، إذ هي بحسب شهواتهم، وهذا غاية الفساد.
{أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} ابتداء وخبر. و{هُمُ} زائدة، ويجوز أن تكون {هُمُ} ابتداء ثان، {الْخاسِرُونَ} خبره، والثاني وخبره خبر الأول كما تقدم. والخاسر: الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز. والخسران: النقصان، كان في ميزان أو غيره، قال جرير:
إن سليطا في الخسار إنه *** أولاد قوم خلقوا أقنه
يعني بالخسار ما ينقص من حظوظهم وشرفهم. قال الجوهري: وخسرت الشيء بالفتح وأخسرته نقصته. والخسار والخسارة والخيسرى: الضلال والهلاك. فقيل للهالك: خاسر، لأنه خسر نفسه واهلة يوم القيامة ومنع منزله من الجنة.
السابعة: في هذه الآية دليل على أن الوفاء بالعهد والتزامه وكل عهد جائز ألزمه المرء نفسه فلا يحل له نقضه سواء أكان بين مسلم أم غيره، لذم الله تعالى من نقض عهده. وقد قال: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقد قال لنبيه عليه السلام: {وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ} [الأنفال: 85]فنهاه عن الغدر، وذلك لا يكون إلا بنقض العهد على ما يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.







رد مع اقتباس
قديم 22 - 5 - 2020, 11:47 PM   #37



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » 11 - 7 - 2020 (05:16 AM)
 فترةالاقامة » 3577يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)}
... {كَيْفَ} سؤال عن الحال، وهي اسم في موضع نصب ب- {تَكْفُرُونَ}، وهي مبنية على الفتح وكان سبيلها أن تكون ساكنة، لأن فيها معنى الاستفهام الذي معناه التعجب فأشبهت الحروف، واختير لها الفتح لخفته، أي هؤلاء ممن يجب أن يتعجب منهم حين كفروا وقد ثبتت عليهم الحجة. فإن قيل: كيف يجوز أن يكون هذا الخطاب لأهل الكتاب وهم لم يكفروا بالله؟ فالجواب ما سبق من أنهم لما لم يثبتوا أمر محمد عليه السلام ولم يصدقوه فيما جاء به فقد أشركوا، لأنهم لم يقروا بأن القرآن من عند الله. ومن زعم أن القرآن كلام البشر فقد أشرك بالله وصار ناقضا للعهد.
وقيل: {كَيْفَ} لفظه لفظ الاستفهام وليس به، بل هو تقرير وتوبيخ، أي كيف تكفرون نعمه عليكم وقدرته هذه! قال الواسطي: وبخهم بهذا غاية التوبيخ، لأن الموات والجماد لا ينازع صانعه في شي، وإنما المنازعة من الهياكل الروحانية.
قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَمْواتاً} هذه الواو واو الحال، وقد مضمرة. قال الزجاج: التقدير وقد كنتم، ثم حذفت قد.
وقال الفراء: {أَمْواتاً} خبر {كُنْتُمْ}... {فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} هذا وقف التمام، كذا قال أبو حاتم. ثم قال: {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} واختلف أهل التأويل في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين، وكم من موتة وحياة للإنسان؟ فقال ابن عباس وابن مسعود: أي كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا فأحياكم- أي خلقكم- ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم، ثم يحييكم يوم القيامة. قال ابن عطية: وهذا القول هو المراد بالآية، وهو الذي لا محيد للكفار عنه لإقرارهم بهما، وإذا أذعنت نفوس الكفار لكونهم أمواتا معدومين، ثم للاحياء في الدنيا، ثم للإماتة فيها قوي عليهم لزوم الأحياء الآخر وجاء جحدهم له دعوى لا حجة عليها. قال غيره: والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم حياة الدنيا.
وقيل: لم يعتد بها كما لم يعتد بموت من أماته في الدنيا ثم أحياه في الدنيا.
وقيل: كنتم أمواتا في ظهر آدم، ثم أخرجكم من ظهره كالذر، ثم يميتكم موت الدنيا ثم يبعثكم.
وقيل: كنتم أمواتا- أي نطفا- في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ثم نقلكم من الأرحام فأحياكم، ثم يميتكم بعد هذه الحياة، ثم يحييكم في القبر للمسألة، ثم يميتكم في القبر، ثم يحييكم حياة النشر إلى الحشر، وهي الحياة التي ليس بعدها موت.
قلت: فعلى هذا التأويل هي ثلاث موتات، وثلاث إحياءات. وكونهم موتى في ظهر آدم، وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفا في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فعلى هذا تجئ أربع موتات وأربع إحياءات. وقد قيل: إن الله تعالى أوجدهم قبل خلق آدم عليه السلام كالهباء ثم أماتهم، فيكون على هذا خمس موتات، وخمس إحياءات. وموتة سادسة للعصاة من أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخلوا النار، لحديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما أهل النار الذي هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم- أو قال بخطاياهم- فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فجئ بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يأهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل». فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان يرعى بالبادية. أخرجه مسلم.
قلت: فقوله: {فأماتهم الله} حقيقة في الموت، لأنه أكده بالمصدر، وذلك تكريما لهم.
وقيل: يجوز أن يكون {أماتهم} عبارة عن تغييبهم عن آلامها بالنوم، ولا يكون ذلك موتا على الحقيقة، والأول أصح. وقد أجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا، وإنما هو على الحقيقة، ومثله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً} [النساء: 164] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وقيل: المعنى وَكُنْتُمْ أَمْواتاً بالخمول فَأَحْياكُمْ بأن ذكرتم وشرفتم بهذا الدين والنبي الذي جاءكم، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ فيموت ذكركم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ للبعث.
قوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي إلى عذابه مرجعكم لكفركم.
وقيل: إلى الحياة وإلى المسألة، كما قال تعالى: {كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] فإعادتهم كابتدائهم، فهو رجوع. و{تُرْجَعُونَ} قراءة الجماعة. ويحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق ومجاهد وابن محيصن وسلام بن يعقوب يفتحون حرف المضارعة ويكسرون الجيم حيث وقعت.




رد مع اقتباس
قديم 22 - 5 - 2020, 11:49 PM   #38



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » 11 - 7 - 2020 (05:16 AM)
 فترةالاقامة » 3577يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} فيه عشر مسائل:
الأولى: {خَلَقَ} معناه اخترع وأوجد بعد العدم. وقد يقال في الإنسان: {خَلَقَ} عند إنشائه شيئا، ومنه قول الشاعر:
من كان يخلق ما يقو *** ل فحيلتي فيه قليله
وقد تقدم هذا المعنى.
وقال ابن كيسان: {خَلَقَ لَكُمْ} أي من أجلكم.
وقيل: المعنى أن جميع ما في الأرض منعم به عليكم فهو لكم.
وقيل: إنه دليل على التوحيد والاعتبار.
قلت: وهذا هو الصحيح على ما نبينه. ويجوز أن يكون عني به ما هم إليه محتاجون من جميع الأشياء.
الثانية: استدل من قال إن أصل الأشياء التي ينتفع بها الإباحة بهذه الآية وما كان مثلها- كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية: 13] الآية- حتى يقوم الدليل على الحظر. وعضدوا هذا بأن قالوا: إن المآكل الشهية خلقت مع إمكان ألا تخلق فلم تخلق عبثا، فلا بد لها من منفعة. وتلك المنفعة لا يصح رجوعها إلى الله تعالى لاستغنائه بذاته، فهي راجعة إلينا. ومنفعتنا إما في نيل لذتها، أو في اجتنابها لنختبر بذلك، أو في اعتبارنا بها. ولا يحصل شيء من تلك الأمور إلا بذوقها، فلزم أن تكون مباحة. وهذا فاسد، لأنا لا نسلم لزوم العبث من خلقها إلا لمنفعة، بل خلقها كذلك لأنه لا يجب عليه أصل المنفعة، بل هو الموجب. ولا نسلم حصر المنفعة فيما ذكروه، ولا حصول بعض تلك المنافع إلا بالذوق، بل قد يستدل على الطعوم بأمور أخر كما هو معروف عند الطبائعيين. ثم هو معارض بما يخاف أن تكون سموما مهلكة، ومعارضون بشبهات أصحاب الحظر. وتوقف آخرون وقالوا: ما من فعل لا ندرك منه حسنا ولا قبحا إلا ويمكن أن يكون حسنا في نفسه، ولا معين قبل ورود الشرع، فتعين الوقف إلى ورود الشرع. وهذه الأقاويل الثلاثة للمعتزلة. وقد أطلق الشيخ أبو الحسن وأصحابه وأكثر المالكية والصيرفي في هذه المسألة القول بالوقف. ومعناه عندهم أن لا حكم فيها في تلك الحال، وأن للشرع إذا جاء أن يحكم بما شاء، وأن العقل لا يحكم بوجوب ولا غيره وإنما حظه تعرف الأمور على ما هي عليه. قال ابن عطية: وحكى ابن فورك عن ابن الصائغ أنه قال: لم يخل العقل قط من السمع، ولا نازلة إلا وفيها سمع، أو لها تعلق به، أو لها حال تستصحب. قال: فينبغي أن يعتمد على هذا، ويغني عن النظر في حظر وإباحة ووقف.
الثالثة: الصحيح في معنى قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ} الاعتبار. يدل عليه ما قبله وما بعده من نصب العبر: الأحياء والإماتة والخلق والاستواء إلى السماء وتسويتها، أي الذي قدر على أحيائكم وخلقكم وخلق السموات والأرض، لا تبعد منه القدرة على الإعادة. فإن قيل: إن معنى: {لَكُمْ} الانتفاع، أي لتنتفعوا بجميع ذلك، قلنا المراد بالانتفاع الاعتبار لما ذكرنا. فان قيل: وأى اعتبار في العقارب والحيات، قلنا: قد يتذكر الإنسان ببعض ما يرى من المؤذيات ما أعد الله للكفار في النار من العقوبات فيكون سببا للايمان وترك المعاصي، وذلك أعظم الاعتبار. قال ابن العربي: وليس في الاخبار بهذه القدرة عن هذه الجملة ما يقتضي حظرا ولا إباحة ولا وقفا، وإنما جاء ذكر هذه الآية في معرض الدلالة والتنبيه ليستدل بها على وحدانيته.
وقال أرباب المعاني في قوله: {خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} لتتقووا به على طاعته، لا لتصرفوه في وجوه معصيته.
وقال أبو عثمان: وهب لك الكل وسخره لك لتستدل به على سعة جوده، وتسكن إلى ما ضمن لك من جزيل عطائه في المعاد، ولا تستكثر كثير بره على قليل عملك، فقد ابتدأك بعظيم النعم قبل العمل وهو التوحيد.
الرابعة: روى زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رجلا أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله أن يعطيه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما عندي شيء ولكن ابتع علي فإذا جاء شيء قضينا». فقال له عمر: هذا أعطيت إذا كان عندك فما كلفك الله ما لا تقدر. فكره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول عمر، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا
فتبسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعرف السرور في وجهه لقول الأنصاري. ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بذلك أمرت». قال علماؤنا رحمة الله عليهم: فخوف الإقلال من سوء الظن بالله، لأن الله تعالى خلق الأرض بما فيها لولد آدم، وقال في تنزيله: {خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} {وسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية: 13]. فهذه الأشياء كلها مسخرة للآدمي قطعا لعذره وحجة عليه، ليكون له عبدا كما خلقه عبدا، فإذا كان العبد حسن الظن بالله لم يخف الإقلال لأنه يخلف عليه، كما قال تعالى: {وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] وقال: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الله تعالى: «سبقت رحمتي غضبي يا بن آدم أنفق أنفق عليك يمين الله ملأى سحا لا يغيضها شيء الليل والنهار».
وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا». وكذا في المساء عند الغروب يناديان أيضا، وهذا كله صحيح رواه الأئمة والحمد لله. فمن استنار صدره، وعلم غنى ربه وكرمه أنفق ولم يخف الإقلال، وكذلك من ماتت شهواته عن الدنيا واجتزأ باليسير من القوت المقيم لمهجته، وانقطعت مشيئته لنفسه، فهذا يعطي من يسره وعسره ولا يخاف إقلالا. وإنما يخاف الإقلال من له مشيئة في الأشياء، فإذا أعطي اليوم وله غدا مشيئة في شيء خاف ألا يصيب غدا، فيضيق عليه الامر في نفقة اليوم لمخافة إقلاله. روى مسلم عن أسماء بنت أبي بكر قالت قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انفحي أو انضحي أو أنفقي ولا تحصى فيحصى الله عليك ولا توعى فيوعى عليك».
وروى النسائي عن عائشة قالت: دخل علي سائل مرة وعندي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرت له بشيء ثم دعوت به فنظرت إليه فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما تريدين ألا يدخل بيتك شيء ولا يخرج إلا بعلمك؟» قلت: نعم، قال: «مهلا يا عائشة لا تحصي فيحصي الله عز وجل عليك».
الخامسة: قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوى} {ثم} لترتيب الاخبار لا لترتيب الامر في نفسه. والاستواء في اللغة: الارتفاع والعلو على الشيء، قال الله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 28]، وقال: {لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13]، وقال الشاعر:
فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة *** وقد حلق النجم اليماني فاستوى
أي ارتفع وعلا، واستوت الشمس على رأسي واستوت الطير على قمة رأسي، بمعنى علا. وهذه الآية من المشكلات، والناس فيها وفيما شاكلها على ثلاثة أوجه قال بعضهم: نقرؤها ونؤمن بها ولا نفسرها، وذهب إليه كثير من الأئمة، وهذا كما روى عن مالك رحمه الله أن رجلا سأله عن قوله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} [طه: 5] قال مالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والايمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، واراك رجل سوء! أخرجوه.
وقال بعضهم: نقرؤها ونفسرها على ما يحتمله ظاهر اللغة. وهذا قول المشبهة.
وقال بعضهم: نقرؤها ونتأولها ونحيل حملها على ظاهرها.
وقال الفراء في قوله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ} قال: الاستواء في كلام العرب على وجهين، أحدهما: أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته، أو يستوي عن اعوجاج. فهذان وجهان. ووجه ثالث أن تقول: كان فلان مقبلا على فلان ثم استوى علي وإلي يشاتمني. على معنى أقبل إلي وعلي. فهذا معنى قوله: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} والله أعلم. قال وقد قال ابن عباس: ثم استوى إلى السماء صعد. وهذا كقولك: كان قاعدا فاستوى قائما، وكان قائما فاستوى قاعدا، وكل ذلك في كلام العرب جائز.
وقال البيهقي أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين: قوله: {اسْتَوى} بمعنى أقبل صحيح، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء، والقصد هو الإرادة، وذلك جائز في صفات الله تعالى. ولفظة {ثُمَّ} تتعلق بالخلق لا بالإرادة. وأما ما حكى عن ابن عباس فإنما أخذه عن تفسير الكلبي، والكلبي ضعيف.
وقال سفيان بن عيينة وابن كيسان في قوله: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ}: قصد إليها، أي بخلقه واختراعه، فهذا قول.
وقيل: على دون تكييف ولا تحديد، واختاره الطبري. ويذكر عن أبي العالية الرياحي في هذه الآية أنه يقال: استوى بمعنى أنه ارتفع. قال البيهقي: ومراده من ذلك- والله أعلم- ارتفاع أمره، وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء.
وقيل: إن المستوي الدخان.
وقال ابن عطية: وهذا يأباه وصف الكلام.
وقيل: المعنى استولى، كما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق
قال ابن عطية: وهذا إنما يجئ في قوله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} [طه: 5].
قلت: قد تقدم في قول الفراء علي وإلي بمعنى. وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى. والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع الحركة والنقلة.
السادسة: يظهر من هذه الآية أنه سبحانه خلق الأرض قبل السماء، وكذلك في حم السجدة.
وقال في النازعات: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها} [النازعات: 27] فوصف خلقها، ثم قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} [النازعات: 30]. فكأن السماء على هذا خلقت قبل الأرض، وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام: 1] وهذا قول قتادة: إن السماء خلقت أولا، حكاه عنه الطبري.
وقال مجاهد وغيره من المفسرين: إنه تعالى أيبس الماء الذي كان عرشه عليه فجعله أرضا وثار منه دخان فارتفع، فجعله سماء فصار خلق الأرض قبل خلق السماء، ثم قصد أمره إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وكانت إذ خلقها غير مدحوة.
قلت: وقول قتادة يخرج على وجه صحيح إن شاء الله تعالى، وهو أن الله تعالى خلق أولا دخان السماء ثم خلق الأرض، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواها، ثم دحا الأرض بعد ذلك. ومما يدل على أن الدخان خلق أولا قبل الأرض ما رواه السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ} [البقرة: 29] قال: إن الله تبارك وتعالى كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ولم يخلق شيئا قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء، فسما عليه، فسماه سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين، في الأحد والاثنين. فجعل الأرض على حوت- والحوت هو النون الذي ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن بقوله: {ن وَالْقَلَمِ} [القلم: 1] والحوت في الماء والماء على صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على الصخرة، والصخرة في الريح- وهي الصخرة التي ذكر لقمان: ليست في السماء ولا في الأرض- فتحرك الحوت فاضطرب، فتزلزلت الأرض، فأرسل عليها الجبال فقرت، فالجبال تفخر على الأرض، وذلك قوله تعالى: {وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] وخلق الجبال فيها، وأقوات أهلها وشجرها، وما ينبغي لها في يومين، في الثلاثاء والأربعاء، وذلك حين يقول: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 9، 10] يقول: من سأل فهكذا الامر، {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ} وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس، فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين، في الخميس والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض، {وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها} [فصلت: 12] قال: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب، فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين. فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش، قال فذلك حين يقول: {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الحديد: 4] ويقول: {كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما} [الأنبياء: 30] وذكر القصة في خلق آدم عليه السلام، على ما يأتي بيانه في هذه السورة إن شاء الله تعالى.
وروى وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: «إن أول ما خلق الله عز وجل من شيء القلم فقال له اكتب. فقال: يا رب وما اكتب؟ قال: اكتب القدر. فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة. قال: ثم خلق النون فدحا الأرض عليها، فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات، واضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، فإن الجبال تفخر على الأرض إلى يوم القيامة». ففي هذه الرواية خلق الأرض قبل ارتفاع بخار الماء الذي هو الدخان، خلاف الرواية الأولى. والرواية الأولى عنه وعن غيره أولى، لقوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} [النازعات: 30] والله أعلم بما فعل، فقد اختلفت فيه الأقاويل، وليس للاجتهاد فيه مدخل.
وذكر أبو نعيم عن كعب الأحبار أن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض كلها، فألقى في قلبه، فقال: هل تدري ما على ظهرك يا لوثيا من الأمم والشجر والدواب والناس والجبال! لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع. قال: فهم لوثيا بفعل ذلك، فبعث الله دابة فدخلت في منخره، فعج إلى الله منها فخرجت. قال كعب: والذي نفسي بيده، إنه لينظر إليها بين يديه وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت حيث كانت.
السابعة: أصل خلق الأشياء كلها من الماء لما رواه ابن ماجه في سننه، وأبو حاتم البستي في صحيح مسنده عن أبى هريرة قال قلت: يا رسول الله، إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني، أنبئني عن كل شي. قال: «كل شيء خلق من الماء» فقلت: أخبرني عن شيء إذا عملت به دخلت الجنة. قال: «أطعم الطعام وأفش السلام وصل الأرحام وقم الليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام». قال أبو حاتم قول أبي هريرة: «أنبئني عن كل شي» أراد به عن كل شيء خلق من الماء. والدليل على صحة هذا جواب المصطفى عليه السلام إياه حيث قال: «كل شيء خلق من الماء» وإن لم يكن مخلوقا.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن أول شيء خلقه الله القلم وأمره فكتب كل شيء يكون» ويروى ذلك أيضا عن عبادة بن الصامت مرفوعا. قال البيهقي: وإنما أراد- والله أعلم- أول شيء خلقه بعد خلق الماء والريح والعرش القلم. وذلك بين في حديث عمران بن حصين، ثم خلق السموات والأرض.
وذكر عبد الرزاق بن عمر بن حبيب المكي عن حميد بن قيس الأعرج عن طاوس قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله: مم خلق الخلق؟ قال: من الماء والنور والظلمة والريح والتراب. قال الرجل: فمم خلق هؤلاء؟ قال: لا أدري. قال: ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير فسأله، فقال مثل قول عبد الله بن عمرو. قال: فأتى الرجل عبد الله بن عباس فسأله، فقال: مم خلق الخلق؟ قال: من الماء والنور والظلمة والريح والتراب. قال الرجل: فمم خلق هؤلاء؟ فتلا عبد الله بن عباس: {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية: 13] فقال الرجل: ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من أهل بيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال البيهقي: أراد أن مصدر الجميع منه، أي من خلقه وإبداعه واختراعه. خلق الماء أولا، أو الماء وما شاء من خلقه لا عن أصل ولا على مثال سبق، ثم جعله أصلا لما خلق بعد، فهو المبدع وهو البارئ لا إله غيره ولا خالق سواه، سبحانه عز وجل.
الثامنة: قوله تعالى: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ} ذكر تعالى أن السموات سبع. ولم يأت للأرض في التنزيل عدد صريح لا يحتمل التأويل إلا قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] وقد اختلف فيه، فقيل: ومن الأرض مثلهن أي في العدد، لأن الكيفية والصفة مختلفة بالمشاهدة والاخبار، فتعين العدد.
وقيل: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} أي في غلظهن وما بينهن.
وقيل: هي سبع إلا أنه لم يفتق بعضها من بعض، قال الداودي. والصحيح الأول، وأنها سبع كالسماوات سبع. روى مسلم عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين». وعن عائشة رضي الله عنها مثله، إلا أن فيه من بدل إلى.
ومن حديث أبي هريرة: «لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة».
وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «قال موسى عليه السلام يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به قال يا موسى قل لا إله إلا الله قال موسى يا رب كل عبادك يقول هذا قال قل لا إله إلا الله قال لا إله إلا أنت إنما أريد شيئا تخصني به قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله».
وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: بينما نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب، فقال نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هل تدرون ما هذا» فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «هذا العنان هذه زوايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه»- قال: «هل تدرون ما فوقكم» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف»- ثم قال: «هل تدرون كم بينكم وبينها» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «بينكم وبينها مسيرة خمسمائة عام»- ثم قال: «هل تدرون ما فوق ذلك» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن فوق ذلك سماءين بعد ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة» ثم قال: «كذلك حتى عد سبع سموات ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض». ثم قال: «هل تدرون ما فوق ذلك» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين»- ثم قال:- «هل تدرون ما الذي تحتكم» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها الأرض»- ثم قال: «هل تدرون ما تحت ذلك» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن تحتها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين، بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة»، ثم قال: «والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله»- ثم قرأ- {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}. قال أبو عيسى: قراءة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآية تدل على أنه أراد: لهبط على علم الله وقدرته وسلطانه، علم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على عرشه كما وصف نفسه في كتابه. قال: هذا حديث غريب، والحسن لم يسمع من أبي هريرة. والآثار بأن الأرضين سبع كثيرة، وفيما ذكرنا كفاية. وقد روى أبو الضحى- واسمه مسلم- عن ابن عباس أنه قال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] قال: سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى. قال البيهقي: إسناد هذا عن ابن عباس صحيح، وهو شاذ بمرة لا أعلم لابي الضحى عليه دليلا، والله أعلم.
التاسعة: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ} ابتداء وخبر. {ما} في موضع نصب. {جَمِيعاً} عند سيبويه نصب على الحال {ثُمَّ اسْتَوى} أهل نجد يميلون ليدلوا على أنه من ذوات الياء، وأهل الحجاز يفخمون. {سَبْعَ} منصوب على البدل من الهاء والنون، أي فسوى سبع سموات. ويجوز أن يكون مفعولا على تقدير يسوي بينهن سبع سموات، كما قال الله عز وجل: {وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155] أي من قومه، قال النحاس.
وقال الأخفش: انتصب على الحال. {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ابتداء وخبر. والأصل في: {هو} تحريك الهاء، والإسكان استخفاف. والسماء تكون واحدة مؤنثة، مثل عنان، وتذكيرها شاذ، وتكون جمعا لسماوة في قول الأخفش، وسماءه في قول الزجاج، وجمع الجمع سماوات وسماءات. فجاء {سواهن} إما على أن السماء جمع وإما على أنها مفرد اسم جنس. ومعنى سواهن سوى سطوحهن بالاملاس.
وقيل: جعلهن سواء.
العاشرة: قوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي بما خلق وهو خالق كل شي، فوجب أن يكون عالما بكل شي، وقد قال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] فهو العالم والعليم بجميع المعلومات بعلم قديم أزلي واحد قائم بذاته، ووافقنا المعتزلة على العالمية دون العلمية. وقالت الجهمية: عالم بعلم قائم لا في محل، تعالى الله عن قول أهل الزيغ والضلالات، والرد على هؤلاء في كتب الديانات. وقد وصف نفسه سبحانه بالعلم فقال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء: 166]، وقال: {فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: 14]، وقال: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} [الأعراف: 7]، وقال: {وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11]، وقال: {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] الآية. وسندل على ثبوت علمه وسائر صفاته في هذه السورة عند قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] إن شاء الله تعالى. وقرأ الكسائي وقالون عن نافع بإسكان الهاء من: هو وهي، إذا كان قبلها فاء أو واو أو لام أو ثم، وكذلك فعل أبو عمرو إلا مع ثم. وزاد أبو عون عن الحلواني عن قالون إسكان الهاء من {أَنْ يُمِلَّ هُوَ} والباقون بالتحريك.




رد مع اقتباس
قديم 23 - 5 - 2020, 12:50 PM   #39



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » 11 - 7 - 2020 (05:16 AM)
 فترةالاقامة » 3577يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} فيه سبع عشرة مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} إذ وإذا حرفا توقيت، فإذ للماضي، وإذا للمستقبل، وقد توضع إحداهما موضع الأخرى.
وقال المبرد: إذا جاء {إذ} مع مستقبل كان معناه ماضيا، نحو قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ} [الأنفال: 30] {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] معناه إذ مكروا، وإذ قلت. وإذا جاء {إذا} مع الماضي كان معناه مستقبلا، كقوله تعالى: {فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ} [النازعات: 34] {فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ} [عبس: 33] و{إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] أي يجيء.
وقال معمر بن المثنى أبو عبيدة: {إذ} زائدة، والتقدير: وقال ربك، واستشهد بقول الأسود بن يعفر:
فإذ وذلك لا مهاة لذكره *** والدهر يعقب صالحا بفساد
وأنكر هذا القول الزجاج والنحاس وجميع المفسرين. قال النحاس: وهذا خطأ، لأن {إذ} اسم وهي ظرف زمان ليس مما تزاد.
وقال الزجاج: هذا اجترام من أبي عبيدة، ذكر الله عز وجل خلق الناس وغيرهم، فالتقدير وابتدأ خلقكم إذ قال، فكان هذا من المحذوف الذي دل عليه الكلام، كما قال:
فإن المنية من يخشها *** فسوف تصادفه أينما
يريد أينما ذهب. ويحتمل أن تكون متعلقة بفعل مقدر تقديره واذكر إذ قال.
وقيل: هو مردود إلى قوله تعالى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة: 21] فالمعنى الذي خلقكم إذ قال ربك للملائكة. وقول الله تعالى وخطابه للملائكة متقرر قديم في الأزل بشرط وجودهم وفهمهم. وهكذا الباب كله في أوامر الله تعالى ونواهيه ومخاطباته. وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري، وهو الذي ارتضاه أبو المعالي. وقد أتينا عليه في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفات الله العلى. والرب: المالك والسيد والمصلح والجابر، وقد تقدم بيانه.
الثانية: قوله تعالى: {لِلْمَلائِكَةِ} الملائكة واحدها ملك. قال ابن كيسان وغيره: وزن ملك فعل من الملك.
وقال أبو عبيدة، هو مفعل من لاك إذا أرسل. والألوكة والمالكة والمالكة: الرسالة، قال لبيد:
وغلام أرسلته أمه *** بألوك فبذلنا ما سأل
وقال آخر:
أبلغ النعمان عني مألكا *** إنني قد طال حبسي وانتظاري
ويقال: الكنى أي أرسلني، فأصله على هذا مالك، الهمزة فاء الفعل فإنهم قلبوها إلى عينه فقالوا: ملاك، ثم سهلوه فقالوا ملك. وقيل أصله ملاك من ملك يملك، نحو شمال من شمل، فالهمزة زائدة عن ابن كيسان أيضا، وقد تأتي في الشعر على الأصل، قال الشاعر:
فلست لإنسي ولكن لملأك *** تنزل من جو السماء يصوب
وقال النضر بن شميل. لا اشتقاق للملك عند العرب. والهاء في الملائكة تأكيد لتأنيث الجمع، ومثله الصلادمة. والصلادم: الخيل الشداد، واحدها صلدم.
وقيل: هي للمبالغة، كعلامة ونسابة.
وقال أرباب المعاني: خاطب الله الملائكة لا للمشورة ولكن لاستخراج ما فيهم من رؤية الحركات والعبادة والتسبيح والتقديس، ثم ردهم إلى قيمتهم، فقال عز وجل: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} [البقرة: 34].
الثالثة: قوله تعالى: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} {جاعل} هنا بمعنى خالق، ذكره الطبري عن أبي روق، ويقضي بذلك تعديها إلى مفعول واحد، وقد تقدم. والأرض قيل إنها مكة. روى ابن سابط عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «دحيت الأرض من مكة» ولذلك سميت أم القرى، قال: وقبر نوح وهود وصالح وشعيب بين زمزم والركن والمقام. و{خَلِيفَةً} يكون بمعنى فاعل، أي يخلف من كان قبله من الملائكة في الأرض، أو من كان قبله من غير الملائكة على ما روى. ويجوز أن يكون {خَلِيفَةً} بمعنى مفعول أي مخلف، كما يقال: ذبيحة بمعنى مفعولة. والخلف بالتحريك من الصالحين، وبتسكينها من الطالحين، هذا هو المعروف، وسيأتي له مزيد بيان في الأعراف إن شاء الله. و{خَلِيفَةً} بالفاء قراءة الجماعة، إلا ما روي عن زيد بن علي فإنه قرأ {خليقة} بالقاف. والمعنى بالخليفة هنا- في قول ابن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل- آدم عليه السلام، وهو خليفة الله في إمضاء أحكامه وأوامره، لأنه أول رسول إلى الأرض، كما في حديث أبي ذر، قال قلت: يا رسول الله انبئا كان مرسلا؟ قال: «نعم» الحديث ويقال: لمن كان رسولا ولم يكن في الأرض أحد؟ فيقال: كان رسولا إلى ولده، وكانوا أربعين ولدا في عشرين بطنا في كل بطن ذكر وأنثى، وتوالدوا حتى كثروا، كما قال الله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً} [النساء: 1]. وأنزل عليهم تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير. وعاش تسعمائة وثلاثين سنة، هكذا ذكر أهل التوراة. وروي عن وهب بن منبه أنه عاش ألف سنة، والله أعلم.
الرابعة: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة. ولا خلاف في وجوب ذلك بين الامة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه، قال: إنها غير واجبة في الدين بل يسوغ ذلك، وأن الامة متى أقاموا حجهم وجهادهم، وتناصفوا فيما بينهم، وبذلوا الحق من أنفسهم، وقسموا الغنائم والفيء والصدقات على أهلها، وأقاموا الحدود على من وجبت عليه، أجزأهم ذلك، ولا يجب عليهم أن ينصبوا إماما يتولى ذلك. ودليلنا قول الله تعالى: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وقوله تعالى: {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص: 26]، وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55] أي يجعل منهم خلفاء، إلى غير ذلك من الآي. وأجمعت الصحابة على تقديم الصديق بعد اختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة في التعيين، حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فدفعهم أبو بكر وعمر والمهاجرون عن ذلك، وقالوا لهم: إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش، ورووا لهم الخبر في ذلك، فرجعوا وأطاعوا لقريش. فلو كان فرض الامامة غير واجب لا في قريش ولا في غيرهم لما ساغت هذه المناظرة والمحاورة عليها، ولقال قائل: إنها ليست بواجبة لا في قريش ولا في غيرهم، فما لتنازعكم وجه ولا فائدة في أمر ليس بواجب ثم إن الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة عهد إلى عمر في الامامة، ولم يقل له أحد هذا أمر غير واجب علينا ولا عليك، فدل على وجوبها وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين، والحمد لله رب العالمين. وقالت الرافضة: يجب نصبه عقلا، وإن السمع إنما ورد على جهة التأكيد لقضية العقل، فأما معرفة الامام فإن ذلك مدرك من جهة السمع دون العقل. وهذا فاسد، لأن العقل لا يوجب ولا يحظر ولا يقبح ولا يحسن، وإذا كان كذلك ثبت أنها واجبة من جهة الشرع لا من جهة العقل، وهذا واضح. فإن قيل وهي:
الخامسة: إذا سلم أن طريق وجوب الامامة السمع، فحبرونا هل يجب من جهة السمع بالنص على الامام من جهة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أم من جهه اختيار أهل الحل والعقد له، أم بكمال خصال الأئمة فيه، ودعاؤه مع ذلك إلى نفسه كاف فيه؟. فالجواب أن يقال: اختلف الناس في هذا الباب، فذهبت الإمامية وغيرها إلى أن الطريق الذي يعرف به الامام هو النص من الرسول عليه السلام ولا مدخل للاختيار فيه. وعندنا: النظر طريق إلى معرفة الامام، وإجماع أهل الاجتهاد طريق أيضا إليه، وهؤلاء الذين قالوا لا طريق إليه إلا النص بنوه على أصلهم أن القياس والرأي والاجتهاد باطل لا يعرف به شيء أصلا، وأبطلوا القياس أصلا وفرعا. ثم اختلفوا على ثلاث فرق: فرقة تدعي النص على أبي بكر، وفرقة تدعي النص على العباس، وفرقة تدعي النص على علي بن أبى طالب رضي الله عنهم. والدليل على فقد النص وعدمه على إمام بعينه هو أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو فرض على الامة طاعة إمام بعينه بحيث لا يجوز العدول عنه إلى غيره لعلم ذلك، لاستحالة تكليف الامة بأسرها طاعة الله في غير معين، ولا سبيل لهم إلى العلم بذلك التكليف، وإذا وجب العلم به لم يخل ذلك العلم من أن يكون طريقه أدلة العقول أو الخبر، وليس في العقل ما يدل على ثبوت الامامة لشخص معين، وكذلك ليس في الحبر ما يوجب العلم بثبوت إمام معين، لأن ذلك الخبر إما أن يكون تواترا أوجب العلم ضرورة أو استدلالا، أو يكون من أخبار الآحاد، ولا يجوز أن يكون طريقه التواتر الموجب للعلم ضرورة أو دلالة، إذ لو كان كذلك لكان كل مكلف يجد من نفسه العلم بوجوب الطاعة لذلك المعين وأن ذلك من دين الله عليه، كما أن كل مكلف علم أن من دين الله الواجب عليه خمس صلوات، وصوم رمضان، وحج البيت ونحوها، ولا أحد يعلم ذلك من نفسه ضرورة، فبطلت هذه الدعوى، وبطل أن يكون معلوما بأخبار الآحاد لاستحالة وقوع العلم به. وأيضا فإنه لو وجب المصير إلى نقل النص على الامام بأي وجه كان، وجب إثبات إمامة أبي بكر والعباس، لأن لكل واحد منهما قوما ينقلون النص صريحا في إمامته، وإذا بطل إثبات الثلاثة بالنص في وقت واحد- على ما يأتي بيانه- كذلك الواحد، إذ ليس أحد الفرق أولى بالنص من الآخر. وإذا بطل ثبوت النص لعدم الطريق الموصل إليه ثبت الاختيار والاجتهاد. فإن تعسف متعسف وادعى التواتر والعلم الضروري بالنص فينبغي أن يقابلوا على الفور بنقيض دعواهم في النص على أبي بكر وبأخبار في ذلك كثيرة تقوم أيضا في جملتها مقام النص، ثم لا شك في تصميم من عدا الإمامية على نفي النص، وهم الخلق الكثير والجم الغفير. والعلم الضروري لا يجتمع على نفيه من ينحط عن معشار أعداد مخالفي الإمامية، ولو جاز رد الضروري في ذلك لجاز أن ينكر طائفة بغداد والصين الأقصى وغيرهما.
السادسة: في رد الأحاديث التي احتج بها الإمامية في النص على علي رضي الله عنه، وأن الامة كفرت بهذا النص وارتدت، وخالفت أمر الرسول عنادا، منها قوله عليه السلام: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه». قالوا: والمولى في اللغة بمعنى أولى، فلما قال: «فعلي مولاه» بفاء التعقيب علم أن المراد بقوله: «مولى» أنه أحق وأولى. فوجب أن يكون أراد بذلك الامامة وأنه مفترض الطاعة، وقوله عليه السلام لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي». قالوا: ومنزلة هارون معروفة، وهو أنه كان مشاركا له في النبوة ولم يكن ذلك لعلي، وكان أخا له ولم يكن ذلك لعلي، وكان خليفة، فعلم أن المراد به الخلافة، إلى غير ذلك مما احتجوا به على ما يأتي ذكره في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
والجواب عن الحديث الأول: أنه ليس بمتواتر، وقد اختلف في صحته، وقد طعن فيه أبو داود السجستاني وأبو حاتم الرازي، واستدلا على بطلانه بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مزينة وجهينة وغفار وأسلم موالي دون الناس كلهم ليس لهم مولى دون الله ورسوله». قالوا: فلو كان قد قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» لكان أحد الخبرين كذبا.
جواب ثان- وهو أن الخبر وإن كان صحيحا رواه ثقة عن ثقة فليس فيه ما يدل على إمامته، وإنما يدل على فضيلته، وذلك أن المولى بمعنى الولي، فيكون معنى الخبر: من كنت وليه فعلي وليه، قال الله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ} [التحريم: 4] أي وليه. وكان المقصود من الخبر أن يعلم الناس أن ظاهر علي كباطنه، وذلك فضيلة عظيمة لعلي.
جواب ثالث- وهو أن هذا الخبر ورد على سبب، وذلك أن أسامة وعليا اختصما، فقال علي لأسامة: أنت مولاي. فقال: لست مولاك، بل أنا مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
جواب رابع: وهو أن عليا عليه السلام لما قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة الافك في عائشة رضي الله عنها: النساء سواها كثير. شق ذلك عليها، فوجد أهل النفاق مجالا فطعنوا عليه وأظهروا البراءة منه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا المقال ردا لقولهم، وتكذيبا لهم فيما قدموا عليه من البراءة منه والطعن فيه، ولهذا ما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ببغضهم لعلي عليه السلام. وأما الحديث الثاني فلا خلاف أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرد بمنزلة هارون من موسى الخلافة بعده، ولا خلاف أن هارون مات قبل موسى عليهما السلام- على ما يأتي من بيان وفاتيهما في سورة المائدة- وما كان خليفة بعده وإنما كان الخليفة يوشع بن نون، فلو أراد بقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» الخلافة لقال: أنت مني بمنزلة يوشع من موسى، فلما لم يقل هذا دل على أنه لم يرد هذا، وإنما أراد أني استخلفتك على أهلي في حياتي وغيبوبتي عن أهلي، كما كان هارون خليفة موسى على قومه لما خرج إلى مناجاة ربه. وقد قيل: إن هذا الحديث خرج على سبب، وهو أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خرج إلى غزوة تبوك استخلف عليا عليه السلام في المدينة على أهله وقومه، فأرجف به أهل النفاق وقالوا: إنما خلفه بغضا وقلى له، فخرج علي فلحق بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال له: إن المنافقين قالوا كذا وكذا! فقال: «كذبوا بل خلفتك كما خلف موسى هارون». وقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى». وإذا ثبت أنه أراد الاستخلاف على زعمهم فقد شارك عليا في هذه الفضيلة غيره، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استخلف في كل غزاة غزاها رجلا من أصحابه، منهم: ابن أم مكتوم، ومحمد بن مسلمة وغيرهما من أصحابه، على أن مدار هذا الخبر على سعد بن أبي وقاص وهو خبر واحد. وروي في مقابلته لابي بكر وعمر ما هو أولى منه. وروي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أنفذ معاذ بن جبل إلى اليمن قيل له: ألا تنفذ أبا بكر وعمر؟ فقال: «إنهما لا غنى بي عنهما إن منزلتهما مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس». وقال: «هما وزيراي في أهل الأرض». وروي عنه عليه السلام أنه قال: «أبو بكر وعمر بمنزلة هارون من موسى». وهذا الخبر ورد ابتداء، وخبر علي ورد على سبب، فوجب أن يكون أبو بكر أولى منه بالإمامة، والله أعلم.
السابعة: واختلف فيما يكون به الامام إماما وذلك في ثلاث طرق،
أحدها: النص، وقد تقدم الخلاف فيه، وقال به أيضا الحنابلة وجماعة من أصحاب الحديث والحسن البصري وبكر ابن أخت عبد الواحد وأصحابه وطائفة من الخوارج. وذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نص على أبي بكر بالإشارة، وأبو بكر على عمر. فإذا نص المستخلف على واحد معين كما فعل الصديق، أو على جماعة كما فعل عمر، وهو الطريق الثاني، ويكون التخيير إليهم في تعيين واحد منهم كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في تعيين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
الطريق الثالث: إجماع أهل الحل والعقد، وذلك أن الجماعة في مصر من أمصار المسلمين إذا مات إمامهم ولم يكن لهم إمام ولا استخلف فأقام أهل ذلك المصر الذي هو حضرة الامام وموضعه إماما لأنفسهم اجتمعوا عليه ورضوه فإن كل من خلفهم وأمامهم من المسلمين في الآفاق يلزمهم الدخول في طاعة ذلك الامام، إذا لم يكن الامام معلنا بالفسق والفساد، لأنها دعوة محيطة بهم تجب إجابتها ولا يسع أحد التخلف عنها لما في إقامة إمامين من اختلاف الكلمة وفساد ذات البين، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن إخلاص العمل لله ولزوم الجماعة ومناصحة ولاة الامر فإن دعوة المسلمين من ورائهم محيطة».
الثامنة: فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد فذلك ثابت ويلزم الغير فعله، خلافا لبعض الناس حيث قال: لا تنعقد إلا بجماعة من أهل الحل والعقد ودليلنا أن عمر رضي الله عنه عقد البيعة لابي بكر ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك، ولأنه عقد فوجب ألا يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود. قال الامام أبو المعالي: من انعقدت له الامامة بعقد واحد فقد لزمت، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغير أمر، قال: وهذا مجمع عليه.
التاسعة: فإن تغلب من له أهلية الامامة وأخذها بالقهر والغلبة فقد قيل إن ذلك يكون طريقا رابعا، وقد سئل سهل بن عبد الله التستري: ما يجب علينا لمن غلب على بلادنا وهو إمام؟ قال: تجيبه وتؤدي إليه ما يطالبك من حقه، ولا تنكر فعاله ولا تفر منه، وإذا ائتمنك على سر من أمر الدين لم تفشه.
وقال ابن خويز منداد: ولو وثب على الامر من يصلح له من غير مشورة ولا اختيار وبايع له الناس تمت له البيعة، والله أعلم.
العاشرة: واختلف في الشهادة على عقد الامامة، فقال بعض أصحابنا: إنه لا يفتقر إلى الشهود، لأن الشهادة لا تثبت إلا بسمع قاطع، وليس هاهنا سمع قاطع يدل على إثبات الشهادة. ومنهم من قال: يفتقر إلى شهود، فمن قال بهذا احتج بأن قال: لو لم تعقد فيه الشهادة أدى إلى أن يدعى كل مدع أنه عقد له سرا، وتؤدي إلى الهرج والفتنة، فوجب أن تكون الشهادة معتبرة ويكفي فيها شاهدان، خلافا للجبائي حيث قال باعتبار أربعة شهود وعاقد ومعقود له، لأن عمر حيث جعلها شورى في ستة دل على ذلك. ودليلنا أنه لا خلاف بيننا وبينه أن شهادة الاثنين معتبرة، وما زاد مختلف فيه ولم يدل عليه الدليل فيجب ألا يعتبر.
الحادية عشرة: في شرائط الامام، وهي أحد عشر:
الأول: أن يكون من صميم قريش، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأئمة من قريش». وقد اختلف في هذا الثاني: أن يكون ممن يصلح أن يكون قاضيا من قضاة المسلمين مجتهدا لا يحتاج إلى غيره في الاستفتاء في الحوادث، وهذا متفق عليه.
الثالث: أن يكون ذا خبرة وراي حصيف بأمر الحرب وتدبير الجيوش وسد الثغور وحماية البيضة وردع الامة والانتقام من الظالم والأخذ للمظلوم.
الرابع: أن يكون ممن لا تلحقه رقة في إقامة الحدود ولا فزع من ضرب الرقاب ولا قطع الأبشار. والدليل على هذا كله إجماع الصحابة رضي الله عنهم، لأنه لا خلاف بينهم أنه لا بد من أن يكون ذلك كله مجتمعا فيه، ولأنه هو الذي يولي القضاة والحكام، وله أن يباشر الفصل والحكم، ويتفحص أمور خلفائه وقضاته، ولن يصلح لذلك كله إلا من كان عالما بذلك كله قيما به. والله أعلم.
الخامس: أن يكون حرا.
السادس: لا خفاء باشتراط حرية الامام وإسلامه.
السابع: أن يكون ذكرا، سليم الأعضاء وهو:
الثامن. وأجمعوا على أن المرأة لا يجوز أن تكون إماما وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية فيما تجوز شهادتها فيه.
التاسع والعاشر: أن يكون بالغا عاقلا، ولا خلاف في ذلك.
الحادي عشر: أن يكون عدلا، لأنه لا خلاف بين الامة أنه لا يجوز أن تعقد الامامة لفاسق، ويجب أن يكون من أفضلهم في العلم، لقوله عليه السلام: «أئمتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون».
وفي التنزيل في وصف طالوت: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247] فبدأ بالعلم ثم ذكر ما يدل على القوة وسلامة الأعضاء. وقوله: {اصْطَفاهُ} معناه اختاره، وهذا يدل على شرط النسب. وليس من شرطه أن يكون معصوما من الزلل والخطأ، ولا عالما بالغيب، ولا أفرس الامة ولا أشجعهم، ولا أن يكون من بني هاشم فقط دون غيرهم من قريش، فإن الإجماع قد انعقد على إمامة أبي بكر وعثمان وليسوا من بني هاشم.
الثانية عشرة: يجوز نصب المفضول مع وجود الفاضل خوف الفتنة وألا يستقيم أمر الامة، وذلك أن الامام إنما نصب لدفع العدو وحماية البيضة وسد الخلل واستخراج الحقوق وإقامة الحدود وجباية الأموال لبيت المال وقسمتها على أهلها. فإذا خيف بإقامة الأفضل الهرج والفساد وتعطيل الأمور التي لأجلها ينصب الامام كان ذلك عذرا ظاهرا في العدول عن الفاضل إلى المفضول، ويدل على ذلك أيضا علم عمر وسائر الامة وقت الشورى بأن الستة فيهم فاضل ومفضول، وقد أجاز العقد لكل واحد منهم إذا أدى المصلحة إلى ذلك واجتمعت كلمتهم عليه من غير إنكار أحد عليهم، والله أعلم.
الثالثة عشر: الامام إذا نصب ثم فسق بعد انبرام العقد فقال الجمهور: إنه تنفسخ إمامته ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم، لأنه قد ثبت أن الامام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم إلى غير ذلك مما تقدم ذكره، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها. فلو جوزنا أن يكون فاسقا أدى إلى إبطال ما أقيم لأجله، ألا ترى في الابتداء إنما لم يجز أن يعقد للفاسق لأجل أنه يؤدي إلى إبطال ما أقيم له، وكذلك هذا مثله.
وقال آخرون: لا ينخلع إلا بالكفر أو بترك إقامة الصلاة أو الترك إلى دعائها أو شيء من الشريعة، لقوله عليه السلام في حديث عبادة: «وألا ننازع الامر أهله قال إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان».
وفي حديث عوف بن مالك: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة» الحديث. أخرجهما مسلم. وعن أم سلمه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع- قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال:- لا ما صلوا». أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه. أخرجه أيضا مسلم.
الرابعة عشرة: ويجب عليه أن يخلع نفسه إذا وجد في نفسه نقصا يؤثر في الامامة. فأما إذا لم يجد نقصا فهل له أن يعزل نفسه ويعقد لغيره؟ اختلف الناس فيه، فمنهم من قال: ليس له أن يفعل ذلك وإن فعل لم تنخلع إمامته. ومنهم من قال: له أن يفعل ذلك. والدليل على أن الامام إذا عزل نفسه انعزل قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أقيلوني أقيلوني. وقول الصحابة: لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لديننا فمن ذا يؤخرك! رضيك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لديننا فلا نرضاك! فلو لم يكن له أن يفعل ذلك لأنكرت الصحابة ذلك عليه ولقالت له: ليس لك أن تقول هذا، وليس لك أن تفعله. فلما أقرته الصحابة على ذلك علم أن للإمام أن يفعل ذلك، ولان الامام ناظر للغيب فيجب أن يكون حكمه حكم الحاكم، والوكيل إذا عزل نفسه. فإن الامام هو وكيل الامة ونائب عنها، ولما اتفق على أن الوكيل والحاكم وجميع من ناب عن غيره في شيء له أن يعزل نفسه، وكذلك الامام يجب أن يكون مثله. والله أعلم.
الخامسة عشرة: إذا انعقدت الامامة باتفاق أهل الحل والعقد أو بواحد على ما تقدم وجب على الناس كافة مبايعته على السمع والطاعة، وإقامة كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومن تأبى عن البيعة لعذر عذر، ومن تأبى لغير عذر جبر وقهر، لئلا تفترق كلمة المسلمين. وإذا بويع لخليفتين فالخليفة الأول وقتل الآخر، واختلف في قتله هل هو محسوس أو معنى فيكون عزله قتله وموته. والأول أظهر، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما». رواه أبو سعيد الخدري أخرجه مسلم.
وفي حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سمعه يقول: «ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه أن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوه عنق الآخر». رواه مسلم أيضا، ومن حديث عرفجة: «فاضربوه بالسيف كائنا من كان». وهذا أدل دليل على منع إقامة إمامين، ولان ذلك يؤدي إلى النفاق والمخالفة والشقاق وحدوث الفتن وزوال النعم، لكن إن تباعدت الأقطار وتباينت كالاندلس وخراسان جاز ذلك، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
السادسة عشرة: لو خرج خارجي على إمام معروف العدالة وجب على الناس جهاده، فإن كان الامام فاسقا والخارجي مظهر للعدل لم ينبغ للناس أن يسرعوا إلى نصرة الخارجي حتى يتبين أمره فيما يظهر من العدل، أو تتفق كلمة الجماعة على خلع الأول، وذلك أن كل من طلب مثل هذا الامر أظهر من نفسه الصلاح حتى إذا تمكن رجع إلى عادته من خلاف ما أظهر.
السابعة عشرة: فأما إقامة إمامين أو ثلاثة في عصر واحد وبلد واحد فلا يجوز إجماعا لما ذكرنا. قال الامام أبو المعالي: ذهب أصحابنا إلى منع عقد الامامة لشخصين في طرفي العالم، ثم قالوا: لو اتفق عقد الامامة لشخصين نزل ذلك منزلة تزويج وليين امرأة واحدة من زوجين من غير أن يشعر أحدهما بعقد الآخر. قال: والذي عندي فيه أن عقد الامامة لشخصين في صقع واحد متضايق الخطط والمخاليف غير جائز وقد حصل الإجماع عليه. فأما إذا بعد المدى وتخلل بين الإمامين شسوع النوى فللاحتمال في ذلك مجال وهو خارج عن القواطع. وكان الأستاذ أبو إسحاق يجوز ذلك في إقليمين متباعدين غاية التباعد لئلا تتعطل حقوق الناس وأحكامهم. وذهبت الكرامية إلى جواز نصب إمامين من غير تفصيل، ويلزمهم إجازة ذلك في بلد واحد، وصاروا إلى أن عليا ومعاوية كانا إمامين. قالوا: وإذا كانا اثنين في بلدين أو ناحيتين كان كل واحد منهما أقوم بما في يديه وأضبط لما يليه، ولأنه لما جاز بعثة نبيين في عصر واحد ولم يؤد ذلك إلى إبطال النبوة كانت الامامة أولى، ولا تؤدي ذلك إلى إبطال الامامة. والجواب أن ذلك جائز لولا منع الشرع منه، لقوله: «فاقتلوا الآخر منهما» ولان الامة عليه. وأما معاوية فلم يدع الامامة لنفسه وإنما ادعى ولاية الشام بتولية من قبله من الأئمة. ومما يدل على هذا إجماع الامة في عصرهما على أن الامام أحدهما، ولا قال أحدهما إني إمام ومخالفي إمام. فإن قالوا: العقل لا يحيل ذلك وليس في السمع ما يمنع منه. وقلنا: أقوى السمع الإجماع، وقد وجد على المنع.
قوله تعالى: {قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} قد علمنا قطعا أن الملائكة لا تعلم إلا ما أعلمت ولا تسبق بالقول، وذلك عام في جميع الملائكة، لأن قوله: {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} خرج على جهة المدح لهم، فكيف قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها}؟ فقيل: المعنى أنهم لما سمعوا لفظ خليفة فهموا أن في بني آدم من يفسد، إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد، لكن عمموا الحكم على الجميع بالمعصية، فبين الرب تعالى أن فيهم من يفسد ومن لا يفسد فقال تطييبا لقلوبهم: {إِنِّي أَعْلَمُ} وحقق ذلك بأن علم آدم الأسماء، وكشف لهم عن مكنون علمه.
وقيل: إن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء. وذلك لان الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم وألحقهم بالبحار ورءوس الجبال، فمن حينئذ دخلته العزة. فجاء قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيها} على جهة الاستفهام المحض: هل هذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن أم لا؟ قال أحمد بن يحيى ثعلب.
وقال ابن زيد وغيره. إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذريته قوم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، فقالوا لذلك هذه المقالة، إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه أو من عصيان الله من يستخلفه في أرضه وينعم عليه بذلك، وإما على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعا: الاستخلاف والعصيان.
وقال قتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا جعل في الأرض خلقا أفسدوا وسفكوا الدماء، فسألوا حين قال تعالى: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} أهو الذي أعلمهم أم غيره.
وهذا قول حسن، رواه عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} قال: كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فلذلك قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها}.
وفي الكلام حذف على مذهبه، والمعنى إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا ويفعل كذا، فقالوا: أتجعل فيها الذي أعلمتناه أم غيره؟ والقول الأول أيضا حسن جدا، لأن فيه استخراج العلم واستنباطه من مقتضى الألفاظ وذلك لا يكون إلا من العلماء، وما بين القولين حسن، فتأمله. وقد قيل: إن سؤاله تعالى للملائكة بقوله: «كيف تركتم عبادي»- على ما ثبت في صحيح مسلم وغيره- إنما هو على جهة التوبيخ لمن قال: أتجعل فيها، وإظهار لما سبق في معلومه إذ قال لهم: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}. قوله: {مَنْ يُفْسِدُ فِيها} {من} في موضع نصب على المفعول بتجعل والمفعول الثاني يقوم مقامه {فيها}. {يفسد} على اللفظ، ويجوز في غير القرآن يفسدون على المعنى.
وفي التنزيل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الأنعام: 25] على اللفظ، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ} على المعنى. {وَيَسْفِكُ} عطف عليه، ويجوز فيه الوجهان.
وروى أسيد عن الأعرج أنه قرأ: {ويسفك الدماء} بالنصب، يجعله جواب الاستفهام بالواو كما قال:
ألم أك جاركم وتكون بيني *** وبينكم المودة والإخاء
والسفك: الصب. سفكت الدم أسفكه سفكا: صببته، وكذلك الدمع، حكاه ابن فارس والجوهري. والسفاك: السفاح، وهو القادر على الكلام. قال المهدوي: ولا يستعمل السفك إلا في الدم، وقد يستعمل في نثر الكلام يقال سفك الكلام إذا نثره. وواحد الدماء دم، محذوف اللام.
وقيل: أصله دمي.
وقيل: دمي، ولا يكون اسم على حرفين إلا وقد حذف منه، والمحذوف منه ياء وقد نطق به على الأصل، قال الشاعر:
فلو أنا على حجر ذبحنا *** جرى الدميان بالخبر اليقين
قوله تعالى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أي ننزهك عما لا يليق بصفاتك. والتسبيح في كلامهم التنزيه من السوء على وجه التعظيم، ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
أقول لما جاءني فخره *** سبحان من علقمة الفاخر
أي براءة من علقمة.
وروى طلحة بن عبيد الله قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تفسير سبحان الله فقال: «هو تنزيه الله عز وجل عن كل سوء». وهو مشتق من السبح وهو الجري والذهاب، قال الله تعالى: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا} [المزمل: 7] فالمسبح جار في تنزيه الله تعالى وتبرئته من السوء. وقد تقدم الكلام في: {نحن}، ولا يجوز إدغام النون في النون لئلا يلتقي ساكنان. مسألة: واختلف أهل التأويل في تسبيح الملائكة، فقال ابن مسعود وابن عباس: تسبيحهم صلاتهم، ومنه قول الله تعالى: {فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] أي المصلين.
وقيل: تسبيحهم رفع الصوت بالذكر، قاله المفضل، واستشهد بقول جرير:
قبح الإله وجوه تغلب كلما *** سبح الحجيج وكبروا إهلالا
وقال قتادة: تسبيحهم: سبحان الله، على عرفه في اللغة، وهو الصحيح لما رواه أبو ذر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده». أخرجه مسلم. وعن عبد الرحمن بن قرط أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسرى به سمع تسبيحا في السموات العلا: سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ذكره البيهقي.
قوله تعالى: {بِحَمْدِكَ} أي وبحمدك نخلط التسبيح بالحمد ونصله به. والحمد: الثناء، وقد تقدم. ويحتمل أن يكون قولهم: {بِحَمْدِكَ} اعتراضا بين الكلامين، كأنهم قالوا: ونحن نسبح ونقدس، ثم اعترضوا على جهة التسليم، أي وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك. والله أعلم.
قوله تعالى: {وَنُقَدِّسُ لَكَ} أي نعظمك ونمجدك ونطهر ذكرك عما لا يليق بك مما نسبك إليه الملحدون، قال مجاهد وأبو صالح وغيرهما.
وقال الضحاك وغيره: المعنى نطهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك وقال قوم منهم قتادة: {نُقَدِّسُ لَكَ} معناه نصلي. والتقديس: الصلاة. قال ابن عطية: وهذا ضعيف.
قلت: بل معناه صحيح، فإن الصلاة تشتمل على التعظيم والتقديس والتسبيح، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في ركوعه وسجوده: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح». روته عائشة أخرجه مسلم. وبناء قدس كيفما تصرف فإن معناه التطهير، ومنه قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} [المائدة: 21] أي المطهرة. وقال: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: 23] يعني الطاهر، ومثله: {بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} [طه: 12] وبيت المقدس سمي به لأنه المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب أي يتطهر، ومنه قيل للسطل: قدس، لأنه يتوضأ فيه ويتطهر، ومنه القادوس.
وفي الحديث: «لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها». يريد لا طهرها الله، أخرجه ابن ماجه في سننه. فالقدس: الطهر من غير خلاف، وقال الشاعر:
فأدركنه يأخذن بالساق والنسا *** كما شبرق الولدان ثوب المقدس
أي المطهر. فالصلاة طهرة للعبد من الذنوب، والمصلي يدخلها على أكمل الأحوال لكونها أفضل الأعمال، والله أعلم.
قوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}... {أَعْلَمُ} فيه تأويلان، قيل: إنه فعل مستقبل.
وقيل: إنه اسم بمعنى فاعل، كما يقال: الله أكبر، بمعنى كبير، وكما قال:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل *** على أينا تعدو المنية أول
فعلى أنه فعل تكون ما في موضع نصب بأعلم، ويجوز إدغام الميم في الميم. وإن جعلته اسما بمعنى عالم تكون ما في موضع خفض بالإضافة. قال ابن عطية: ولا يصح فيه الصرف بإجماع من النحاة، وإنما الخلاف في أفعل إذا سمي به وكان نكرة، فسيبويه والخليل لا يصرفانه، والأخفش يصرفه. قال المهدوي: يجوز أن تقدر التنوين في: {أعلم} إذا قدرته بمعنى عالم، وتنصب ما به، فيكون مثل حواج بيت الله. قال الجوهري: ونسوة حواج بيت الله، بالإضافة إذا كن قد حججن، وإن لم يكن حججن قلت: حواج بيت الله، فتنصب البيت، لأنك تريد التنوين في حواج.
قوله تعالى: {ما لا تَعْلَمُونَ} اختلف علماء التأويل في المراد بقوله تعالى: {ما لا تَعْلَمُونَ}. فقال ابن عباس: كان إبليس- لعنه الله- قد أعجب ودخله الكبر لما جعله خازن السماء وشرفه، فاعتقد أن ذلك لمزية له، فاستخف الكفر والمعصية في جانب آدم عليه السلام. وقالت الملائكة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30] وهي لا تعلم أن في نفس إبليس خلاف ذلك، فقال الله تعالى لهم: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
وقال قتادة: لما قالت الملائكة {أَتَجْعَلُ فِيها} [البقرة: 30] وقد علم الله أن فيمن يستخلف في الأرض أنبياء وفضلاء وأهل طاعة قال لهم {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}.
قلت: ويحتمل أن يكون المعنى إني أعلم ما لا تعلمون مما كان ومما يكون ومما هو كائن، فهو عام.







رد مع اقتباس
قديم 23 - 5 - 2020, 12:52 PM   #40



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » 11 - 7 - 2020 (05:16 AM)
 فترةالاقامة » 3577يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31)}
فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها}... {عَلَّمَ} معناه عرف. وتعليمه هنا إلهام علمه ضرورة. ويحتمل أن يكون بواسطة ملك وهو جبريل عليه السلام على ما يأتي. وقرى: {وعلم} غير مسمى الفاعل. والأول أظهر، على ما يأتي. قال علماء الصوفية: علمها بتعليم الحق إياه وحفظها بحفظه عليه ونسي ما عهد إليه، لأن وكله فيه إلى نفسه فقال: {وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115].
وقال ابن عطاء: لو لم يكشف لآدم علم تلك الأسماء لكان أعجز من الملائكة في الاخبار عنها. وهذا واضح. وآدم عليه السلام يكنى أبا البشر.
وقيل: أبا محمد، كنى بمحمد خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم، قاله السهيلي.
وقيل: كنيته في الجنة أبو محمد، وفي الأرض أبو البشر. وأصله بهمزتين، لأنه أفعل إلا أنهم لينوا الثانية، فإذا احتجت إلى تحريكها جعلتها واوا فقلت: أوادم في الجمع لأنه ليس لها أصل في الياء معروف، فجعلت الغالب عليها الواو، عن الأخفش. واختلف في اشتقاقه، فقيل: هو مشتق من أدمة الأرض وأديمها وهو وجهها، فسمى بما خلق منه، قال ابن عباس.
وقيل: إنه مشتق من الأدمة وهي السمرة. واختلفوا في الأدمة، فزعم الضحاك أنها السمرة، وزعم النضر أنها البياض، وأن آدم عليه السلام كان أبيض، مأخوذ من قولهم: ناقة أدماء، إذا كانت بيضاء. وعلى هذا الاشتقاق جمعه أدم وأوادم، كحمر وأحامر، ولا ينصرف بوجه. وعلى أنه مشتق من الأدمة جمعه آدمون، ويلزم قائلو هذه المقالة صرفه.
قلت: الصحيح أنه مشتق من أديم الأرض. قال سعيد بن جبير: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وإنما سمي إنسانا لأنه نسي، ذكره ابن سعد في الطبقات.
وروى السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود في قصة خلق آدم عليه السلام قال: فبعث الله جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني، فرجع ولم يأخذ وقال: يا رب إنها عاذت بك فأعذتها. فبعث مكاييل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل، فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره. فأخذ من وجه الأرض وخلط، ولم يأخذ من مكان واحد، واخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين- ولذلك سمي آدم لأنه أخذ من أديم الأرض- فصعد به، فقال الله تعالى له: «أما رحمت الأرض حين تضرعت إليك» فقال: رأيت أمرك أوجب من قولها. فقال: «أنت تصلح لقبض أرواح ولده» قبل التراب حتى عاد طينا لازبا، اللازب: هو الذي يلتصق بعضه ببعض، ثم ترك حتى أنتن، فذلك حيث يقول: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26] قال: منتن. ثم قال للملائكة: {إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ} [ص: 71- 72]. فخلقه الله بيده لكيلا يتكبر إبليس عنه. يقول: أتتكبر عما خلقت بيدي ولم أتكبر أنا عنه! فخلقه بشرا فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم منه فزعا إبليس فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار تكون له صلصلة، فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14]. ويقول لأمر ما خلقت!. ودخل من فمه وخرج من دبره، فقال إبليس للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإنه أجوف ولين سلطت عليه لاهلكنه. ويقال: إنه كان إذا مر عليه مع الملائكة يقول: أرأيتم هذا الذي لم تروا من الخلائق يشبهه إن فضل عليكم وأمرتم بطاعته ما أنتم فاعلون! قالوا: نطيع أمر ربنا فأسر إبليس في نفسه لئن فضل علي فلا أطيعه، ولين فضلت عليه لاهلكنه، فلما بلغ الحين الذي أريد أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس، فقالت له الملائكة: قل الحمد لله، فقال: الحمد لله، فقال الله له: رحمك ربك، فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، فذلك حين يقول: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 30- 31] وذكر القصة.
وروى الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب». قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. أديم: جمع أدم، قال الشاعر:
الناس أخياف وشتى في الشيم *** وكلهم يجمعهم وجه الأدم
فآدم مشتق من الأديم والأدم لا من الأدمة، والله أعلم. ويحتمل أن يكون منهما جميعا. وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في خلق آدم في الأنعام وغيرها إن شاء الله تعالى. وآدم لا ينصرف. قال أبو جعفر النحاس: آدم لا ينصرف في المعرفة بإجماع النحويين، لأنه على أفعل وهو معرفة، ولا يمتنع شيء من الصرف عند البصريين إلا لعلتين. فإن نكرته ولم يكن نعتا لم يصرفه الخليل وسيبويه، وصرفه الأخفش سعيد، لأنه كان نعتا وهو على وزن الفعل، فإذا لم يكن نعتا صرفه. قال أبو إسحاق الزجاج: القول قول سيبويه، ولا يفرق بين النعت وغيره لأنه هو ذاك بعينه.
الثانية: قوله تعالى: {الْأَسْماءَ كُلَّها} , {الأسماء} هنا بمعنى العبارات، فإن الاسم قد يطلق ويراد به المسمى، كقولك: زيد قائم، والأسد شجاع. وقد يراد به التسمية ذاتها، كقولك: أسد ثلاثة أحرف، ففي الأول يقال: الاسم هو المسمى بمعنى يراد به المسمى، وفي الثاني لا يراد به المسمى، وقد يجرى اسم في اللغة مجرى ذات العبارة وهو الأكثر من استعمالها، ومنه قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها} [البقرة: 31] على أشهر التأويلات، ومنه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن لله تسعة وتسعين اسما». ويجري مجرى الذات، يقال: ذات ونفس وعين واسم بمعنى، وعلى هذا حمل أكثر أهل العلم قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] {تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن: 78] {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها} [النجم: 23].
الثالثة: واختلف أهل التأويل في معنى الأسماء التي علمها لآدم عليه السلام، فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير: علمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها.
وروى عاصم بن كليب عن سعد مولى الحسن بن علي قال: كنت جالسا عند ابن عباس فذكروا اسم الآنية واسم السوط، قال ابن عباس: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها}.
قلت: وقد روي هذا المعنى مرفوعا على ما يأتي، وهو الذي يقتضيه لفظ {كُلَّها} إذ هو اسم موضوع للإحاطة والعموم، وفي البخاري من حديث أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ويجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شي» الحديث. قال ابن خويز منداد: في هذه الآية دليل على أن اللغة مأخوذة توقيفا، وأن الله تعالى علمها آدم عليه السلام جملة وتفصيلا. وكذلك قال ابن عباس: علمه أسماء كل شيء حتى الجفنة والمحلب.
وروى شيبان عن قتادة قال: علم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لم يعلم الملائكة، وسمي كل شيء باسمه وأنحى منفعة كل شيء إلى جنسه. قال النحاس: وهذا أحسن ما روي في هذا. والمعنى علمه أسماء الأجناس وعرفه منافعها، هذا كذا، وهو يصلح لكذا.
وقال الطبري: علمه أسماء الملائكة وذريته، واختار هذا ورجحه بقوله: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ}.
وقال ابن زيد: علمه أسماء ذريته، كلهم. الربيع بن خثيم: أسماء الملائكة خاصة. القتبي: أسماء ما خلق في الأرض.
وقيل: أسماء الأجناس والأنواع.
قلت: القول الأول أصح، لما ذكرناه آنفا ولما نبينه إن شاء الله تعالى.
الرابعة: واختلف المتأولون أيضا هل عرض على الملائكة أسماء الاشخاص أو الأسماء دون الاشخاص، فقال ابن مسعود وغيره: عرض الاشخاص لقوله تعالى: {عَرَضَهُمْ} وقوله: {أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ}. وتقول العرب: عرضت الشيء فأعرض، أي أظهرته فظهر. ومنه: عرضت الشيء للبيع.
وفي الحديث: «إنه عرضهم أمثال الذر».
وقال ابن عباس وغيره: عرض الأسماء.
وفي حرف ابن مسعود: {عرضهن}، فأعاد على الأسماء دون الاشخاص، لأن الهاء والنون أخص بالمؤنث.
وفي حرف أبي: {عرضها}. مجاهد: أصحاب الأسماء. فمن قال في الأسماء إنها التسميات فاستقام على قراءة أبي: {عرضها}. وتقول في قراءة من قرأ {عَرَضَهُمْ}: إن لفظ الأسماء يدل على أشخاص، فلذلك ساغ أن يقال للأسماء: {عَرَضَهُمْ}.
وقال في: {هؤُلاءِ} المراد بالإشارة: إلى أشخاص الأسماء، لكن وإن كانت غائبة فقد حضر ما هو منها بسبب وذلك أسماؤها. قال ابن عطية: والذي يظهر أن الله تعالى عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ وعرضهن عليه مع تلك الأجناس بأشخاصها، ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلمها، ثم إن آدم قال لهم: هذا اسمه كذا، وهذا اسمه كذا.
وقال الماوردي: وكان الأصح توجه العرض إلى المسمين. ثم في زمن عرضهم قولان: أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم , والثاني- أنه صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم.
الخامسة: واختلف في أول من تكلم باللسان العربي، فروي عن كعب الأحبار: أن أول من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها وتكلم بالالسنة كلها آدم عليه السلام. وقاله غير كعب الأحبار. فإن قيل: قد روي عن كعب الأحبار من وجه حسن قال: أول من تكلم بالعربية جبريل عليه السلام وهو الذي ألقاها على لسان نوح عليه السلام وألقاها نوح على لسان ابنه سام، ورواه ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن كعب.
وروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن عشر سنين». وقد روى أيضا: أن أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان، وقد روي غير ذلك. قلنا: الصحيح أن أول من تكلم باللغات كلها من البشر آدم عليه السلام، والقرآن يشهد له قال الله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها} [البقرة: 31] واللغات كلها أسماء فهي داخلة تحته وبهذا جاءت السنة، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها حتى القصعة والقصيعة» وما ذكروه يحتمل أن يكون المراد به أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل عليه السلام. وكذلك إن صح ما سواه فإنه يكون محمولا على أن المذكور أول من تكلم من قبيلته بالعربية بدليل ما ذكرنا والله أعلم. وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علمها الله آدم أو جبريل، على ما تقدم، والله أعلم.
قوله تعالى: {هؤُلاءِ} لفظ مبني على الكسر. ولغة تميم وبعض قيس وأسد فيه القصر، قال الأعشى:
هؤلا ثم هؤلا كلا أعطي *** ت نعالا محذوّة بمثال
ومن العرب من يقول: هؤلاء، فيحذف الألف والهمزة.
السادسة: قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} شرط، والجواب محذوف تقديره: إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض فانبئوني، قاله المبرد. ومعنى: {صادِقِينَ} عالمين، ولذلك لم يسغ للملائكة الاجتهاد وقالوا: {سُبْحانَكَ}! حكاه النقاش قال: ولو لم يشترط عليهم إلا الصدق في الانباء لجاز لهم الاجتهاد كما جاز للذي أماته الله مائة عام حين قال له: {كَمْ لَبِثْتَ} فلم يشترط عليه الإصابة، فقال ولم يصب ولم يعنف، وهذا بين لا خفاء فيه.
وحكى الطبري وأبو عبيد: أن بعض المفسرين قال إن معنى: {إِنْ كُنْتُمْ}: إذ كنتم، وقالا: هذا خطأ. و{أَنْبِئُونِي} معناه أخبروني. والنبأ: الخبر، ومنه النبي بالهمز، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
السابعة: قال بعض العلماء: يخرج من هذا الامر بالإنباء تكليف ما لا يطاق لأنه علم أنهم لا يعلمون.
وقال المحققون من أهل التأويل: ليس هذا على جهة التكليف وإنما هو على جهة التقرير والتوقيف. وسيأتي القول في تكليف ما لا يطاق- هل وقع التكليف به أم لا- في آخر السورة إن شاء الله تعالى.






رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد  إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للقرطبي:البقرة, الكريــم, القـرن, تفسير

جديد منتدى همس القرآن الكريم

تفسير القر ن الكريم للقرطبي البقرة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الأعضاء الذين قاموا بتقييم هذا الموضوع : 0
لم يقوم أحد بتقييم هذا الموضوع

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه لموضوع: تفسير القر ن الكريم للقرطبي البقرة لموضوع: تفسير القر ن الكريم للقرطبي البقرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
السكن في القر ن الكريم شيخة الزين همس القرآن الكريم 13 24 - 2 - 2020 08:14 PM
تفسير سورة البقرة د محمد راتب النابلسي التائب إلى الله همس القرآن الكريم 5 3 - 4 - 2019 07:52 AM
هذب نفسك مع القر ن الكريم اللورد مصر همس للخيمة الرمضانية 12 2 - 12 - 2014 07:45 PM
تفسير ية الكرسى - الاية رقم 255 من سورة البقرة همس الشوق نفحات اسلاميه 9 9 - 10 - 2013 05:48 AM
تفسير القر ن بالاشارة جروح الم همس ذوي الإحتياجات الخاصة 4 6 - 5 - 2013 10:47 AM

 

{ إلا صلاتي   )
   
||

الساعة الآن 05:36 AM



جميع الحقوق محفوظه للمنتدى
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
sitemap

SEO by vBSEO