الشخصية النرجسية والهجرسية
إذا سألت أحدآ من مثقفينا اليوم عن تعريف الشخصية النرجسية فسوف يجيبني -بلا تردد- “الشخصية النرجسية هي
حب النفس أو الانانية، وهو اضطراب فى الشخصية حيث تتميز بالغرور والتعالي، والشعور بالأهمية، ومحاولة الكسب
ولو على حساب الآخرين”..
حسنآ فهذا بالفعل هو تعريف الشخصية النرجسية ولابد الحذر منها ويبدو من تعريفها أنه يوضح خصائص الشخص
النرجسي، وتكشف لنا حقيقته، ولكن موضوعنا اليوم ليس عن هذه الشخصية، ولا عن الأشخاص المصابون بها….
موضوعنا أكثر تعقديآ ولكنه أيضآ يدور فى إطار الشخصية ولكنها للأسف شخصية غير واضحة الملامح كأي شخصية أخرى،
هذه الشخصية يبدو أنها خيالية ولكنها واقعية وتعيش معنا فى هذا الواقع المرير؛ دعني أذكر لك اسم هذه الشخصية،
وسيبدو من الاسم أنه مجازي ولكنه غير ذلك تسمى هذه الشخصية ب “الهجرسية”.. بالفعل كما قرأت الشخصية الهجرسية،
وسوف نطلع على بعض ملامح هذه الشخصية التى تغزو واقعنا، وتنتشر في مجتمعنا وهي في تزايد بمرور الوقت..
والسؤال الذى سيطرأ بداخلك الآن ‘لماذا هذا الاسم؟!، وما هي تلك الشخصية التى تبدو عجيبة من اسمها؟!’…
حسننا من خلال إجابتي على هاتين السؤالين سيتضح لك كل شيء.
ماذا تعني الشخصية الهجرسية؟
لقد شاهد بعضنا المسلسل الكوميدي الشهير (الكبير أوي) الذي كان يعرض على شاشات التلفاز منذ سنوات، وكانت
من بعض شخصيات هذا المسلسل شخصية تدعى “هجرس” ومن تحليل هذه الشخصية يتضح لنا أن هذه الشخصية تعيش
معنا منذ سنوات، ولكننا لم نكترث بها ولا بتأثيرها فى مجتمعنا إلى أن أصبحت جزء منه ولنتعرف عليها أكثر لابد أن نعلم
كيف نشأت هذه الشخصية في المسلسل؟
صفة شخصية (هجرس) في مسلسل (الكبير أوي)
عندما جاء “جوني” (الشخصية الأمريكية) إلى القرية التي كان يعيش بها “هجرس” والتى تسمى في المسلسل ب
(المزريطة) وهي قرية تقع فى صعيد مصر حسب سياق المسلسل؛ كان هجرس في البداية يسكن فى هذه القرية إنسان
بسيط يحمل عادات وتقاليد بلدته وكان ذلك ظاهر فى ملبسه ولهجته وسلوكه وعندما أتى “جوني” إلى قرية (المزريطة)
ليعيش بها بدأ “هجرس” يتأثر بهذه الشخصية الأمريكية وقام بعمل محاكأة في كل تفاصيل حياته الشخصية، وقام بدمج
كل ما كان يحمله سابقآ من عادات وتقاليد بهذه الشخصية الأمريكية وظهر ذلك من خلال كلامه وملبسه وحتى لون شعره..
وحاول فى تغيير نفسه ليصبح مثله ولكن هيهات هيهات فحدث عنده اضطراب كان ظاهرآ لجميع المشاهدين من خلال
محاولة نطق بعض المصطلحات الانجليزية باللهجة الصعيدة، وأيضا ظهر هذا الاضطراب في مظهره وكان يبدو للمشاهدين
أنه مضحك وكوميدى؛ وفي سياق المسلسل لاحظ “جوني” هذا التغيير الذى ظهر عليه “هجرس” وكان مندهشا لهذا فعاب
عليه وقال له: “أنت اصبحت إنسانآ مسخ بلا شخصية ولا هواية”….. إلى هنا فقد وصلنا لتعريف هذه الشخصية وكيف نشأت !!!
الشخصية الهجرسية وانتشارها في المجتمع
فإذا نظرنا إلى واقعنا اليوم فسوف نرى هذه الشخصية المريبة تغزو عالمنا؛ ويعتقد صاحبها أنه أكثر تحضر وقد أصبح إنسان
منزوع الهوية والشخصية عائمآ في بحر من التقليد الأعمى، بمسميات عدة كالتنوير والتحضر؛ أي تنوير يأتي من التقليد
والمحاكأة في المظهر والتي تمتد إلى التقليد فى طريقة الكلام أيضا!! ويصبح إنسان مسخ بلا ماضي ولا حاضر! وللأسف
يعاني عالمنا اليوم من هذه الشخصية التي توغلت في مجتمعنا، وأصبح كبار المشاهير يتمثلون فى هذه الشخصية وأصبحوا
من روادها، وتأثر بهم الكثير من معجبينهم من خلال أفعالهم وتصرفاتهم، وأصبح تراثنا شيء قديم عبئا علينا، وتغير جلدنا،
وأصبحنا نروج للعديد من الأشياء التي لا قيمة لها، وتأثر مجتمعنا بهذه الشخصية، وظهر الاختلال الطبقي الذى نشهده
اليوم وظهرت لنا أشياء لم نعلم متى ظهرت؟! وكيف ظهرت؟! ولماذا ظهرت؟!
وعلى سبيل المثال لا الحصر مثل ما تسمى اليوم بأغاني المهرجانات التي لم نعرف ما هو تعريف هذا الاسم! ولماذا سميت
به! وكثير من الأموار التي تظهر في الساحة الإعلامية بمسميات جديدة لم ندر سبب ظهورها!!! وإلى متى تستمر!!! وإلى
أين تصل هذه الشخصية التي أصبحت وباء يصيب مجتمعنا المصري؛… إن مجتمعنا المصرى اليوم يقف على حافة الهاوية
لابسبب التهديد بالفناء ولكن بسبب الأفلاس الذى طرأ على الهواية الذى يعتبره البعض تحضرا وهو ليس تحضرا بل تخلف
عن ثقافتنا وتراتنا.
