شبكة همس الشوق

شبكة همس الشوق (https://www.hamsalshok.com/vb/index.php)
-   همس للخيمة الرمضانية (https://www.hamsalshok.com/vb/f131)
-   -   مدونة القران الكريم (https://www.hamsalshok.com/vb/t40836.html)

بحـہة بكـى. 4 - 8 - 2014 10:15 PM

مدونة القران الكريم
 
..




السلآمم عليكم ورحممةة الله وبركاته ..
مساء عبق بـِ ذكر الله ..

حبيت افتح هـ المدونة خآصة بـِ القرآن الكريم ..
رآح تضم جميع مَ يخص القرآن ..
من مقآطع صوتيه او شرح لنصوص قرآنية او اعجآز قرآني ..

المجآل مفتوح للجميع ..




..

بحـہة بكـى. 5 - 8 - 2014 04:28 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
الاعجاز البلاغي في القران

الاعجاز هو اثبات عدم القدرة , او القصور عن فعل الشىء . وهو امر خارق للعادة , مقرون بالتحدى سالم عن المعارضة , غير مااعتاد عليه الناس من سنن الكون والظواهر الطبيعية . فلا يمكن لاحد ان يعارض هذا الامر ولايستطيع ان بأتى بمثله . لقد نزل القران الكريم باللغة العربية لاثبات عظمة هذه اللغة وبلاغتها وقد اهتم المسلمون بوجه من اوجه اعجاز القران وهو لبلاغته حيث نزل بلسان ولغة العرب فى وقت كانوا فيه اصحاب الكلام وارباب القلم فوجدوا فيه مالا يستطيعون مجاراته . قال الدكتور اندرى رومان استاذ اللغويات العربية بكلية الاداب بجامعة اكس سان برفانس ( بحكم تخصصى فى اللغة العربية ومعرفتى الطويلة بها ومعاشرتى لها وتعمقى فى دراستها وتدريسها والاتصال بأهم مصادرها ومتابعتها ومعرفتى للغات الاخرى فان الانصاف العلمى يفرض على ان اقول فى بداية محاضرتى ان اللغة العربية هى اعظم لغة فى العالم لما امتازت به من ثراء واسع وتنوع رائع ومرونة كبيرة ومبادىء تطورية عظيمة وقاعدة علمية متقنة الى غير ذلك من الخصائص والمميزات التى تجعل اللغة العربية فى مقدمة اللغات العلمية بل انها اعظمها على الاطلاق ولا اقول لكم هذا بدافع المجاملة وانما هى الحقيقة العلمية المجردة وقد كتب لهذه اللغة الخلود والانتشار اذ اصبحت لغة الدين فحينما حل الدين حلت معه اللغة العربية )

انزل الله على نبيه القران الكريم , وهو نبى امى لايقرأ ولايكتب , فسمعه كل من قرأ وكتب , ومن قال الشعر اصحاب المعلقات والفصاحة والبلاغة , وادرك ان هذا الكلام ليس من صنع البشر , وليس بمقدور احد ان يأتى بمثله مهما اوتى من قوة الكلم . وقد دارت افتراضات كثيرة من مشركى العرب حول القران الكريم , افترضوا ان يكون احد من الناس علم النبى , فقالوا لقد علمه غلام رومى اعجمى يشتغل فى مكة (قينا ) يعنى حدادا , فرد عليهم القران ففند اقوالهم . قال تعالى (لسان الذى يلحدون اليه اعجمى وهذا لسان عربى مبين ) النحل 3-1 وهكذا فأنت ترى ان معجزة كل نبى كانت من جنس مابرع فيه قومه , فقد اشتهر موسى بالسحر وهو ليس بساحر , وكذلك اشتهر المسيح بالطب وشفاء المرضى واحياء الموتى , ولم يكن طبيبا , وكذلك كان النبى محمد اميا يتحدى كل متعلم وبارع فى الكلام , والشعراء , جاءهم بالقران واذهلوا , وعلموا ان مايقوله ليس من كلام البشر . قال محمد بن جرير الطبرى . ان الامى عند العرب هو الذى لايكتب نسبه امه , لان الكتاب كان من الرجال دون النساء , فنسب من لايكتب ولايخط من الرجال الى امه فى جهله بالكتابة دون ابيه , فقد قال النبى عن نفسه (انا امية لاتكتب ولاتحسب ). ويقول الرافعى (مااشبه القران الكريم فى تركيب اعجازه واعجاز تركيبه بصورة كلامية , من نظام هذا الكون الذى اكتنفه العلماء من كل جهة , وتعاوره من كل ناحية , واخلقوا جوانبه بحثا وتفتيشا , ثم هو بعد لايزال عندهم على كل ذلك خلقا جديدا وامرا بعيدا )ومن اهم اعجاز القران ذكرها العلماء بالتفصيل

(1) ايجازه . بحيث ترد المعانى الكثيرة فى كلمات قليلة ، مثل قوله تعالى (وقل ياارض ابلعى ماءك وياسماء اقلعى وغيض الماء وقضى الامر واستوت على الجودى وقيل بعدا للقوم الظالمين ) هود 44

(2) ومن اعجازه احتوائه على شتى العلوم لايحيط بها بشر فى ذلك العصر , وكان اثباتا ودليلا قويا على انه من عند الله المحيط بكل شىء علما .

(3) ومن اعجازه ماتضمنه من علم الغيب بأخبار المستقبل ومايكون ، كقوله لقريش (فأن لم تفعلوا ولن تفعلوا ) البقرة 24 , او كقوله (سيهزم الجمع ويولون الدبر )القمر 45 , وكان ذلك فى يوم بدر , وكقوله تعالى (ان الى فرض عليك القران لرادك الى معاد ) القصص 85 . فأعاده الله الى مكة عام الفتح .

( 4) ومن اعجازه كما ذكرنا سابق هو بلاغته التى وصلت الى مرتبة لم يعهد لها مثيل , والمخالف لما عهد عليه العرب فى كلامهم وبلاغتهم المعهودة .

(5) ومن اعجازه عجز الامم جميعا عن معارضته . فقد ذهب البعض الى ان الله صرف العرب عن معارضة القران مع قدرتهم عليها , فكان هذا الصرف او المنع خارقا للعادة .
وقد اتفق البحاث من العرب والمستشرقين على ان القران فى درجة من البلاغة لم يعهد مثلها فى تركيب اللغة وتقصر عنها درجات البلاغة حتى انه حير عقول بلغاء العرب وفطاحل اللغة واثبت لهم ان القران كلام الله تأليفه العجيب واسلوبه الغريب وكمال ربط الايات كما ادهشهم سلامة التركيب وسلامة الترتيب فلا هو بالشعر ولا هو بالنثر وليس من جنس خطب الخطباء او شعر الشعراء ولا هو سحر ساحر وقد اهدى القران الى اللغة العربية لونا طريفا من الابداع لم يكن معروفا قبله الا وهو تكرار بعض الايات ومن ادلة اعجاز القران البلاغى انه فى اغلب المواضع يأتى بلفظ يسير يعبر عن معنى كبير فمثلا (ولكم فى القصاص حياة ) الفاظ يسيرة ذات معان كثيرة ببلاغة غير منتهية الحد. اثبت البحاث من المشتغلين با للغة العربية ان فى القران موسيقا يحس بها المستمع هذه الموسيقا تتمثل فى مقاطعة وفواصله ويقول المختصون ان زيادة حرف او حذف حرف فى بعض الفاظ القران انما يهدف الى المحافظة على الموسيقا ويحرص على النغم الصوتى. والقران معجزة الالهية كلما مر عليها الزمن ظهر للعالم مدى روعة مااشتمله عليه من الاعجاز وكما قلنا فهو فى الدرجة العالية من البلاغة التى لم يعهد مثلها عند العرب ، وتقاصرت عنها درجات بلاغتهم حتى تحيرت فيه عقول العرب ، وهم ارباب الفصاحة. ومن اعجازه ان قارئه لايسأمه وسامعه لايمجه بل تكراره يوجب زيادة محبته ، وانه سهل الحفظ على متعلميه . فقد يسره الله للحفظ ، ويحوى القران اصول الدين والدنيا ، وفيه علوم ظلت خافية حتى اوضح معناها العلم الحديث . وقد تنبأ بأخبار وحوادث كثيرة تحققت بعده . كما اتى بأخبار فى العصر الحديث صحة مااتى به.

ويكفى ان نورد بعض اراء علماء الغرب ومفكريه فى القران الكريم . يقول الدكتور الفرنسى موريس بوكاى ( ان القران افضل كتاب اخرجته العناية الازلية لبنى البشر ، وانه كتاب لاريب فيه ) ويقول هنرى دى كاسترى ( ان القران يستولى على الافكار ويخذ بمجامع القلوب ، ولقد نزل على محمد دليلا على صدق رسالته ) ويقول واشنطن ايروينج ( يحوى القران اسمى المبادىء واكثرها فائدة واخلاصا )ويقول جوتة ( ان تعاليم القران عملية ومطابقة للحاجات الفكرية ) ويستمر قائلا ( ان اسلوب القران فى فحواه وهدفه قوى كبير خصب ومتسامى فى كثير من الاحوال فهكذا فلا عجب ان يكون محل دهشة واعجاب الكثيرين . وان هذا الكتاب كلما قرأناه كلما انجذبنا اليه واثار دهشتنا وفى النهاية خلق فينا احتراما وتقديرا ) . ويقول ليون (حب القران جلالة ومجدا ان الاربعة عشرا قرنا التى مرت عليه لم تستطع ان تخفف ولو بعض الشىء من اسلوبه الذى لايزال غضا كأن عهده با لوجود امس )ويقول الكس لوازون ( خلف محمد للعالم كتابا هو اية البلاغة وسجل الاخلاق وهو كتاب مقدس وليس بين المسائل العلمية المكتشفة حديثا او المكتشفات الحديثة مسألة تتعارض مع الاسس الاسلامية فالانسجام تام بين تعاليم القران والقوانين الطبيعية )ويقول جيمس متشنر ( لعل القران هو اكثر الكتب التى تقرأ فى العالم وهو بكل تأكيد ايسرها حفظا واشدها اثرا فى الحياة اليومية لمن يؤمن به فليس طويلا كالعهد القديم وهو مكتوب بأسلوب رفيع اقرب الى الشعر منه الى النثر ومن مزاياه ان القلوب تخشع عند سماعه وتزداد ايمانا وسمووا واوزانه ومقاطعه كثيرا ماقورنت بدقات الطبول واصداء الطبيعة والاغانى المعروفة فى الجماعات القديمة.
ومن الملاحظ ان القران يتسم بطابع عملى فيما يتعلق با لمعاملات بين الناس وهذا التوفيق بين عبادة الاله الواحد وبين التعاليم العملية جعل القران كتابا فريدا ووحدة متماسكة ) . لقد حقق القران معجزة لاتستطيع اعظم المجاميع العلمية ان تقوم بها ذلك انه مكن للغة العربية فى الارض بحيث لوعاد احد اصحاب رسول الله الينا اليوم لكان ميسورا له ان يتفاهم تمام التفاهم مع المتعلمين من اهل اللغة العربية بل لما وجد صعوبة تذكر بالتخاطب مع الشعوب الناطقة بالضاد. وهذا عكس مايجده مثلا احد معاصرى رابيليه من اهل القرن الخامس عشر الذى هو اقرب الينا من عصر القران من الصعوبة فى مخاطبة العديد الاكبر من فرنسيين اليوم. وان لغة القران وان كانت تمت فى اصولها الى عصور بعيدة قديمة فهى مرنة طيعة تسع التعبير عن كل مايجد من المستكشفات والمخترعات الحديثة دون ان تفقد شيئا من رونقها وسلامتها. هذا ماذكره ايته دينيه فى كتابه (اشعة خاصة بنور الاسلام ) .لانريد هنا ان نطيل الكلام فى اقوال المفكرين والمستشريقن لان محاولة كهذا تحتاج الى مجلدات كثيرة والبحث عن مصادر متنوعة ليس من السهل الحصول عليها ودراستها واقتباس مانحتاجه منها.

ان القران بما اشتمل عليه من هذه المعجزات الكثيرة قد كتب له الخلود فلم يذهب بذهاب الايام ولم يمت بموت الرسول ومن هذا يظهر الفرق جليا بين معجزات محمد فى القران الكريم ومعجزات اخوانه الانبياء فمعجزات محمد فى القران فانها خالدة منذ نزول القران على محمد والى المستقبل حتى تتحقق باقى وعوده وتنباته اما معجزات سائر الرسل والانبياء فمحدودة العدد وقصيرة الامد ذهبت بذهاب زمانهم وماتت بموتهم ولكى نعلم حكمة الله البالغة فى نزول القران على محمد وباللغة العربية لكى يكون هو خاتمة الاديان والشرائع. وكان من اسرار الاعجاز فيه بلوغه من الفصاحة والبيان مبلغا يعجز الخلق اجمعين الاتيان بمثله . وكانت اللغة العربية دون غيرها من اللغات هى التى صيغت بها هذه المعجزة لان اللغة العربية حين مبعث الرسول كانت قد بلغت لدى العرب اوج عظمتها من الاعتناء بها والاعتزاز بها وبالنابغين بها فلما نزل القران لم يسع العربى المتمهر فى لغته الا ان يلقى السلاح من يده ويخضع لسلطان هذا التنزيل وبلاغته ويدين له ويؤمن به عن ادراك ووجدان بعد ان ذاق حلاوته ولمس اعجازه وما فيه من انسجام ووحدة ترابط واعترف العرب ان هذا الذكر الحكيم لايمكن ان يكون كلام مخلوق من البشر انما هو تنزيل من الله تعالى.ولقد نزل القران على امه العرب وهم مطبوعون على اللغة الفصحى منقطعون لاحيائها وترقيتها وكان العرب يقدسون لغتهم العربية وكانوا يقيمون المعارض العامة للتفاخر والتفاضل بفصح الكلام والشعر.. وكانت الفصاحة والبلاغة هى التى تسيطر على عقول خاصتهم وعامتهم فعلمهم وثقافتهم هى الشعر والخطابة حتى كهنتهم كانوا يستقطبون الناس بسجعهم الفصيح. فكانت ايته لهؤلاء القوم هى فصاحة القران الذى عجز عن الاتيان بمثله خطباؤهم وشعراؤهم وكهنتهم .

لقد كان العربى يصاب بذهول عندما يسمع القران ، ويشعر ان اسلوبه فوق امكانات البشر. وقد جاءت الايات القرانية مبسطة لعقول الناس فى ذلك العصر فامنوا بالقران الكريم انه من عند الله. وتقول الدكتورة لورا فاجليرى الاستاذة بمعهد الدراسات الشرقية بميلانو ( ومعجزة الاسلام الاولى هى القران الذى ينقل لنا اخبارا مقطوعا بصحتها فهو كتاب لايمكن تقليده ويعتبر جامعا شاملا واسلوبه اصلى ليس له مثال فى تاريخ الادب العربى كله فى الفترة السابقة على الاسلام ، ونرى اياته وقد تساوت فى بلاغتها حتى عندما نتحدث فى موضوعات كالاوامر والنواهى التى تؤثر عادة فى نغمة الصياغة اللغوية ) وثم تستمر قائلة ( ان العمق وحلاوة الاسلوب قيم لاتلتقى فى العادة ولكنها التقت فى القران الذى وجدت فيه كل الصيغ البلاغية مجالا لتطبيقها تطبيقا سليما. فكيف كان يمكن لهذا الكتاب الرائع ان يكون من عمل محمد العربى الامى )

هناك بعض العلمانيين والملحدين فى العصر الحاضر يقولون ان اعجاز القران للعرب لايدل على ان القران كلام الله بل هو كلام محمد نسبه الى ربه ليستمد قدسيته من هذا النسبة واعجازه جاء من ناحية ان محمدا كان الفرد الكامل فى بيانه بين قومه لذلك جاء قرانه الفرد الكامل ايضا بين ماجاء به قومه ولم يستطيعوا لهذا الاعتبار وحده ان يأتوا بمثله شأن الرجل الفذ بين اقرانه فى كل عصر ويقول الكاتب حسن حنفى فى كتابه (الاسلام والحداثة ) يظن الكثيرون ان كلام الله وكلام البشر نقيضان هذا وحى يوحى وهذا صنع بشرى والحقيقة غير ذلك فقد تداخل كلام البشر فى اصل الوحى (القران ) وهل الايمان يتحدد بقدر اثبات هذا التناقض ؟ نفى البشرية عن كلام الله ونفى الالهية عن كلام الانسان. ونحن نرد عليه قائلين: ان كل من اوتى حظا من حس البيان وذوق البلاغة وصناعة الكلام يفرق بين اسلوب القران واسلوب الحديث النبوى فرقا كبيرا يمثل الفرق بين مقدور الخالق ومقدور المخلوق.

فقد زعم المستشرق مايور ان اهل البدو كانوا كثيرين الاهتمام بتعلم البلاغة وطلاقة اللسان فلا يبعد ان النبى محمد (ص) مارس هذا الفن حتى نبغ فيه. فهذا يعطينا صورة عن موازين البحث عند هؤلاء المستشرقين فالمسألة عنده تقوم وببساطة على استنتاج وهمى وبدون وقائع علمية ثابتة من امر لم يقع فلا العرب كانوا يتعلمون البلاغة ولاكانت لها مدارس واساتذة يضعون قواعدها ولا النبى عرف عنه قبل النبوة فعل ذلك وليس هناك نص واحد يثبت صدق دعواه الظالة بل ان المؤكد ان الرسول لم ينقل عنه نثر او شعر قبل النبوة ونزول القران عليه. ولو كان لهذه الشبهة شىء من الوجاهه لكان اولى الناس ان يرفعوا اتهامهم بها هم اولئك العرب الخلصاء الذين خاطبهم القران فى عصرهم لانهم كانوا احرص على تعجيز محمد واسكاته لكنهم لم يفعلوا ذلك بسبب ادراكهم ويقينهم بظهور المميزات الفائقة بكلام الربوبية عن كلام النبوة لان القران الكريم دخل عليهم من اوسع الابواب وهو طريق الفصاحة والبلاغة العربية وتحداهم من الناحية التى نبغوا فيها العرب وهى صناعة الكلام. ومع ان هؤلاء الذين كانت لديهم القدرة على التعبير ببلاغة كبيرة كانوا كثيرين بين العرب فلم يستطع اى منهم انتاج شىء تمكن مقارنته بالقران لقد حاربوا الرسول بسواعدهم ولكنهم فشلوا تماما فى مبارعة روعة القران.

ولهذه الاسباب كلها لايمكن ان يكون القران من عمل رجل امى قضى كل حياته وسط مجتمع جاهلى.لنقرأ قصة الغرانيق التى تتهم النبى محمد انه ساير المشركين وزاد فى القران من عنده الى غير ذلك من الادعات . ولو كان القران مصدره محمد كما يدعى هؤلاء الملاحدة لامكن هؤلاء العرب البارزين فى البيان ان يعرفوا انه كلامه وهم فرسان ذلك الميدان وائمة الفصاحة والبيان وثم لو كان مصدره نفس محمد لكان من الفخر له ان ينسبه الى نفسه ولاْمكن ان يدعى به الالوهية فضلا عن النبوة ولكان مقدسا فى نظر الناس وهو اله اكثر من قداسته فى نظرهم وهو نبى. وثم ان مضامين القران ومعجزاته العلمية وانبائه الغيبية تبعد هذه الشبهه حول محمد فمن اين له هذا العلم الكامل وهو الرجل الامى الذى عاش فى اظلم عهود الجاهلية؟ هل اخذه من الراهب بحيرا ؟؟ ويقولون ايضا ان محمدا كان له ضربان من الكلام احدهما يعتنى به كل العناية بتهذيبه وتنميقه وتحضيره وذلك هو ماسماه بالقران ونسبه الى الله وثانيهما يرسله ارسالا غير منمق وغير معنى بتحضيره وتحريره وهو المسمى بالحديث النبوى. فهل كان محمد كاذبا على قومه وهو الذى اشتهر بينهم بانه الصادق الامين؟ لقد كان العرب انذاك اميين لايعرفون القراءة ولايحذقون الخط وترجع هذه الامية السائدة فيهم الى غلبة البداوة عليهم وبعدهم عن اسباب الحضارة وعدم اتصالهم بالمتحضرين انذاك الفرس والروم.

وقد نزل القران الكريم على الرسول والعرب فى حالة جهالة مطلقة . ففى تاريخ اليعقوبى (دخل الاسلام وليس فى قريش سوى سبعة عشر رجلا يكتبون وكان منهم جلة الصحابة وبضع نساء . وليس فى جميع اليمن من يقرأ ويكتب واهم علومهم الشعر كانوا يقيمونه مقام الحكمة وكثير العلم ) هكذا كانت حالة العرب قبل الاسلام ونزول القران وكانت الامية منتشرة بينهم جعلت المرء منهم لايعول الا على حافظته وذاكرته فيما يهمه حفظه وذكره فىالصدور. والعرب كانوا امة يضرب بها المثل فى الذكاء وقوة الحفظ وصفاء الطبع حتى كان الرجل منهم يحفظ مايسمعه لاول مرة مهما طال وكثر وان رؤوسهم كانت دواوين شعرهم وصدورهم كانت سجل انسابهم وكتاب وقائعهم وايامهم كل ذلك كان قبل الاسلام بعيدين عن الترف ولاانفاق جهد او وقت فى الكماليات وعندما نزل القران ببلاغته التى فاقت كل بيان واسكت كل معارض ومكابر وهذه البلاغة هى المعجزة من الله لنبيه محمد وتأيدا له.

وقد اخرس القران فى اشراقه وبراعته وجزالة الفاظه وسمو معانيه وهدايته كل متكبر فهذا القران كتاب الله ينطق علينا بالحق ويتحدى بأعجازه كافة الخلق. ان بوسع اى باحث موضوعى متحرر من العصبية وتيارات التقاليد والبيئة ان يرجع فيدرس حياة محمد قبل النبوة وبعدها وان يتعرف على القران من حيث صياغته اللفظية والمعانى التى تضمنها ليدرك بشكل قاطع ان القران ليس من تأليف محمد وكلامه لامن حيث الصياغة اللفظية ولامن حيث المضمون والمعانى ان نظرة سريعة الى ايات العتاب بل ايات التأنيب الشديدة الوجهه الى محمد فى القران تجعل افتراض كون القران من تاليف محمد ووضعه اضحوكة عابثة لايقبلها عقل فكيف اذا وقفت على تلك الايات الاخرى التى تخطىء محمد فى بعض اجتهاداته وترشده الى الصواب المخالف لرايه او التى تتحدث عن انباء تتعلق بماض سحيق ماكان يعلمها لاهو ولا قومه من قبل او التى تتناول قوانين علمية لم يكن الانسان العربى انذاك فى حالة تمكنه من معرفتها والاطلاع عليها.
الفرق بين اسلوب القران والحديث

فى الاسلام مصدران اساسيان هما القران الكريم ، والسنة النبوية يمثلان معا الالهام والخبرة والفكرة والحياة والتفكير والممارسة. والاسلام طريقة حياة اكثر منه طريقة تفكير وتشير جميع التفاسير القرانية الى انه بدون السنة النبوية اى بدون حياة النبى وسيرته واعماله يتعسر فهم القران فهما صحيحا. انه فقط من خلال فهمنا لحياة الرسول يعرض الاسلام نفسه كفلسفة عملية او خطة شاملة للحياة كلها.
فالقران الكريم هو التشريع الاول والدستور الجامع لخير الدنيا والاخرة والقانون المنظم لعلاقة الانسان بالله وعلاقته بالمجتمع الذى يعيش فيه ، ثم السنة هى الاصل الثانى للتشريع وهى شارحة للقران الكريم مفصلة لمجمله مبينة لمبهمه مظهر لاسراره ، حيث ارتبط كثير من كلام الله ورسوله فيها وحديثها عنها واجابتهما عليها ، وبذلك يتمكن الوحى الالهى والكلام النبوى فى شرح امور الدين ، حيث ان القران فى كثير من الاحيان يساير الحوادث والطوارىء فى حال وقوعها ، ويجيب السائلين على اسئلتهم او يفصل فى مشكلة قامت ويقضى على فتنة وقعت ، او يلفت القران انظار المسلمين الى تصحيح اغلاطهم التى وقعوا فيها . وقد اقترن القران بالاعجاز ، واقترنت بعض الاحاديث النبوية بأمور الدين وشرح معانيها ، واقترن بعضها بمعجزات خارقة ، وهناك احاديث كثيرة حول معجزات الرسول وتنبؤاته حول بعض الوقائع التى سوف تحدث بالمستقبل . كثير من الاحاديث النبوية الشريفة حيث يختلف اسلوبها من حيث البلاغة وجودته وروعته عن اسلوب القران الكريم ، وكل من له المام وذوق فى البيان العربى سيجد المدى البعيد بين اسلوبى القران والحديث ، وليؤمن عن صدق ووجدان بان اسلوب التنزيل اعلى واجل من اسلوب الاحاديث النبوية علوا خارقا للعادة ، خارجا عن محيط الطاقة البشرية

ولقد كان هؤلاء العرب يعرفون نبى الاسلام ، ويعرفون مقدرته الكلامية من قبل ان يوحى اليه ، لم يخطر ببال منصف منهم ان يقول ان هذا القران كلام محمد ، وذلك لما يرى من المفارقات الواضحة بين لغه القران ولغة الرسول . وان محمد لم يعرف فى نشأته بينهم بالخطابة ولا بالكتابة ولا بالشعر ، ولم يؤثر انه شاركهم فى معارضهم واسواقهم العامة التى كانوا يقيمونها للتسابق فى البيان والشعر ، بل كان زاهدا فى الظهور ميالا الى العزلة وكل ما اشتهر به قبل النبوة انه كان صادقا ولم يكذب امينا ولم يخن عالى الاخلاق كثير الحياء ومتواضع. فهل يعقل ان هذا الانسان الكامل يتورع عن الكذب على الناس فى حياه وشبابه ثم يجىء فى سن الشيخوخة فيكذب افظع الكذب على الله ؟..

وثم وجود هذه الحقائق العلمية الموجودة فى القران من المستحيل على الانسان ان يتوصل الى معرفتها الا بالاستعانة بالوسائل العلمية الحديثة ، مع معرفة مسبقة لركام من الحقائق الاولية التى يستحيل معرفتها بدونها. وعندما ياتى انسان امى من امة امية ، وقبل اربعة عشر قرنا وهم لايملكون من الوسائل العلمية اى شىء ، ولايعرفون الحقائق الاولية التى يجب الاستناد عليها لادراك المواضيع التى جاء بها. عندما ياتى هذا الانسان ويورد هذه الحقائق فان اى عاقل فى الوجود لايستطيع ان يفرد هذا الامر الا الى قوى خارقة تعلو على الامكانيات البشرية ولن نجد لها اى تفسير الا انها وحى من لدن عليم خبير.

وان هذا الايات انما هى معجزات اعطاها الله رسوله لتكون برهانا على ان ماجاء به هو الحق. اذا لو كانت من عنده لاتى بما يتفق مع معتقدات الناس من حوله او لاتى بشىء لايخرج عن الاطار الفكرى لذلك العصر فهل كان فى زمن الرسول وقبله وبعده احد عنده ذلك العلم؟ كلا انهم كانوا يجهلون كل هذه الاشياء الا بعض فرضيات يشوبها الكثير من الخرافة. والبيئة التى كان يعيش فيها العرب قبل الاسلام صحراء جرداء قليلة المياة وان مثل هذه البيئة تجعل الشعوب التى تعيش فيها بمعزل عن ركب الحضارة فهل يمكن ان ينتشر العلم فى بيئة هذه ظروفها الطبيعية فكيف يستوعبون العرب العلم وقد غلبت عليهم البداوة والتنقل من مكان الى اخر. وهكذا لم يكن للعرب فى الجاهلية اى اثر للعلم عندهم بل كان الجهل فاشيا فيهم والامية منتشرة وكانت الخرافات والاساطير منتشرة بينهم واكثر كتب التاريخ تروى لنا هذه الاساطير التى كانت منتشرة بين العرب. ويقول البلاذرى فى كتابه فتوح البلدان فيقول ( ان الاسلام دخل وفى قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب ) فكيف اذن ينتشر العلم فى مثل هذه البيئة؟ فكيف يكون للعرب فى الجاهلية نهضة علمية وهم لايعرفون القراءة ولا الكتابة ؟ قال الله فى محكم كتابه (هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم يتلو عليهم ايته ويزكيهم ويعلمهم الكتب والحكمة وان كانوا من قبل لفى ضلل مبين )

لقد امتزج القران بالبلاغة والفصاحة والعلوم الكونية وقد فسر القران وبسط المعارف الكونية لمسايرة افكار الناس البسيطة تفسيرا بسيطا يشبع حاجاتهم من الثقافة العلمية فى ذلك العصر الذى انزل فيه القران الكريم. وقد ادرك الناس فى مايحتويه القران من اعجاز علمى لم يكن مكشوفا لهم سابقا من ناحية مايحويه او يرمز اليه من علوم الكون والاجتماع وهذه العلوم الكونية التى جاء بها القران كشف للناس بأن ليس هناك عداوة بين العلم والدين منذ ان انزل القران على النبى وكان هدف القران مستقبلا هو استمالة غير المسلمين الى الاسلام من هذا الطريق العلمى الذى يخضعون له دون سواه فى هذه الايام.

وهذه الايات العلمية التى تكتشف الان فى القران وتتحقق على ارض الواقع تثبت على انه كلام الله سبحانه وتعالى والايمان به لانه كتاب الساعة ودستور الناس القيم الى يوم القيامة يصلح لكل زمان ومكان وانه كتاب غنى بكل مايحتاجه اليه البشر من الوان السعادة نعود ونقول مرة اخرى ان العرب فى عهد نزول القران كانوا يجهلون جهلا تاما المشاكل الكونية لان الرسول لم يركز عليها وثم ان الانسانية وحضارتها فى ذلك العصر يجهلونها جهلا تاما وكذلك لم يتفرغ العلماء المسلمين لبحثها فتكون الايات العلمية قد اعطيت لاناس هذا العصر الذين سيطرت المفاهيم العلمية على افكارهم فتكون الايات التى اعطيت معجزة لهم هى ايات علمية من فلكية وجيولوجية وفيزيائية الخ . فالقران الكريم يحثنا عن البحث بسنن الكون الذى خلقه الله بمن فيه ومافيه وهو الذى طلب الى العقل البشرى ان ينظر ويفكر فى كل شىء خلقه الله ( ان فى خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وماانزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون ) فمن هم القوم الذين يعقلون؟ انهم الذين ينظرون فى اسبابها ويدركون حكمها واسرارها ويستدلون بما فيها من الاتقان والاحكام والقوانين والسنن التى قام عليها هذا النظام على قدرة مبدعها وخالقها والعلوم الطبيعية هى الكاشفة لنا عن اسرار هذا الكون وعن سنن الله فى خلقه. ان القران يحثنا على النظر فى الكون لنصل الى الوقوف على الحقائق العلمية والسنن الكونية وان النظر فى الكون ينتهى بنا الى الحقائق العلمية التى ذكرها القران .

ان ماوصلنا اليه اليوم من حقائق علمية فى الميادين المختلفة للحياة قد زاد من وعينا بقدرة الله وعلمه وحكمته وبديع نظامه واتقانه لكل شىء خلقه وانه من هنا تكون العلوم الطبيعية داخلة فى دراسة المفاهيم القرانية. ( سنريهم اياتنا فى الافاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ) فماهى هذه الايات التى سيريها الله للناس فى الافاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم ان القران حق من عند الله؟ ماهى هذه الايات ان لم تكن هى الايات العلمية والتى هى حقائق هذا الكون والتى من المستحيل ان يكون قائلها انسانا وجد قبل اربعة عشر قرنا؟ وهل كان باستطاعة محمد او غيره من الذين كانت الانسانية فى عصرهم تجهل كل شىء حول هذه المواضيع العلمية هل كان باستطاعتهم ان يعرفوا شيئا منها بهذه الدقة وهذا الوضوح؟ والتى جاءت بحقائق لايستطيع العلم الا قبولها اللهم انى امنت بك

بحـہة بكـى. 5 - 8 - 2014 04:29 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (3).
نبدأ بملاحظات عابرة تتعلق بتناسبات صوتية وحرفية الهدف منها إشعار القارئ أن سورة الكوثر تخفي خلف كلماتها العشر أمورا كثيرة وكثيرة جدا:

كلمات السورة استنادا إلى الخط والرسم عشر:

{إِنَّا- أَعْطَيْنَاكَ- الْكَوْثَرَ- فَصَلِّ- لِرَبِّكَ- وَانْحَرْ-إِنَّ- شَانِئَكَ- هُوَ- الْأَبْتَرُ}

- الآية الأولى نسيج حرفي مكون من حروف عشر-بدون اعتبار المكرر منها-:

ا-ن-ع-ط-ي-ك-ل-و-ث-ر.

- الآية الثانية هي أيضا مبنية من عشر حروف-بدون اعتبار المكرر دائما-:

ف - ص-ل-ر-ب-ك-و-ا-ن-ح.

-الآية الأخيرة –كما قد يتوقع القارئ-كأختيها أعني العدد نفسه باعتبار نوع الحرف لا أفراده:

ا-ن-ش-ك-ه-و-ل-ب-ت-ر.

ولعل إشارة أخرى تقلل من فرضية الصدفة وهي أن عدد الحروف التي لم تستعمل إلا مرة واحدة عشرة أيضا وهي:

ع-ط-ي-ث-ف-ص-ح-ش-ه-ت.

• أن قوله تعالى : (إنا أعطيناك الكوثر) دل على عطية كثيرة مسندة إلى معطٍ كبير، ومن كان كذلك كانت النعمة عظيمة عنده، وأراد بالكوثر الخير الكثير، ومن ذلك الخير الكثير ينال أولاده إلى يوم القيامة من أمته، من غير ما وعد به الله وأعطاه في الدارين، من مزايا التعظيم، والتقديم، والثواب ما لم يعرفه إلا الله، وقيل إن الكوثر ما اختص به من النهر الذي ماؤه أحلى من العسل وعلى حافته أواني الذهب والفضة كعدد النجوم.

• أنه جمع ضمير المتكلم، وهو يشعر بعظم الربوبية فالعطاء يتناسب مع مقام الربوبية المشار إليه بضمير التعظيم.

• أنه صدر الجملة بحرف التوكيد مجرى القسم.

• أنه بنى الفعل على المبتدأ فدل على خصوصية وتحقيق.

• أنه أورد الفعل الماضي دلالة على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة دون عطاء الآجلة، ودلالة على أن التوقع من سيب (عطاء ) الكريم في حكم الواقع.

• جاء بالكوثر محذوف الموصوف، لأن المثبت ليس فيه ما في المحذوف من فرط الإيهام والشياع، والتناول على طريق الاتساع، لذا وردت الأقوال الكثيرة عن العلماء في تفسير الكوثر، فمن قائل نهر ومن قائل الأتباع ومن قائل الذكر.. والكوثر يشمل كل ذلك ويزيد، فهو الخير الكثير الموهوب من الرب العظيم.

• اختيار الصفة المؤذنة بالكثرة (على وزن فوعل).

• أتى بهذه الصفحة مصدّرة باللام المعروفة بالأستغراق لتكون ما يوصف بها شاملة، وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة.

• وفاء التعقيب في الآية الثانية مستفادة من معنى التسبب لمعنيين:

ـ جعل الإنعام الكثير سبباً للقيام بشكر المنعم وعبادته.

ـ جعله لترك المبالاة بقولة العدو.

فإن سبب نزول هذه السورة: ما روي أن العاص بن وائل قال إن محمد صنبورـ والصنبور الذي لا عقب له ـ فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت هذه السورة.

• قصده بالأمر التعريض بذكر العاص وأشباهه ممن كانت عبادته ونحره لغير الله.

• أشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات : الأعمال البدنية والصلاة قوامها، والمالية ونحر البدن ذروة سنامها، للتنبيه على ما للرسول صلى الله عليه وسلم من الأختصاص في الصلاة التي جعلت فيها قرة عينه، ونحر الإبل التي كان لا يجارى فيه، فقد روي أنه أهدى مائة بدنة فيها جمل في أنفه برة من ذهب.

• حذف اللام الأخرى لدلالة الأولى عليها. فلم يقل وانحر له أو لربك.

• مراعاة حق السجع الذي هو من جملة صفة البديع إذا ساقه قائله مساقاً مطبوعاً بعيداً عن التكلّف.

• قوله (لربك) فيه لطيفتان: وروده على طريق الألتفات التي هي (أم) في علم البلاغة. وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر وفيه إظهار لكبرياء شأنه وإثباته لعز سلطانه.

• علم بهذا أن من حقوق الله التي تعبّد العباد بها أنه ربهم ومالكهم وعرّض بترك التماس العطاء من عبد مربوب ترك عبادة ربه.

• وفي الآية الثالثة علل الأمر بالإقبال على شأنه وترك الأحتفال بشانئيه على سبيل الآستئناف الذي هو حسنُ الموقع، وقد كثرت في التنزيل مواقعه.

• ويتجه أن نجعلها جملة الاعتراض مرسلة إرسال الحكمة الخاتمة والاعتراض كقوله تعالى: (إن خير من استئجرت القوي الأمين)[القصص: 26]. وعني بالشانئ العاص بن وائل.

• إنما لم يسمه باسمه ليتناول كل من كان في مثل حاله.

• صدّر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم وعبّر عنه بالاسم الذي فيه دلالة على أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق، ولم يقصد بلسانه الإفصاح عن الحق بل نطق بالشنآن الذي هو قرين البغي والحسد، وعين البغضاء، ولذلك وسمه بما ينبئ عن الحقد.

• جعل الخبر معرفة وهو (الأبتر) والشانئ كذلك، ليعلم أنه المعروف لدى الناس يقال له الصنبور).

• الجمل في سورة الكوثر:

لأهل اللغة تقسيمات كثيرة لأنواع الجملة في اللسان العربي لكن المثير للدهشة أن سورة الكوثر الكريمة قادرة على إعطاء مثال عن كل نوع ، وتزداد الدهشة أكثر عندما ندخل في الحسبان أن عدد جمل السورة أربعة فقط. ولكنها "الكوثر": اسما ومسمى.

تنقسم الجمل عند أهل اللسان –عند أهل البيان منهم خاصة-إلى نوعين:

جمل خبرية وجمل انشائية. وإذا تدبرت سورة الكوثر وجدت فيها النوعين معا:

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ.

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.

جملتان خبريتان.

فَصَلِّ لِرَبِّكَ.

وَانْحَرْ.

جملتان إنشائيتان طلبيتان .

تتعاقب الجمل في الكلام العربي وفق نظام الوصل والفصل وقد أفرد علماء المعاني هذا النظام بمبحث خاص سموه باب الوصل والفصل واعتبروه أم البلاغة وقلبها.... ويعنينا هنا أن سورة الكوثر قادرة على إعطاء مثالين للمفهومين:

فجملة "انحر" معطوفة بالواو على جارتها " فَصَلِّ لِرَبِّكَ." وهذا الوصل.

وهي منقطعة عن الجملة اللاحقة إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ. وهذا الفصل.

يقسم أهل النحو الجملة العربية إلى قسمين: جمل اسمية وجمل فعلية.

وقد اشتملت السورة الكريمة على النوعين كما لا يخفى على أحد . والجمل التي ذكرناها عن الخبر والإنشاء تمثل باعتبار آخر الاسمية والفعلية.

استطراد -قد يكون نافعا-:

القسمة ثنائية عند الجمهور فالجمل عندهم إما فعلية وإما اسمية... وقد حاول بعض النحاة قديما وحديثا أن يزيد قسما ثالثا ولكن هذه الزيادة لم تكن مقنعة:

يقسم أهل اللغة الجملة باعتبار بنيتها إلى قسمين: بسيطة ومركبة وقد يعتمدون اصطلاحا مغايرا- قريبا وليس مرادفا- فيقولون:جملة صغيرة وكبيرة. قال في المغني: الكبرى هي الاسمية التي خبرها جملة نحو" زيد قام أبوه" و"زيد أبوه قائم" والصغرى هي المبنية على المبتدأ كالجملة المخبر بها في المثالين.

ولك أن تعجب من سورة الكوثر فهي لم تقدم مثالا عن كل نوع فقط بل قدمت مثالا ثالثا لجملة تحتمل النوعين بحسب وجهة النظر:

- إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ:جملة مركبة أو كبرى ف أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ جملة صغيرة في محل رفع خبر للجملة الأصلية.

- فَصَلِّ لِرَبِّكَ.جملة تامة صغيرة فيها إسناد واحد.

أما جملة: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ..... فهي من المرونة بحيث تضعها حيث شئت: فلو اعتبرت "هو" ضمير فصل و"الأبتر" خبرا عن الشانئ فالجملة بسيطة لا محالة. ولو اعتبرت "هو" مبتدأ و"الأبتر" خبره ومجموعهما خبرا للشانئ فالجملة كبرى ضرورة. فلله در هذه السورة.

• الضمائر في سورة الكوثر:

استوعبت سورة الكوثر كل أنواع الضمير في اللغة العربية دون أن تغفل الأحوال الإعرابية المختلفة وهذا من العجب العجاب لأننا نضع نصب أعيننا دائما أن عدد مفرداتها لا تتجاوز عدد أصابع الإنسان، وتفصيله:

1-الضمائر بارزة ومستترة:

فمن بارز الضمائر في السورة ما ظهر في فعل "أعطيناك".

ومن مستترة ما كمن في فعل "صل "أو" انحر".

2-الضمائر متصلة ومنفصلة:

ولك في جملة "أعطيناك" مثال على المتصل من الضمائر.

ولك في جملة هو الأبتر مثال آخر على الضمير المنفصل.

3-الضمائر في إحالتها على عناصر الخطاب تنقسم إلى ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب.

ولا تحتاج إلى غير سورة الكوثر للتمثيل:

-فضمير المتكلم حاضر في" أعطينا".

-وضمير المخاطب في" أعطيناك" و"ربك" و"شانئك" صريحا، و في"صل" و"انحر"مقدرا.

-وضمير الغائب في "هو" صريحا وفي شانئ مقدرا، فتأمل هذه التناسبات اللطيفة.

4-باعتبار مقولة العدد:

جاء في السورة ضمير المفرد وضمير الجماعة. وقد اجتمعا في كلمة "أعطيناك".

5-الضمائر باعتبار محلها من الإعراب:

جاءت الضمائر في السورة متنوعة بحسب المحل الإعرابي:

-ضمير في محل رفع: (أعطيناك) الضمير الأول فيها فاعل مرفوع.

-ضمير في محل نصب: (أعطيناك) الضمير الثاني فيها مفعول به منصوب.

-ضمير في محل جر: (ربك) الكاف فيها مضاف إليه مجرور.

ومن لطائف السورة في هذا السياق أن الكلمات الدالة على الرب عز وجل ثلاث هي:

- اسم إن.

- فاعل أعطى.

- الرب.

وجاءت على التوالي:

- منصوب

- مرفوع

- مجرور.

وعلى نفس الترتيب الإعرابي جاءت الكلمات التي تدل على الرسول صلى الله عليه وسلم.

- "كاف" أعطيناك منصوبة

- "صل"الضمير المستتر مرفوع.

- "كاف" ربك مجرور.

• الأفعال في السورة:

لم يأت في السورة من الأفعال إلا ثلاثة: "أعطى"-"صلى"-"نحر".

لكنها على قلتها مثلت من المقولات الصرفية والتركيبية عددا كبيرا:

1- الفعل الصحيح: نحر

2- الفعل المعتل: أعطى.

3- الفعل المضعف: صلى.

4- الفعل المجرد: نحر.

5- الفعل المزيد: أعطى.

6- الفعل اللازم: صلى.

7- الفعل المتعدي إلى مفعول واحد: نحر.

8- الفعل المتعدي إلى أكثر من مفعول: أعطى.

فلله درها من سورة.... والله أسال أن يعفو عما كان من خطأ أو تقصير...... وصلى الله على محمد صاحب الحوض والكوثر وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

المراجع:

مقتطف من بحث "عجائب القرآن في النحو والبيان"- عن منتدى أهل الحديث

كتاب مباحث في إعجاز القرآن . أ.د. مصطفى مُسلم. دار القلم.

بحـہة بكـى. 5 - 8 - 2014 04:30 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
ملامح بلاغية في سورة الفاتحه

فأما تسميتها فاتحة الكتاب, فقد ثبت في السنة في أحاديث كثيرة منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) (متفق عليه).

وفاتحة مشتقة من الفتح, وهو إزالة حاجز عن مكان مقصود, وتستعمل في معنى أول الشيء تشبيهًا للأول بالفاتح؛ لأن الفاتح للباب هو أول من يدخل.

ومعنى فتحها الكتاب أنها جُعلت أول القرآن لمن أراد أن يقرأ القرآن من أوله, فتكون فاتحة بالجعل النبوي في ترتيب السور.

- وأما تسميتها "أم القرآن" و"أم الكتاب" فقد ثبت في السنة: كما في صحيح البخاري أن أبا سعيد الخدري رقى ملدوغـًا, فجعل يقرأ عليه أم القرآن.

ووجه التسمية بـ"أم القرآن" أن الأم يطلق على أصل الشيء ومنشئه, وفي الحديث: (مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهْي خِدَاجٌ) (رواه مسلم), وذكروا أوجهًا لذلك فقالوا:

1- إنها مبدؤه ومفتتحه, فكأنها أصله ومنشؤه, يعني أن افتتاحه هو وجود أول أجزاء القرآن قد ظهر فيها, فجعلت كالأم للولد في أنها الأصل والمنشأ.

2- أنها تحتوي على أنواع مقاصد القرآن, وهي ثلاثة أنواع:

- الثناء على الله لوصفه بجميع المحامد, وتنزيهه عن جميع النقائص, ولإثبات تفرده بالإلهية, وإثبات البعث والجزاء, وذلك من قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (الفاتحة:2-4).

- الأوامر والنواهي من قوله: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:5).

- الوعد والوعيد من قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (الفاتحة:7).

3- أنها تشتمل على جملة معاني القرآن من الحِكَم النظرية, والأحكام العملية؛ فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها, وإما أحكام يقصد منها العمل بها.

- فالعلوم كالتوحيد, والصفات, والنبوات, والمواعظ, والأمثال, والحكم, والقصص.

- والأحكام إما عمل الجوارح, وهو العبادات والمعاملات, وإما عمل القلوب, أو العقول, وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشريعة, وكلها تشتمل عليها معاني الفاتحة.

- وأما تسميتها السبع المثاني فهي ثابتة في السنة: ففي البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِي السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ}.

ووجه التسمية أنها سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين، وأما وصفها بـ"المثاني", فهو جمع مثنى, أي أنها تثنى في كل ركعة, أي: تضم إليها السورة في كل ركعة.

- وقيل: لعل التسمية بذلك كانت في أول فرض الصلاة, فإن الصلوات فرضت ركعتين, ثم أقرت صلاة السفر, وأطيلت صلاة الحضر كما ثبت في حديث عائشة -رضي الله عنها- في الصحيح.

- وقيل: لأنها تـُثنى في الصلاة أي: تكرر, فتكون التثنية بمعنى التكرير, وذلك كقوله: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} (الزمر:23), أي: مكرر القصص والأغراض.

هذه السورة وضعت في أول السور؛ لأنها تنزل منزلة ديباجة الخطبة, أو الكتاب مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن كما سبق, وفيها براعة استهلال لبيان ما يتضمنه القرآن.

البسملة:

اسم لكلمة "باسم الله" وصيغ هذا الاسم من حروف الكلمتين "باسم" و"الله" على طريقة تسمى النحت, وهو صوغ فعل ماضٍ على زنة "فعلل" مكونة من حروف جملة, أو مركب إضافي اختصارًا عن ذكر الجملة كلها لقصد التخفيف, وذلك مثل "عبشمس" من عبد شمس, و"عبدري" من عبد الدار, و"حضرمي" من حضر موت, ومنها "سبحل" من سبحان الله, و"هيعل" من حي على الصلاة, و"حوقل" من لا حول ولا قوة إلا بالله.

البسملة سُنت عند ابتداء الأعمال الصالحة: وقد حكى القرآن قول سحرة فرعون عند شروعهم في السحر بقوله: {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ} (الشعراء:44)، وذكر صاحب الكشاف أن أهل الجاهلية كانوا يقولون في ابتداء أعمالهم باسم اللات والعزى.

وقال الأستاذ محمد عبده: "إن النصارى كانوا يبتدئون أدعيتهم ونحوها باسم الأب والابن والروح القدس إشارة إلى الأقانيم الثلاثة عندهم, فجاءت فاتحة كتاب الإسلام بالرد عليهم بأن الإله واحد, وإن تعددت أسماؤه, فإنما هو تعدد الأوصاف دون تعدد المسميات".

"باسم الله": الاسم لفظ يدل على ذات أو معنى, وهو مشتق من السمو, وهو العلو والرفعة.

"الله": لفظ الجلالة علم على ذات الخالق تفرد به –سبحانه-, ولا يطلق على غيره, ولا يشاركه فيه أحد.

قال القرطبي -رحمه الله-: "هذا الاسم أكبر أسمائه -سبحانه- وأجمعها, حتى قال بعض العلماء إنه اسم الله الأعظم, ولم يتسم به غيره, ولذلك لم يُثن ولم يجمع".

فهو الاسم الجامع لصفات الإلهية, المنعوت بنعوت الربوبية, وفي الكلام حذف تقديره باسم الله أتلو أو أقرأ, وهذا الحذف له فائدة, وهي صلوحية البسملة ليبتدئ بها كل شارع في فعل.

والباء في باسم للملابسة, وهي المصاحبة, وهي الإلصاق, وهي تعني زيادة التبرك بملابسة جميع أجزاء الفعل لاسمه -تعالى-.

(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ): صفتان مشتقتان من الرحمة, والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإحسان, وهذا المعنى غير لائق بالله -عز وجل-, ومذهب السلف أنها صفة قائمة بذات الله -تعالى-, لا نعرف حقيقتها, وإنما نعرف أثرها الذي هو الإحسان.

- و(الرَّحْمَنِ): بمعنى عظيم الرحمة؛ لأن "فعلان" صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته, ويلزم منه الدوام.

- (الرَّحِيمِ): بمعنى دائم الرحمة؛ لأن صيغة "فعيل" تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف.

فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة, أو أن الرحمن صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإحسان, والرحيم صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإحسان, وتعديهما إلى المنعم عليه.

- فلفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات, كما هو الشأن في أسماء الذات. قال -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5).

- أما وصف الرحيم فقد كثر استعماله وصفـًا فعليًا, وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال -تعالى-:{إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (البقرة:143) {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (الأحزاب:43).

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ): {الْحَمْدُ} هو: الثناء باللسان على الجميل الصادر عن اختيار من نعمة أو غيرها.

(رَبِّ الْعَالَمِينَ): أي مالكهم؛ إذ الرب مصدر "ربه يربه" إذا تعاهده بالتربية حتى يبلغ به شيئًا فشيئًا درجة الكمال, وهو اسم من أسماء الله -تعالى-, لا يطلق على غيره إلا مقيدًا, فيقال: "رب الدار" أي: صاحبها، والرب في كلام العرب له معانٍ ثلاثة: السيد, المطاع, والرجل المصلح للشيء, والمالك للشيء, فربنا -جل ثناؤه- السيد, المطاع في خلقه, والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه, والمالك الذي له الخلق والأمر.

- و(الْعَالَمِينَ): جمع عَالَم وهو كل موجود سوى الله, قال القرطبي: "وهو مأخوذ من العلم والعلامة؛ لأنه يدل على موجده".

- وافتتحت السورة بهذه الجملة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ لأنه -سبحانه- أول كل شيء, وآخر كل شيء, ولكي يعلمنا أن نبدأ كتبنا, وخطبنا بالحمد والثناء عليه, فالآية قررت ثبوت الثناء المطلق لله -تعالى-, وأنه ليس لأحد أن ينازعه إياه, وجملة الحمد لله مفيدة لقصر الحمد عليه نحو قولهم: الكرم في العرب.

- و"ال" في الحمد للاستغراق, أي: أن جميع أجناس الحمد ثابتة لله رب العالمين, وإنما كان الحمد مقصورًا في الحقيقة على الله؛ لأن كل ما يستحق أن يقابل بالثناء فهو صادر عنه, ومرجعه إليه, فهو الخالق لكل شيء, وما يقدم إلى بعض الناس من حمد جزاء إحسانهم فهو في الحقيقة حمد لله؛ لأنه -سبحانه- هو الذي وفقهم لذلك, وأعانهم عليه.

- ولم تفتتح السورة بصيغ الأمر بأن يقال: "احمدوا الله"؛ لأن الأمر يقتضي التكليف, والتكليف قد تنفر منه النفوس أحيانًا, فأراد -سبحانه- وهو يبادئهم بشرعة جديدة أن يؤنسهم, ويؤلف قلوبهم ترفقـًا بهم, حتى يديموا الإصغاء لما سيلقيه عليهم من التكليف.

(لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ): أجرى على لفظ الجلالة نعت الربوبية للعالمين؛ ليكون كالاستدلال على استحقاقه -تعالى- للحمد وحده, وفي ذلك إشعار لعباده بأنهم مكرمون من ربهم, فكأنه يقول لهم: اجعلوا حمدكم وثناءكم لي وحدي؛ لأني أنا رب العالمين, وأنا الذي تعهدتكم برعايتي وتربيتي منذ تكوينكم من الطين, حتى استويتم عقلاء مفكرين.

(رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ): أتبع هذا الوصف رب العالمين بوصف آخر وهو الرحمن الرحيم؛ لحكم سامية, منها أنه وصفه -تعالى- برب العالمين أي: مالكهم قد يثير في النفوس شيئًا من الخوف والرهبة, فإن المربي قد يكون خشنًا جبارًا, وذلك مما يخدش من جميل التربية, وينقص من فضل التعهد؛ لذا قرن كونه مربيًا بكونه الرحمن الرحيم؛ لينفي بذلك هذا الاحتمال, وليحرضهم على حمده وعبادته بقلوب مطمئنة, ونفوس مبتهجة, ودعوة لهم إلى أن يقيموا حياتهم على الرحمة والإحسان, لا على الجبروت والطغيان, فالراحمون يرحمهم الله.

(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ): والمالك وصف من المِلك بكسر الميم, بمعنى حيازة الشيء مع القدرة على التصرف فيه, واليوم المراد به يوم القيامة, والدين الجزاء والحساب، يقال: دنته بما صنع أي: جازيته على صنيعه, ومنه قولهم: "كما تدين تدان", أي: كما تفعل تجازى.

والمعنى أنه -تعالى- يتصرف في أمور يوم الدين من حساب, وثواب, وعقاب تصرف المالك فيما يملك, فكل شيء في ذلك اليوم يجري بأمره كما قال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (غافر:16), وتخصيص المُلك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه؛ لأنه تقدم الإخبار بأنه رب العالمين, وذلك عام في الدنيا والآخرة, وإنما أضيف إلى يوم الدين؛ لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئًا, وتسمية غيره في الدنيا بملِك فعلى سبيل المجاز؛ كما قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} (البقرة:247).

- المتدبر لهذه الآية الكريمة يراها خير وسيلة لتربية الإنسان, وغرس الإيمان العميق في قلبه؛ لأنه إذا آمن بأن هناك يومًا يظهر فيه إحسان المحسن, وإساءة المسيء, وأن زمام الحكم في ذلك اليوم لله الواحد القهار, فإنه في هذه الحالة سيقوى عنده خلق المراقبة لخالقه, ويجتهد في السير على الطريق المستقيم.

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ): الذي يجدر بنا أن نعبده, وأن نستعين به هو الله الذي تجلت أوصافه, ووضحت عظمته, وثبتت هيمنته على هذا الكون, وهذه العبادة الصحيحة تكون بتحقيق أمرين: إخلاصها لله, وموافقتها لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-.

قال ابن جرير -رحمه الله-: "لأن العبودية عند جميع العرب أصلها الذلة, والاستعانة: طلب المعونة من أجل الاقتدار على الشيء, والتمكن من فعله, والمعنى لك يا ربنا وحدك نخشع ونذل ونستكين, فقد توليتنا برعايتك, وغمرتنا برحمتك, فنحن نخصك بطلب الاستعانة على طاعتك, وعلى أمورنا كلها".

وقدم المعبود على العبادة فقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ لإفادة قصر العبادة عليه, وهو ما يقتضيه التوحيد الخالص.

وقال: {نَعْبُدُ} بنون الجماعة, ولم يقل: "أعبد"؛ ليدل على أن العبادة أحسن ما تكون في جماعة المؤمنين, وللإشعار بأن المؤمنين المخلصين يكونون في اتحادهم وإخائهم بحيث يقوم كل واحد منهم في الحديث عن شئونهم الظاهرة, وغير الظاهرة مقام جميعهم.

- وقدمت العبادة على الاستعانة؛ لكون الأولى وسيلة للثانية, وتقديم الوسائل سبب في تحصيل المطالب؛ وليدل على أنهم لا يستقلون بإقامة العبادات, بل إن عون الله هو الذي ييسر لهم أداءهم, ولم يذكر المستعان عليه من الأعمال؛ ليشمل كل ما تتجه إليه النفس من الأعمال الصالحة, وجاءت الآية بأسلوب الخطاب على طريقة الالتفات؛ تلوينًا لنظم الكلام من أسلوب إلى أسلوب؛ قال الزمخشري: "فإن قلتَ: لما عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؟ قلتُ: هذا يسمى الالتفات في علم البيان, وقد يكون من الغيبة إلى الخطاب, ومن الخطاب إلى الغيبة, ومن الغيبة إلى التكلم, وذلك على عادة العرب في افتنانهم في الكلام, وتصرفهم فيه, وذلك لتنشيط السامع, وإيقاظـًا للإصغاء".

قال بعض العلماء: الفاتحة سر القرآن, وسرها هذه الكلمات: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}, ففيها التبرؤ من الشرك, والتبرؤ من الحول والقوة, والتفويض إلى الله.

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ): بيَّن -عز وجل- أن أفضل شيء يطلبه العبد من ربه إنما هو هدايته إلى الطريق الذي يوصل إلى أسمى الغايات, وأعظم المقاصد.

(اهْدِنَا): الهداية هي الإرشاد والدلالة في لطف على ما يوصل إلى البغية, وتسند إلى الله, وإلى النبي -صلى الله عليه وسلم-, وإلى القرآن: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} (فصلت:17) أي بيَّنا لهم طريق الخير.

وتأتي بمعنى الإلهام: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى . قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه:49-50).

وتأتي بمعنى الدعاء: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (الرعد:7)، أي: داعٍ. {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الشورى:52).

(الصِّرَاطَ): الجادة والطريق من سرط الشيء إذا ابتلعه, وسمي الطريق بذلك؛ لأنه يبتلع المارين فيه.

(الْمُسْتَقِيمَ): المعتدل الذي لا اعوجاج فيه.

(أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ): النعمة لين العيش, ونعم الله كثيرة لا تحصى.

(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ): الغضب هيجان النفس وثورتها عند الميل للانتقام, وهذا لا يليق بالله، فهو -الغضب- صفة لائقة بجلاله, لا نعلم حقيقتها, وإنما نعرف أثرها.

والمعنى: اهدنا يا رب إلى طريقك المستقيم الذي يوصلنا إلى سعادة الدنيا والآخرة, ويجعلنا مع الذين أنعمت عليهم من خلقك, وجنبنا طريق الذين غضبت عليهم من الأمم السابقة, أو الأجيال اللاحقة؛ بسبب سوء أعمالهم, وفي هذا الدعاء أسمى أنواع الأدب؛ لأن هذا الدعاء قد تضرع به المؤمنون إلى خالقهم بعد أن اعترفوا له -سبحانه- قبل ذلك بأنه هو المستحق لجميع المحامد, وأنه رب العالمين, والمتصرف في أحوالهم يوم الدين.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "وهذا أكمل أحوال السائلين أن يمدح مسئوله, ثم يسأل حاجته, وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}, لأنه أنجح للحاجة, وأنجع للإجابة, ولهذا أرشدنا الله إليه؛ لأنه الأكمل".

ولم يقل: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم مستغنيًا عن ذكر الصراط؛ ليدل على أن صراط هؤلاء المنعم عليهم هو الصراط المستقيم.

وقوله: (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ): أتى في وصف الإنعام بالفعل المسند إلى الله, وفي وصف الغضب باسم المفعول: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } وفي ذلك تعليم لأدب جميل, وهو أن يسند أفعال الإحسان إلى الله, ويتحاشى أن يسند إليه أفعال العقاب والابتلاء, وإن كان كل من الإحسان والعقاب صادرًا منه, ومن شواهد ذلك: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} (الجن:10).

بحـہة بكـى. 5 - 8 - 2014 04:31 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
روائع من الإعجاز البياني في القرآن
الدكتور عبد الرحيم الشريف

يتناول الباحث بعض الروائع من الإعجاز البياني في القرآن الكريم بما يدهش العقول...
مقدمة
ما أشبه الليلة بالبارحة.. الكفار هم الكفار في كل عصر ومصر ، قال تعالى :
" وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ "
كان زعماء الكفار يدركون أثر القرآن في النفوس، ويخافون إيمان الناس به إذا استمعوا له ، وفتحوا قلوبهم لأنواره ولهذا كانوا يوصون أتباعهم بعدم الاستماع له وعدم الجلوس مع الرسول صلى الله عليه وسلم ويوصون القادمين إلى مكة في موسم الحج بعدم السماع من الرسول صلى الله عليه وسلم ويخوفونهم منه ويزعمون لهم أنه ساحر يفرق بين المرء وزوجه. وقصة الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه خير شاهد على ذلك.
تواصوا بذلك وهم يوقنون أنهم لن يغلبوا القرآن لأن سلطانه أقوى من كل مخططاتهم ضده وأنهم هم المغلوبون أمامه.
وقارن ذلك برجاء غير المسلمين في هذا النادي وتوسلهم للمسلمين بألا يناقشوهم في إعجاز القرآن الكريم وهروبهم بعد أول نقاش يحترم العقل.
وانظر معي مُحللا طلبهم الغريب التالي الذي وصفه القرآن الكريم :
" وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ".
ودقق في قول النضر بن الحارث المشار إليه في الآية الكريمة :
" وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ".
كم شخصا في زمننا مثل النضر بن الحارث .. فإن كان النضر بن الحارث لم يضر القرآن الكريم قيد أنملة ، فمَن دونه في الفصاحة والبلاغة من باب أولى .
وينبغي الإشارة هنا إلى أن ما نُسب إلى مسيلمة من عبارات ركيكة فإنها بحسب غلبة الظن لم تصدر عنه ، فهو أفصح بيانا من أن يقول كلاما سمِجا كالذي نُقِل عنه، وهو أعقل من أن يحاول معارضة القرآن لعلمه بعجزه أمامه.
فالصحيح الراجح أن ما نقل من أخبار في ذلك كان مصدره بعض الإخباريين والقصاص المسلمين الذين أوردوها ليسخروا منه ويستهزئوا به وصاروا يوردونها على سبيل التفكه والتندر ليس إلا.. والله أعلم.
نبدأ باسم الله..
* زيادة حرف (لا)
زيادة ( لا ) عند قوله تعالى في قصة خلق سيدنا آدم عليه السلام في سورة الأعراف
"قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ(12) "
ولكنه لم يُثبتها في سورة ( ص ) : " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ(75) ".
إن السؤال في سورة ( ص ) عن المانع لإبليس من السجود .. أي: لماذا لم تسجد ؟ هل كنت متكبراً أم متعالياً ؟ ( ذكرت الآية الكريمة سببان قد يكونان مانعين للسجود : الاستكبار والاستعلاء )
أما السؤال في سورة الأعراف فإنه عن شيء آخر.. ويكون معنى السؤال: ما الذي دعاك إلى ألا تسجد ؟
والدليل على ذلك وجود ( لا ) النافية في الآية التي تدل على وجود فعل محذوف تقديره: أَلجأك ، أحوَجَك..
فالسؤال هنا عن الدافع له لعدم السجود ، وليس عن المانع له من السجود.
والجمع بينهما أن السؤال جاء على مرحليتين:
الأولى: السبب المانع من السجود .. وامتناع إبليس عن السجود قاده إلى عدم السجود.
الثانية: السؤال عن السبب الحامل له على عدم السجود بعد أن أمره بذلك.
والحكمة من السؤال الثاني هو أنه من الممكن عقلا أن يكون هنالك سببان: سبب يمنع عن فعل شيء، وسبب يحمل على ترك شيء.
فقولك لأحدهم: لماذا لم تفعل كذا ؟ يختلف عن سؤالك للآخر: ما الذي حملك على ترك كذا ؟
* الفرق في التعبير
الفرق في التعبير في زوجة سيدنا زكريا عليه السلام فمرة يقول امرأة.. كما في سورة مريم: " وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا(5) " وفي آل عمران :
" قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ(40) "
ولكنه عبّر عنها بالزوجة في سورة الأنبياء:
" وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ(89)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ.. ".
لفظ امرأة يُطلق على المتزوجة وغير المتزوجة.. ولما كانت الحياة الزوجية غير كاملة في أتم صورها وحالاتها لكونها عاقرا أطلق عليها القرآن ( امرأة )
وبعدما زال المانع وأصلحها الله فحملت ... عندها تحققت الزوجية الكاملة على أتم صورها.
الدقة المعجزة في التعبير القرآني
والأمثلة على ذلك بالمئات تجدها في كل مقطع من مقاطع سور القرآن الكريم وإليكم مثالا على ذلك..
قال تعالى : " مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(41) ".
لماذا لم يقل: أوهن الخيوط خيط العنكبوت ؟؟
فلو كان القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم لقال ذلك .. ولكن هذا يخالف الحقيقة العلمية الثابتة بأن خيط العنكبوت أقوى من مثيله من الفولاذ.
فكان التعبير الدقيق: " أَوْهَنَ الْبُيُوتِ ".
* حكمة تنكير " أحد " وتعريف " الصمد "
قال تعالى: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4) ".
حكمة تنكير " أحد " أنها مسبوقة بكلمتين معرفتين " هو الله " وهما مبتدأ وخبر.. وبما أن المبتدأ والخبر معرفتان ودلالتهما على الحصر .. فقد استغني بتعريفهما ودلالتهما على الحصر عن تعريف " أحد ".
فجاء لفظ " أحد " نكرة على أصله .. لأن الأصل في الكلمة هو التنكير.. فهو نكرة ( وإعرابه خبر ثان ).
كما أن لفظ " أحد " جاء على التنكير للتعظيم والتفخيم والتشريف وللإشارة إلى أن الله تعالى فرد أحد لا يمكن تعريف كيفيته ولا الإحاطة به سبحانه وتعالى.
أما " الصمد " فقد جاء معرفة في الآية الثانية لأن " الله الصمد " مبتدأ وخبر.. وجاءا معرفتين ليطابقا " هو الله " في الآية الأولى .. وقد جاء تعريف " الله الصمد " ليدل على الحصر أيضاً .
فقوله " هو الله أحد " يدل على الحصر لتعريف المبتدأ والخبر(الأحدية محصورة بالله ).
وقوله " الله الصمد " يدل على الحصر أيضا لتعريف المبتدأ والخبر ( والصمدانية محصورة بالله ).
* ( سلام ) على يحيى و ( السلام ) على عيسى عليهما الصلاة والسلام..
قال تعالى في سورة مريم :
" يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا(12)وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا(13)وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا(14)وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا(15) ".
وقال تعالى عن سيدنا عيسى عليه السلام :
" قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30)وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31)وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(32)وَالسَّلَامُ عَليَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا(33) ".
وحكمة مجيء ( سلام ) نكرة في سياق قصة سيدنا يحيى علية السلام : أن ذلك جاء في سياق تعداد نعم الله تعالى على سيدنا عيسى وإخبار من الله جل جلاله بأنه قد منح سيدنا يحيى ( سلاما ) كريما في مواطن ثلاثة: يوم ولادته، ويوم موته ، ويوم بعثه حيا في الآخرة .
أما ( السلام ) في قصة سيدنا عيسى عليه السلام جاء معرفة : لأن لفظ ( السلام ) هو كلام من سيدنا عيسى حيث دعا ربه أن يمنحه السلام في ثلاثة مواطن : يوم ولادته ، ويوم موته ، ويوم بعثه حيا في الآخرة.
فبما أن سيدنا عيسى هو الذي دعا ، فمن المؤكد أنه سيُلح في الدعاء كما هي السُنة فيطلب المعالي.. فلذلك عرّف السلام دلالة على أنه يريد السلام الكثير العام الشامل الغزير.
وهنا إشارة إلى أن السلام الذي حصل عليه سيدنا عيسى كان أخص من السلام الذي حصل عليه سيدنا يحيى ، وأن سيدنا عيسى أفضل من سيدنا يحيى فهو من أولي العزم صلى الله عليهما وسلم .
* دلالة تكرار الاسم في نفس الموضع
عندما يكون الاسمان المكرران معرفتين.. دل على أن الأول هو نفس الثاني غالبا ليدل على المعهود.
مثال ذلك قوله تعالى في سورة الفاتحة: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ .. ".
فالصراط في المَوضع الأول معرفة بأل.. وبالثاني معرفة بالإضافة ..
والمراد بالاسم الأول الاسم الثاني.. فصراط الذين أنعم الله عليهم هو نفس الصراط المستقيم.
وانظر: الصافات 158 ، والزمر2-3 ، وغافر 9.
أما إذا كان الاسمان المكرران نكرة .. فإن الأول غير الثاني غالبا لأن تكرار النكرة يدل على تعددها.. فالنكرة الأولى غير النكرة الثانية.
مثال ذلك قوله تعالى في سورة سبأ:
" وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ... ".
فالشهر الثاني غير الشهر الأول.. ويكون المجموع شهران.
كل هذا مقدمة لتوضيح الإعجاز البياني في سورة الشرح عند تفسير قوله تعالى :
" فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5)إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(6) ".
" العُسر " مكرر وهو عسر واحد ( العسر الأول هو العسر الثاني فكلاهما معرفة ).
" يُسر " مكرر ولكنهما يسران ( اليسر الأول غير اليسر الثاني فكلاهما نكرة ).
إن السورة الكريمة تأتي في سياق يتحدث عن تبشير أصحاب الابتلاء والمحنة والضيق والعسر.. بأن ذلك كله سيزول .. وسيحل اليسر مكانه مضاعفا..
إن مقصد هذه السورة بعث الأمل في صدر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه من الدعاة المبتلين وتخفيفا عنهم وبعث الأمل في نفوسهم.
ولذلك جاءت نسبة العسر إلى اليسر واحد إلى اثنين ( 2:1 ) حتى ينتظر المسلم المبتلى اليسرَ بأمل عريض وصبر جميل.
وقد ورد في الأثر " لن يغلب عسر يسرين ".
قال الشاعر العتبي:
ألا يا أيها المرء الذي الهم به برح
إذا اشتدت بك البلوى ففكر في " ألم نشرح "
فعسر بين يسرين إذا أبصرته فافرح
وهذا دليل على فهم العرب للإعجاز البياني في القرآن الكريم على السليقة.
* " تستطع " و " تسطع " ، " اسطاعوا " و " استطاعوا "
ذكر الله تعالى في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر في سورة الكهف ثلاثة أحداث أثارت اعتراض سيدنا موسى وهي خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار بدون أجر.. وقبل أن يفارق الخضر سيدنا موسى ذكر له الحكمة من الثلاثة أفعال... ولكنه قبل أن يؤوِّل سببها قال له:
" هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(78)".
وبعدما أول لسيدنا موسى الأحداث قال له: " ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(82) "
أثبت الفاء في " تستطع" وحذفها في " تسطع " فما الحكمة من ذلك ؟؟
لقد راعى السياق القرآني الحالة النفسية لسيدنا موسى عليه السلام قبل أن يعرف تأويل سبب تلك الأفعال التي أنكرها فناسَب إظهار التاء في " تستطع " لبيان ثقل هذا الأمر عليه بسبب الهم والفكر الحائر. فصار بناء الفعل ثقيلا ( خمسة أحرف ) فناسب ثقل الهم ثقل بناء الفعل.
وحذف التاء من كلمة " تسطع " مما جعل بناء الفعل مخففا ( أربعة أحرف) وهذا التخفيف مناسب للتخفيف في مشاعر سيدنا موسى بعد أن علم الحكمة من أفعال الخضر فارتاحت نفسه وزال ثقلها.
ومثل ذلك في نفس السورة الكريمة عند الحديث عن سد ذي القرنين الذي بناه ليمنع خروج يأجوج ومأجوج قال تعالى:
" فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا(97) ".
معنى يظهروه: يتسلقوه .... ومعنى نقباً : نقضه بالحفر.
حذفت التاء في " فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ " لأن المعنى هو عدم استطاعتهم تسلق السد لكونه أملسا وخاليا من أي نتوء يمكن الإمساك به.
وبما أن التسلق يحتاج خفة ورشاقة ومهارة ... وكلما كان الشخص أخف كان تسلقه أسهل.. جاء تخفيف بناء الفعل كأنه يشارك المتسلق في تحمل بعض أحماله.
أما " ومَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا " أثبت التاء لأن ثقب الجدار يحتاج معدات ثقيلة فكلما كانت المعدات أثقل كان النقب في السد أيسر.. وكذلك لأن النقب يحتاج إلى جهد عضلي أكبر.
وهنالك قاعدة بلاغية تقول" الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى".
* " نبغِ" و " نبغي ":
قال تعالى في سورة يوسف:
" وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ(65)".
ولكنه قال في سورة الكهف:
" قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا(63)قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى ءَاثَارِهِمَا قَصَصًا(64)فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا(65)".فما الحكمة من إثبات ياء نبغي في سورة يوسف وحذفها في سورة الكهف ؟؟
في سورة يوسف جاء إثباتها على الأصل.. وذلك لبيان أن ذلك هو غاية ما يريدونه ويطلبونه.. فالطعام الذي أحضروه من مصر هو المُراد لذاته... كمال تمام الحرف ناسب كمال تمام الغاية.
( ما ) هنا استفهامية ... و ( ما ) في سورة الكهف اسم موصول.
أما في سورة الكهف فلم يكن فقدان الحوت هو الغاية والهدف الرئيس ، لأن غايته هي الالتقاء بالخضر فكان الفقدان وسيلة وليس غاية... فناسب نقصان تمام الحرف نقصان تمام الغاية.
* " تفرقوا " و " تتفرقوا "
قال تعالى في سورة آل عمران:
" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..".
ولكن في سورة الشورى:
" شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ...".
والسبب في ذلك أن الخطاب في سورة آل عمران للأمة المسلمة وهي أمة واحدة فناسب أن يكون الفعل بتاء واحدة.
بينما السياق في سورة الشورى عن الإخبار بما وصى به الله تعالى الأمم السابقة التي بعث الله فيها باقي أولي العزم من الرسل وهي أمم عديدة مختلفة بينها أعوام طويلة جدا.
فناسب تعدد التاءات في الفعل تنوع الأقوام وطول الزمان التي عاشته مجموع هذه الأمم زيادة حرف آخر له.
ومن حكمة ذلك أيضا أن الأمة الإسلامية منهية عن أدنى اختلاف قلت نسبته لأن ذلك يوهنها فدل على تحريم أي شيء من الاختلاف مهما قل.
ولكن هذا المعنى غير مراد في الأمم الأخرى لأنها انتهت.. فلم يحذف من فعلها شيء فبقي على حاله.
حكمة أخرى: سورة الشورى ذكر فيها الفعل مرتين مرة بصيغة المضارع ومرة بصيغة الماضي : " وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .... وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ".
أما في سياق آيات سورة آل عمران فقد ذكرت مرة واحدة فقط ولذلك جاء الفعل بتاء واحدة.
وهكذا هو السياق القرآني المعجز.. يختار الحروف التي تتوافق مع السياق وتتناسب مع المعنى والصياغة ، فقد تقل الحروف في اللفظ وقد تزيد .. ويُحذف الحرف حذفا مقصودا ويُثبت كذلك.. لخدمة بيان المعنى المراد في أروع صورة بلاغية.
وهنا لا مجال للحديث بأن السبب في ذلك هو مراعاة الفاصلة فقط..
بل كل شيء يتم بأعلى درجات الدقة والتوازن...
دقة عجزت عقول البشر عن اختراع شبيه لها
وسبحان الله منزل القرآن
* " يشاق الله " و " يشاقق الله ورسوله " :
تحدث القرآن الكريم عن معاداة الكافرين لله ولرسوله .. ولكنه عبر عن ذلك بتعبيرين متفاوتين:
ففي سورة الأنفال قال تعالى :
" وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(13) ".
ولكنه قال في سورة الحشر :
" وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(4) ".
الفرق في التعبير بين الآيتين في : ذكر كلمة " رسوله ".
لبيان سبب ذلك نرجع إلى سياق الآيتين الكريمتين.. فآية الأنفال تتحدث عن المشركين وعداوتهم عداوة واضحة مكشوفة للنبوة والرسالة.. لكونهم أنكروا نبيا من البشر يرسل إليهم.. ولأنهم أنكروا كون محمد صلى الله عليه وسلم يتيما فقيرا فهم يريدون رجلا غنيا .
فهنالك عداوة مزدوجة لله ولسيدنا محمد بشخصه صلى الله عليه وسلم.
ولسان حالهم يقول : لو أرسل الله رسولا وفق الشروط الخاصة التي نضعها للرسول لآمنا به.
أما الكلام في سورة الحشر فهو عن اليهود الذين يحاربون الإسلام مهما كان النبي المرسل إليهم.
فهم حاربوا الإسلام الذي جاء به الأنبياء منذ عهد سيدنا موسى عليه السلام مرورا بسيدنا عيسى عليه السلام وانتهاء بالرسول الخاتم محمد عليه السلام.
فهم يعادون النبي لا لشخصه بل لوظيفته ... فمهما كان النبي فاليهود له مشاقون..
وسبب آخر: أن سياق آية الأنفال يتحدث عن غزوة بدر الكبرى التي كان فيها قتال وتماس مباشر بين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. ولهذا كان شقاق الرسول واضحا.
بينما سياق سورة الحشر في غزوة بني النضير التي لم يحدث فيها قتال مباشر بل كان حصارا لديارهم ثم استسلامهم.
* ذكر " والمؤمنون " وحذفها :
وردت آيتان كريمتان تتحدثان عن أمر واحد في سورة واحدة ... ومع ذلك اختلف التعبير في كل منها :
أخبر الله تعالى بأنه سيرى العمل هو ورسوله في قوله تعالى في سورة التوبة :
" وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(94) ".
وأخبر في آية تالية في نفس السورة بأنه سيرى عملهم هو ورسوله والمؤمنون وذلك في قوله تعالى:
" وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(105) ".
الآية الأولى كانت في سياق الحديث عن المنافقين ... وهم كفار اتخذوا وسيلة إظهار الإسلام وإبطان الكفر محاولة يائسة لنقض الإسلام من داخله ... أما الثانية فقد جاءت في سياق الحديث عن المؤمنين الصالحين ودعوتهم إلى العمل الصالح وخاصة دفع الزكاة.
جاء حذف كلمة " والمؤمنون " في سياق الآية الأولى لأن الكلام فيها عن المنافقين ... ولطبيعة النفاق فإن المسلمين لا يعلمون ما يخفي المنافق في قلبه، لأنهم لا يعلمون الغيب.
والله تبارك وتعالى عالم السر وأخفى أخبر سيدنا محمدا بأسمائهم كلهم .
هم قدموا أعذارهم المقبولة ظاهريا أمام المسلمين ولكن الله ورسوله يعلمان كذبها ، لكن باقي المؤمنين لا يعلمون ذلك .
أما في الآية الثاني فهي في سياق الحديث عن أعمال المسلمين الظاهرة المكشوفة من صلاة وزكاة ... يراها إخوانهم المسلمون ويطلعون عليها .
وهناك قضية أخرى وهي سر التعبير ب ( ثم ) في الآية الأولى والتعبير بالواو في الآية الثانية.
بيَّن ذلك الكرماني بقوله : " الآية الأولى في المنافقين ولا يطلع على ضمائرهم إلا الله ثم رسوله بإطلاع الله إياه... والثانية في المؤمنين وطاعات المؤمنين وعاداتهم الظاهرة لله ولرسوله وللمؤمنين.....
وختم آية المنافقين بقوله " ثم تردون " فقطعه عن الأول لأنه وعيد ......
وختم آية المؤمنين بقوله " وستردون " لأنه وعد ... فبناه على قوله " فسيرى الله عملكم "..."
وفي اختلاف التعبير دلالة أيضا على استعجال الوعد وعدم استعجال الوعيد :
وعدُ الله للمؤمنين بقبول أعمالهم مباشرة ... فالصدقة تقع في يد الله تعالى قبل وقوعها في يد الفقير... وفي ذلك إشارة إلى عاجل بشرى المؤمن.
ووعيد الكفار بفضحهم وتعذيبهم في نار جهنم .. إن لم يتوبوا :
( ثم ) تفيد الترتيب مع التراخي.. وهي تحمل معنى إمهالهم وعدم التعجيل بعذابهم لفتح باب التوبة لهم ليعودوا ...وإلافلا يظنون إن طال بهم الأمد أن الله راضٍ عنهم أو نسيهم .... إن الله يمهل ولا يهمل... فإن لم ينالوا عذابهم في الدنيا ... فعذاب الآخرة أشد .فهل أحلم من الله على عباده ..
* نكرة مكررة ثلاث مرات في آية واحدة :
قال تعالى في سورة الروم:
" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ(54) ".
يجب التذكير بالقاعدة البيانية: أن النكرة إذا تكررت فإنها في كل مرة تفيد معنى جديداً.
( ضعف ) نكرة تكرارها في نفس الموضع يفيد أن الضعف الأول غير الثاني وغير الثالث.
المراد بالضعف الأول: النطفة ( ضعيفة فهي ماء مهين ).
والضعف الثاني: الطفولة ( لأنه بحاجة إلى رعاية أمه في مرحلة الرضاع وعناية خاصة حتى يجتاز مرحلة المراهقة ويصل البلوغ ).
والضعف الثالث: الشيخوخة ( لأنه يعود في مرحلة الشيخوخة ضعيفا عاجزا.. ضعيف الفكر.. ضعيف الحركة والسعي والنشاط ).
واللطيف في الآية أن ( قوة ) وردت نكرة وكررت مرتين.
إذاً.. القوة غير القوة .
القوة الأولى: قوة فترة الصبا ( الصبي قوي مندفع كثير الحركة ).
القوة الثانية: قوة الشباب ( قوة الجسم والمشاعر والأحاسيس والهمة والعزيمة والانطلاق في الفكر والأحلام والطموح ).
" ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا "
القوة الأولى تقود إلى القوة الثانية.
هذه الآية الكريمة تلخص حياة الإنسان على الأرض وأنها تقوم على خمس مراحل:
1.الضعف : وهو جنين في بطن أمه .
2.الضعف : وهو رضيع في حضن أمه .
3.القوة : وهو صبي مندفع .
4.القوة : وهو شاب نشيط فاعل .
5.الضعف : وهو شيخ عجوز هرم ..
هنا روعة الإعجاز البياني القرآني .. التعبير الحق البليغ .. عن أدق التفاصيل .. بأقل عدد من الكلمات.. في نظم محكم بديع.. دون أن يخل بالسياق ... في جرْس موسيقي يأخذ بالألباب .
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا
* قدّم المفعول به في " إياك نعبد وإياك نستعين " ولم يقدمه في " اهدنا الصراط المستقيم " وذلك في سورة الفاتحة:
إياك : ضمير منفصل ( مفعول به ) مقدم على فعليه : نعبد ، نستعين .
اهدنا : نا ( مفعول به أول ) والصراط مفعول به ثان .
فلماذا لم يقدم هذا المفعول به فيصير : إيانا اهد . كما قال قبلها إياك نعبد ؟؟
سبب تقديمه في الأولى هو الاختصاص فالعبادة لا تكون إلا لله ومن عبد غير الله واستعان بغيره فقد كفر..
ومن هنا تظهر حكمة التقديم لغرض إيماني من خلال هذا الأسلوب البلاغي.
وذلك مثل قوله تعالى: " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " .
أما عدم تقديمه في " اهدنا الصراط المستقيم " لأن طلب الاختصاص في الهداية لا يصح فالله يهدي من يشاء.. وهم كثيرون.
فيجوز لك أن تقول : اللهم اهدني وارزقني .... أي جعلني في زمرة من كتبت لهم الهداية والرزق.
ولا يجوز لك أن تقول : إياي اهد ، إياي ارزق ... بمعنى اللهم اهدني وحدي وارزقني وحدي. فالمسلم ليس أنانياً.
* تقديم " لا فيها غول "
قال تعالى في وصف خمر الجنة التي أعدها لعباده المؤمنين:
" يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ(45)بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ(46)لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ(47) ".الصافات
هذه الخمر ليس فيها غَول (الكحول).. فهي لا تغتال عقولهم بسبب ما تسببه من سكرٍ وصداع وفقدان للعقل والاتزان.
أي منزوع عنها ما يسبب الإسكار (الغَول).
وتقديم " لا فيها غول " للاختصاص.. أي أن خمر الجنة لا تغتال عقول المؤمنين وإنما هي شراب لذيذ.. فإن كانت خمر الدنيا تغتال عقول شاربيها.. فإن خمر الجنة اختصت بعدم ذلك. كما أن هذا التقديم في سياق النفي يدل على تفضيل خمر الجنة على خمر الدنيا.
تقديم القتل على الموت وعكسه في نفس الموضع:
من روائع التقديم والتأخير في بيان القرآن الكريم المعجز ورود آيتين متتابعتين قدم اللفظ في الأولى وأخر اللفظ نفسه في الثانية:
قال تعالى في سورة آل عمران:
" وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(157)وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ
(158) ".
الآيات الكريمة في سياق غزوة أحد .. والتي كان فيها من الشهداء ما هو معلوم .. وبما أن الموت في سبيل الله هو أشرف موت وأعظمه أجرا عند الله.. قدم القتل على الموت.
وهذا غير مُراد الآية الثانية التي تتحدث عن سنة الله على جميع الناس بالموت.
وبما أن الموت على الفراش هو الأعم والأغلب فمعظم الناس يموتون ميتة طبيعية قدم الموت.
والدليل على أن المقصود في الثانية هو بيان سنة الله في الناس كافة هو عدم اقتران القتل فيها بعبارة " في سبيل الله " التي اقترنت بها في الآية الأولى.
وشتان بين قتل الشهيد وقتل الإنسان العادي
فالشهيد ينال رحمة من الله ومغفرة لذنوبه كما هي عقيدة المسلمين وهذا ما أكدته الآية الأولى. وهذا ليس إلا للمسلمين...
وبما أن القتل بشكل عام ( للمسلمين وغيرهم ) يكون فيه ظالم ومظلوم ... يجب أن يكون هنالك حكم عدل يفصل بينهم ....فمتى يُنتصف للمظلوم
يُنتصف له يوم القيامة ... حيث يُحشر الجميع بين يدي الله ... الظالم والمظلوم..
فقد يكون القاتل هو المظلوم .. والمقتول هو الظالم ...
ولهذا جاء التعبير الإعجازي في الآية الثانية
" لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ".

بحـہة بكـى. 5 - 8 - 2014 04:33 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
كيف نقرأ سورة الفاتحة؟
الأجيال العربيّة النّاشئة، وكما يبرز من خلال دراسات متعدّدة في العقود الأخيرة، تواجه مشكلة كبيرة في فهم المقروء. هذه المشكلة تزداد عواصةً مع تسارع تدفّق المعاني المُستَحدَثة على اللّغة العربيّة من جهة، ومع انعدام خزن هذه المعاني والدّلالات في معاجم دقيقة تكون مُتاحَةً لكلّ طالب علم. وإذا كانت هذه هي حال الأجيال النّاشئة مع معرفة اللّغة العربيّة المعاصرة، مع فهمها ومع مساءلتها، فكم بالحريّ في كلّ ما يتعلّق بحال هذه الأجيال مع معرفة اللّغة التّراثيّة، ناهيك عن فهمها ومساءلتها.


تأخذ هذه المسألة بُعدًا آخر في حال كون النّصّ المراد فَهْمُه مُتّسمًا بالقداسة في عرف مَنْ يؤمن بقداسة النّصّ. ففي حال كهذه تصبح مساءلة النّصّ مهمّة غير سهلة بالمرّة، نظرًا لذلك الجانب العاطفي الّذي يخيّم على ذهن القارئ المؤمن ناصبًا فوقه ستارًا من الرّهبة يحدّ من إمكانيّة سبر أغوار النّصّ.

سأقوم في هذه المقالة بقراءة اختباريّة تشكّل نموذجًا يُحْتَذَى لقراءات من هذا النّوع يمكن أن يقوم بها كلّ قارئ آخر إذا وجد في نفسه رغبة بذلك. ومن خلال هذه القراءة سأعرضُ بعض ما يمكن أن يتوصّل إليه الباحث عن الحقيقة من خلال قراءة لأحد أهمّ النّصوص المؤَسِّسَة للحضارة العربيّة الإسلاميّة على الإطلاق. والنّص الّذي أعنيه هو سورة الفاتحة في القرآن الكريم.
***
بادئ ذي بدء، ها هو نصّ السّورة في القرآن المتداول في العالمين العربي والإسلامي:
"بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمدُ لله ربّ العالمين، الرّحمن الرّحيم، مالك يوم الدّين، إيّاك تعبدُ وإيّاك نستعين، اهدنا الصّراطَ المستقيم، صراطَ الّذين أنعمتَ عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين".
وقبل الدّخول في صلب الموضوع نقول، إنّ المشهور هو كون هذه السّورة قد نزلت بمكّة، غير أنّ ثمّة روايات أخرى تقول بأنّها نزلت في المدينة، كما أنّ هنالك روايات تقول إنها نزلت مرّتين، مرّة في مكّة ومرّة في المدينة. يذكر السيوطي: "وأخرج وكيع في تفسيره عن مجاهد قال: نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة. وأخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف عن قتادة قال: نزلت فاتحة الكتاب بمكة." (السيوطي، الدر المنثور).

فأمّا من حيث الأهميّة المعزوّة لهذا النّصّ، فهنالك إجماع بين فقهاء المسلمين على مدى أهميّة سورة الفاتحة، إذ أنّ المسلم يقوم بترديد هذه السّورة سبع عشر مرّة في اليوم على الأقلّ. ناهيك عن أنّ الصّلاة بدون ترديد سورة الفاتحة تُعتبر باطلة لاغية. إنّ كثرة الأسماء الّتي تُطلق على هذه السّورة خير شاهد على أهميّتها، ومن بين هذه الأسماء: أمّ الكتاب، وأمّ القرآن، والكافية، والشّافية، والحمد، والصّلاة، والشّكر وغيرها، غير أنّ الفاتحة هو الاسم الأشهر لهذه السّورة لانّ القرآن يفتتح بها.

لقد لخّص سيّد قطب نظرته تجاه سورة الفاتحة قائلاً: "إنّ في هذه السورة من كلّيات العقيدة الإسلامية، وكلّيات التصوّر الإسلامي، وكليات المشاعر والتوجيهات، ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة، وحكمة بطلان كُلّ صلاة لا تُذكر فيها"، (سيّد قطب، في ظلال القرآن).

إنّ هذا التّصوّر الّذي يعرضه سيّد قطب يستند إلى أحاديث وروايات قد أجمع عليها المسلمون على جميع مذاهبهم وعلى مرّ العصور. فقد أخرج البخاري في صحيحه أنّ النّبي ص قال لأبي سعيد بن المعلَّى:"لأُعَلّمَنّك سورةً هي أعظمُ السور في القرآن: الحمد لله ربّ العالمين، هي السّبعُ المَثاني وَالقُرآنُ العظيم الذي أُوتيتُه". كما روي عن أبي هريرة الحديث النّبوي: مَنْ صلّى صلاةً لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج..." (صحيح مسلم، سنن البيهقي، سنن أبي داود)، أو الحديث النّبوي الذي يقول: "لا صَلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (سنن التّرمذي).

إذن، وبالاستناد إلى ما روى لنا السّلف، ما من شكّ في أنّ هذه السّورة هي ذات مكانة خاصّة وجوهريّة في المنظور الإسلامي. ولهذا السّبب أيضًا فإنّ قراءة متأنّية للسّورة وللقضايا الّتي قد تطرحها من شأنها أن تلقي أضواء كاشفة على جوانب خافية عن أبصار العامّة، كما من شأن قراءة كهذه أن تثير أسئلة تُفضي إلى إجابات قد يكون العامّة من المؤمنين بحاجة إليها من أجل توسيع رقعة معارفهم بمعتقداتهم هم. إنّ توسيع رقعة المعارف من شأنها أن تفكّ أسر المؤمنين من قيود العاطفة الّتي طالما شكّلت كابتًا لأفكارهم، كاتمًا لعقولهم، ومن شأن قراءة كهذه أن تفتح مصاريع جديدة على قراءات أخرى لمجمل النّصوص التّراثيّة ممّا يزيدها غنى ويزيد المؤمن بها معرفة تتّسع بها آفاقه.
***
والأسئلة الّتي تعلو من قراءة سورة الفاتحة يمكن تقسيمها إلى عدّة مجالات:
أوّلاً:نهائيّة النّصّ.
ثانيًا: المجال اللّغوي
ثالثًا: المجال المفاهيمي، أو تفسير النّصّ.
أوّلاً: نهائيّة النّصّ

هنالك إجماع بين علماء المسلمين، من سنّة وشيعة، على أنّ النّصّ القرآني، كما هو بين أيدينا، هو النّصّ الإلهي النّهائي الّذي أُنزل على محمّد عبر الملاك جبريل، وأنّ من يقول بغير ذلك فلا يُعبأ برأيه. ويستندون في ذلك إلى آيات قرآنيّة، مثل: "إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون" (سورة التوبة).

في هذا السّياق يورد السيّد علي الحسيني الميلاني رواية لتعزيز موقف انتفاء التّحريف عن القرآن: "وكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يعلّم الناس القرآن...فكان كلّما نزل عليه الوحي حفظ الآية الكريمة أو السورة المباركة، وأمرَ الكُتّاب بكتابتها ثمّ أبلغها الناس، وأقرأها القرّاء واستحفظهم إيّاها...وهكذا كانت الآيات تحفظ بألفاظها ومعانيها." (الميلاني، التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف، المقدّمة). كما يورد الميلاني، نقلاً عن كتاب الوافية في الأصول، قول العلاّمة التّوني بخصوص النّصّ القرآني: "والمشهورُ أنّه محفوظٌ ومضبوطٌ كما أُنزل، لم يتبّدلْ ولم يتغيّر". ثمّ يضيف الميلاني: "ولو أردنا أن ننقل كلمات هؤلاء الأعاظم من علماء الشيعة في هذا المضمار لطال بنا المقام ، فمثلاً يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: "وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه... وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم. ومن ذهبَ منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى موجود نقصٍ فيه أو تحريف فهو مخطئ يردّه نصّ الكتاب العظيم "إنّا نحنُ نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون"، (الميلاني، التّحقيق في نفي التّحريف).

ومن بين الآيات الّتي يوردونها لنفي التّحريف يذكرون الآية الّتي تنصّ على أنّ القرآن "لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه" (سورة فصّلت 42). وكما يذكر الطبري في تفسيره لهذه الآية:" لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده، وتبديل شيء من معانيه عمّا هو به. أو كما يضيف القرطبي في تفسيره: "لا يستطيع أن يُغيّر ولا يزيد ولا ينقص". وها هو ابن بابويه، من القرن الرّابع الهجري، يقول أيضًا في كتابه معاني الأخبار: "أجمعت الفرقُ على أنّ القرآن صحيحٌ لم يغيّر ولم يبدّل ولم يزد فيه ولم ينقص منه" (فتح الله المحمّدي، سلامة القرآن من التّحريف، ص 135).

إنّ هذه النّظرة القائلة بانتفاء التّحريف عن النّصّ القرآني تستند إلى رؤية النصّ القرآني على أنّه كلام الله المنزل، وهو على هذه الصيغة مثلما نزل على محمد. هذه النّظرة بشأن نهائيّة النّصّ القرآني بوصفه كلام الله الّذي لم يدخله تحريف أو تغيير بأيّ حال هي النّظرة الّتي تحظى بإجماع علماء المسلمين، قديمًا وحديثًا. لكنّ السّؤال الّذي لا نجد مناصًا من طرحه هو، هل تصمد هذه النّظرة أمام ما نقف عليه في تضاعيف النّصوص التّراثيّة الّتي حفظها لنا السّلف؟

***
وقبل الخوض في الكلام عن سورة الفاتحة، نشاهد أنّ ثمّة خلافًا حول عدد الآيات في هذه السّورة. إذ أنّ البعض لا يعدّ البسملة جزءًا من هذه السّورة. أي، منذ البداية نرى أن ليس ثمّة إجماع على هذا الأمر المتعلّق بسورة لا يتعدّى عدد آياتها السّبع. وهذه البسملة كما في سائر السّور تشكّل فاصلاً فارقًا بين سورة وأخرى، ليس إلاّ. وإذا انتقلنا إلى نصّ الفاتحة ذاته لوجدنا أيضًا أنّ ثمّة خلاف بشأن نهائيّة هذا النّصّ. فها هو البغوي يورد رواية تُظهر اختلافًا بخصوص النّصّ مُستندًا على قراءة عمر بن الخطّاب للفاتحة: "وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين" (تفسير البغوي للآية، وشبيه بهذه القراءة في سنن سعيد بن منصور، وفي كتاب المصاحف لابن داود)، أي أنّ عمر بن الخطاب يقرأ "من" بدل "الّذين"، كما تظهر في النّصّ المتداول بين المسلمين. وفي رواية أخرى يظهر أنّه ليس عمر بن الخطاب فحسب كان يقرأ هذه القراءة، بل أيضًا عبدالله بن الزبير يقرأ الفاتحة قراءة شبيهة(السيوطي: الدّر المنثور، القاسم بن سلاّم: فضائل القرآن). وها هو المجلسي يورد رواية أخرى فيها تأكيد على هذه القراءة: "وقرأ رجل على أبي عبدالله عليه السلام سورة الحمد على ما في المصحف، فرد عليه وقال اقرأ: "صراط مَنْ أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين"، (المجلسي: بحار الأنوار). وكذلك نرى في تفسير القمّي: "اهدنا الصراط المستقيم صراط من انعمت عليهم وغير المغضوب عليهم ولا الضالين".

كثيرة هي الأمثلة عن اختلاف القراءات في النّصّ القرآني، ولعلّ المثال الطرّيف التّالي يوضّح كيفيّة حصول هذه القراءات المختلفة، ما يدلّ في نهاية المطاف على أنّ النّصّ المشهور للقرآن قد تعرّض على مرّ السّنوات إلى عمليّة تحرير حتّى وصل إلى هذا الإجماع بخصوص النّصّ الّذي بين أيدينا. فها هو السيوطي يورد رواية الطبري وابن الأنباري عن قراءة ابن عباس بخصوص الآية 31 من سورة الرعد "أفلم يتبيّن الذين آمنوا" فقيل له إنّها في لمصحف "أفلم ييأس"، فقال: أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس" (أنظر: السيوطي، الدر المنثور، ج 4، ص 118. أنظر أيضًا: تفسير الطبري ج 18 ص 136؛ إبن حجر العسقلاني، فتح الباري ج 8 ص 475؛ أبو عبيد، فضائل القرآن، ج 2 ص 123 ح 624). فكم من الكتبة الّذين عملوا على تدوين هذه النّصوص قد غلب عليهم النّعاس على مرّ العقود والقرون بينما كانوا ينقلون هذه النّصوص ويدوّنونها؟

ثانيًا: المجال اللّغوي – عربيّ

يُجمع المسلمون على أنّ القرآن نزل بلغة عربيّة سليمة ومعجزة: "إناّ جعلناه قرآنًا عربيًّا" (سورة الزّخرف ?)، أي، كما يقول الطّبري: "أنزلناه قرآنًا عربيًّا بلسان العرب، إذْ كُنتم أيّها المُنذَرون من رهط محمّد عربًا"، وذلك لكي تفهموا معانيه ومقاصده ومواعظه. "وَلَمْ يُنْزِلهُ بلسان العجم فيجعله أعجميًّا فتقولوا: نحن عرب، وهذا كلام أعجميّ لا نَفْقَه مَعَانِيه"، (تفسير الطبري للآية)، أو: "لأنّ كلّ نبيّ أنزل كتابه بلسان قومه"، (تفسير القرطبي للآية). أمّا ابن كثير فيقول: "أنزلناه بلغة العرب فصيحًا واضحًا... تفهمونه وتتدبّرونه" (تفسير ابن كثير للآية). بل ويذهب البعض إلى أبعدَ من ذلك، حيث يقولون: لقد نزل القرآن عربيًّا لأنّ العربيّة هي لغة الملائكة: "لأنّ لسان أهل السّماء عربيّ"، كما رُوي عن مُقاتل (تفسير القرطبي للآية).

لكن، هل تصمد هذه الرؤيا أمام الواقع والحقائق الّتي تعلو من نصّ سورة الفاتحة؟ في الحقيقة بوسعنا أن نقول، إنّ سورة الفاتحة، وعلى قصرها، تحتوي على مصطلحات أعجميّة، وللتّحديد تحتوي على كلمتين ليستا عربيّتين بأيّ حال.

أوّلاً: كلمة صراط

فكلمة "صراط" الّتي تظهر في الفاتحة ليست عربيّة بأيّ حال. ومثلما عرّف القدماء ماهيّة الكلمة الأعجميّة، فقد ذكر أهل اللّغة أنّ الكلمة الأعجميّة تبقى أعجميّة حتّى وإن نُقلت إلى العربيّة، وهنالك طرق وقواعد مختلفة لمعرفة العجمة في اللّغة العربيّة، وقد وقف عليها السّيوطي في مؤلّفة "الاقتراح في أصول النّحو". ومن بين هذه الطّرق: أن يُعرَف بالنّقل عن إمام من أئمّة العربيّة، أو أن يكون خارجًا عن أوزان الأسماء العربيّة، أو أن يكون أوّله نون ثمّ راء مثل كلمة "نرجس"، أو أن يكون آخره دال بعدها زاي، مثل كلمة "مهندز"، أو أن يجتمع فيه الجيم والصّاد مثل كلمة "صولجان"، أو الجيم والقاف، مثل "منجنيق"، أو الصّاد والطّاء مثل "صراط"، وغيره. أي أنّ اجتماع الصاد والطاء في كلمة "صراط" هو الدّليل على كون هذه الكلمة أعجميّة، وليست لسانًا عربيًّا مبينًا. وفي الحقيقة فإنّ أصل هذه الكلمة يعود إلى اللاتينيّة (strata)، أي الطريق المشقوقة المستقيمة، ومن اللغة اللاّتينية انتقلت الكلمة إلى العربيّة، فتصحّفت من "صطراطا"اللاتينية لتصبح صراط بالعربية. وقد وقف المفسرون الأقدمون على ذلك أيضًا كما نقرأ لدى القرطبي والسيوطي: "الصراط: حكى النقاش وابن الجوزي أنه الطريق بلغة الروم." (القرطبي: تفسير الآية، السيوطي: الإتقان في علوم القرآن).

وهنالك الكثير من المفردات الأجنبيّة في النّصّ القرآني: "وقال أبو بكر الواسطي في كتابه الإرشاد في القراءات العشر: في القرآن من اللغات خمسون لغة... ومن غير العربية: الفرس والروم والنبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية والقبط" (السّيوطي، الإتقان في علوم القرآن). كما أنّ هنالك من يرى أنّ كلمة صراط هي تعريب لجينواد الفارسيّة الّتي تعني الجسر.

ثانيًا: كلمة رحمن

فلو ذهبنا إلى لسان العرب نتوخّى الوصول إلى أصل هذه الكلمة ومدلولها، فماذا نجد؟ "قال الزّجّاج: الرّحمن اسمٌ من أسماء اللّه عزّ وجلّ مذكورٌ في الكتب الأُوَل، ولم يكونوا يعرفونه من أسماء اللّه. قال أبو الحسن: أراه يعني أصحاب الكُتب الأُوَل. قال الأزهري: ولا يجوز أن يُقال رحمن إلاّ لله عزّ وجلّ. وحكى الأزهري عن أبي العبّاس في قوله -الرّحمن الرّحيم-: جمعَ بينهما لأنّ الرّحمن عبرانيّ والرّحيم عربيّ". (لسان العرب: مادة رحم). وبمثل هذا الرأي يروي السيوطي عن المبرد وثعلب بشأن كلمة الرحمن: "ذهب المبرد وثعلب إلى أنّه عبراني وأصله بالخاء المعجمة" (السيوطي: الإتقان في علوم القرآن). أي أنّ كلمة رحمن ليست عربيّة وإنّما هي مأخوذة من الكتب الأول، أي من التوراة العبريّة، كما يذكر الأقدمون.

من هنا يتّضح أنّ سورة الفاتحة، على قصرها، تحتوي على كلمتين لا يمكن أن نطلق عليهما "لسانًا عربيًّا مبينًا"، فواحدة لاتينيّة - أي أعجميّة، والعجمة ليست من البيان وليست من السّحر كما يقول العرب، والكلمة الأخرى من العبرانيّة. إنّ كلمة رحمن العبرانيّة هي بالحاء، أمّا السيوطي فينقل عن ثعلب والمبرد بأنّ أصلها عبراني بالخاء المعجمة، كما لو أنّ هؤلاء قد سمعوها بلكنة أوروبيّة أشكنازيّة، حيث يلفظ هؤلاء الحاء العبريّة خاء لصعوبة نطقها عليهم.

ثالثًا: المجال المفاهيمي

نصل الآن إلى نقطة فهم هذا النّصّ المؤسّس في العقيدة الإسلاميّة.

يُجمع علماء المسلمين على أنّ القرآن ذاته هو الأداة الأولى لتفسير ما التبس من نصوص فيه. فإذا التبس نصّ منه يُطلب تفسيره في نصّ آخر من نصوص القرآن، وما لم يُعثر على تفسير له في النّصوص القرآنيّة فإنّ السنّة النّبويّة هي الّتي تفسّر القرآن. ولمّا كانت سورة الفاتحة هي ذات مكانة مركزيّة في العقيدة الإسلاميّة، كما روي عن الرّسول: "هي السّبع المثاني والقرآن العظيم الّذي أوتيته"، كما أخرج البخاري في الصّحيح، فإنّ تفسيرها يشكّل كاشفًا لبواطن هذه العقيدة. فإذا كان الصّراط يعني الطّريق البيّن الواضح، فما هو؟ روى البغوي: "الصراط المستقيم: قال ابن عباس وجابر: هو الإسلام وهو قول مقاتل، وقال ابن مسعود: هو القرآن وروي عن علي مرفوعا: -الصراط المستقيم كتاب الله-. وقال سعيد بن جبير: طريق الجنة ، وقال سهل بن عبد الله: طريق السنة والجماعة ، وقال بكر بن عبد الله المزني: طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو العالية والحسن: رسول الله وآله وصاحباه." (البغوي، معالم التنزيل). بينما تباينت الآراء فيما يخصّ المنعم عليهم ، كما روى القرطبي: "واختلف الناس في المنعم عليهم، فقال الجمهور من المفسرين: إنه أراد صراط النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين." (القرطبي: تفسير، السيوطي:الدّر المنثور).

أمّا المغضوب عليهم والضّالّون فقد أجمع المفسرون على أنّ: "المغضوب عليهم - هم اليهود والضالون هم النصارى، لأن الله تعالى حكم على اليهود بالغضب...وحكم على النصارى بالضلال" (البغوي: معالم التنزيل، وكذلك في السيوطي: الدر المنثور، والقرطبي وابن كثير والطبري وسائر جماعة المفسّرين).

ولا يقتصر الأمر على المفسّرين القدماء والسّياقات التّاريخيّة القديمة، إذ أنّنا نرى حتّى الآن إجماعًا على هذا التّفسير، فحتّى كتب الأطفال الّتي تتطرّق للعقيدة مثل كتاب "تفسير القرآن الكريم" الّذي أعدّه سبعة من الأساتذة والعمداء في الأزهر وحظي بموافقة مجمع البحوث الإسلاميّة يذكر أنّ المغضوب عليهم "هم اليهود وأشباههم"، وأنّ الضّالّين "هم النّصارى وأشباههم".

ربّما كنّا الآن بحاجة إلى تفسير مصطلح "أشباههم" هذه الّتي ترد في تفسيرات أساتذة الأزهر لسورة الفاتحة.

وأخيرًا، إذا كانت السّورة جامعة لكلّيّات العقيدة الإسلاميّة كما ذكرنا، وأنّ صلاة المسلم لاغية بدونها، فما هو السّبيل المتبقّي أمام المسلم لحوار مع الحضارات الأخرى، في الوقت الّذي يعلّم فيه الأطفال منذ الصّغر على هذه النّظرة تجاه الآخر؟
والعقل وليّ التّوفيق!

بحـہة بكـى. 6 - 8 - 2014 05:35 PM

رد: مدونة القران الكريم
 
‫ظپظٹظ„ظ… ظƒط§ظ…ظ„ ط¹ظ† ط§ظ„ط¥ط¹ط¬ط§ط² ظپظٹ ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† ط§ظ„ظƒط±ظٹظ… ط³ط¨ط­ط§ظ† ط§ظ„ظˆط§ط­ط¯â€¬â€ژ - YouTube

بحـہة بكـى. 6 - 8 - 2014 05:36 PM

رد: مدونة القران الكريم
 
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴿الفرقان:53﴾

هـذه الآية الكريمة جاءت في مطلع الثلث الأخير من سورة الفرقان‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها سبع وسبعون‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم الكريم‏ (الفرقان‏),‏ وهو اسم من أسماء القرآن العظيم‏,‏ لكونه فارقا بين الحق والباطل‏..‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية‏,‏ ومن ركائزها‏:‏ تنزيه الله‏(‏تعالي‏)‏ عن كل وصف لا يليق بجلاله من مثل نسبة الولد زورا إليه‏,‏ والادعاء الباطل بوجود شركاء له في ملكه‏,‏ والهروب من الاعتراف بالحقيقة الجلية أنه تعالي خالق كل شيء بتقدير دقيق‏,‏ وحكمة بالغة‏,‏ وأن له‏(‏وحده‏)‏ ملك السماوات والأرض دون شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ وهي من صفات الألوهية الحقة‏..‏
وتبدأ سورة الفرقان بتمجيد الله وتعظيمه‏,‏ وبالتأكيد علي أنه‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي أنزل القرآن الكريم علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فارقا بين الحق والباطل ليكون نذيرا للعالمين‏,‏ في كل وقت وفي كل حين‏;‏ وتنعي السورة الكريمة علي الذين كفروا إنكارهم لتلك الحقيقة القائمة‏,‏ وتطاولهم علي كل من كتاب الله وخاتم الأنبياء والمرسلين‏,‏ وإنكارهم ليوم الدين‏,‏ وترد عليهم بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ‏[‏الفرقان‏:6].‏
كذلك تنعي عليهم تعنتهم بالاعتراض علي بشرية خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وعلي محدودية حظه من المال‏,‏ وعلي تنزل القرآن منجما‏,‏ وقد أنزل كل من الكتب السابقة دفعة واحدة‏;‏ وتطاولهم بطلب الرسالة السماوية من الملائكة مباشرة‏;‏ أو طلب رؤية الله جهرة حتي يؤمنوا به‏,‏ وهي صورة من صور الصلف الكافر الذي لا يفهم لمدلولات كل من الألوهية والنبوة والرسالة‏,‏ حقيقة ولا معني صحيحا‏...!!‏ وتعرض السورة الكريمة لشيء من مشاهد الآخرة‏,‏ ولعذاب الكافرين في نار جهنم‏,‏ وتقارن بين هذا العذاب المهين‏,‏ وبين تكريم الله للمتقين في جنات النعيم‏...!!‏
كما تعرض لمصارع المكذبين في عدد من الأمم السابقة علي هذه الأرض‏,‏ وإلي شيء من مصائرهم يوم القيامة‏,‏ وندمهم علي ما قد فرطوا فيه من حقوق الله وحقوق عباده‏,‏ وعلي انصرافهم عن اتباع الرسول الخاتم والنبي الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وتوليهم لأهل الكفر والشرك والضلال‏,‏ اتباعا لغواية الشيطان‏,‏ ولغواية الغاوين من بني الإنسان‏,‏ وعبادة لهوي النفس الذي يعمي ويصم عن رؤية الحق‏,‏ وعن الاستماع إلي حجيته ومنطقه فيهوي ذلك بالإنسان إلي ما دون مستوي البهائم‏..!!‏ ويشكو المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ إلي ربه هجر قومه للقرآن الكريم‏,‏ وهذه الشكوي كما كانت قائمة في زمن النبوة تظل قائمة في كل زمان يهجر فيه القرآن‏,‏ ويقصي عن مناط الحكم والتشريع‏...!!‏
وتعرج سورة الفرقان إلي تخفيف الأمر عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بتذكيره بأن كافة الأنبياء والمرسلين من قبله قد جوبهوا من قبل أهل الكفر والضلال بعداوة شديدة‏,‏ وبالتأكيد له علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ عالم بذلك‏,‏ مطلع عليه‏,‏ ومجاز به‏,‏ وتوصيه بالصبر والمصابرة‏,‏ وبمجاهدة الكافرين بما في القرآن العظيم من حق أبلج‏,‏ وتعينه علي ذلك بأمره بالتوكل علي الله‏(‏ تعالي‏),‏ الحي الذي لا يموت‏,‏ وبالتسبيح دوما بحمده‏,‏ وتعيد إلي ذاكرته‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن دوره هو دور البشير النذير‏..‏ وتقرر السورة الكريمة أن من صلف الكافرين وتطاولهم وضلالهم إنكار الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وعبادة من دونه ما لا ينفعهم ولا يضرهم‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر علي ربه ظهيرا ‏[‏الفرقان‏:55]..‏
ويقول‏(‏ عز من قائل‏):‏ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا‏[‏ الفرقان‏:60].‏ وفي المقابل تنتقل السورة الكريمة إلي استعراض عدد من صفات عباد الرحمن‏,‏ في مقارنة رائعة بين صفات أهل الحق وصفات أهل الباطل‏,‏ مؤكدة جزاء الصالحين بالخلود في جنات النعيم‏,‏ في حفاوة وتكريم من الله وملائكته‏,‏ وتنتهي بتأكيد هوان البشرية كلها علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ لولا تلك الطائفة القليلة من عباده الصالحين الذين يعرفون معني الألوهية والربوبية الحقة لجلال الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فيجأرون بالدعاء له طلبا لرحمته ورضوانه‏,‏ أما الغالبية الساحقة من البشر الذين كفروا بالله‏,‏ أو أشركوا به ما لم ينزل به سلطانا‏,‏ واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا‏,‏ لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد تعهد أن يجزيهم بسوء أعمالهم جزاء ملزما‏..‏
وفي معرض الاستشهاد علي صدق ما جاء بهذه السورة المباركة وردت الإشارة إلي العديد من الآيات الكونية التي منها‏:
‏ ‏(1)‏ أن الله‏(‏تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء ومقدره تقديرا وفق علمه وحكمته وقدرته‏,‏ وأنه‏(‏تعالي‏)‏ هو الذي يعلم السر في السماوات والأرض‏.‏
‏(2)‏ أن تشقق السماء بالغمام من بدايات انهيار النظام الكوني‏.‏
‏(3)‏ الإشارة إلي دوران الأرض حول محورها بمد الظل وقبضه‏.‏
‏(4)‏ تخصيص الليل للنوم والراحة‏,‏ وتخصيص النهار لليقظة والجري وراء المعايش‏.‏
‏(5)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ هو الذي ينزل من السماء ماء طهورا ليحيي به أرضا ميتة‏,‏ ويسقيه مما خلق أنعاما وأناسي كثيرا‏.‏
‏(6)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو‏...‏ الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا‏.‏
‏(7)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو‏...‏ الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا‏....‏
‏(8)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام‏(‏ أي ست مراحل متتالية‏).‏
‏(9)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو‏...‏ الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا‏.‏
‏(10)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو‏...‏ الذي جعل الليل والنهار خلفة‏...‏ وهي إشارة ضمنية رقيقة إلي حقيقة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏.‏ وكل آية من هذه الآيات الكونية العشر تحتاج إلي مناقشة موضوعية خاصة بها‏,‏ ولما كان المقام لا يتسع لذلك أجدني مضطرا لقصر الحديث هنا علي آية واحدة منها ألا وهي الآية الثالثة والخمسون المشار إليها هنا في النقطة السادسة أعلاه‏,‏ التي تصف التقاء ماء النهر العذب الفرات بماء البحر الملح الأجاج‏,‏ وقبل الولوج في ذلك أري لزاما علي أن أعرض لعدد من أقوال المفسرين السابقين في شرح هذه الآية الكريمة‏,‏ ولشرح دلالات الغريب من ألفاظها علي مسامع أهل عصرنا الذي نسي كثير من العرب فيه لغتهم الأم ولغة كتاب دينهم العظيم‏.‏

بحـہة بكـى. 6 - 8 - 2014 05:37 PM

رد: مدونة القران الكريم
 
في تفسير الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏): ‏ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا‏(‏ الفرقان‏:53)..‏ ذكرابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:...‏ وقوله تعالي‏:(‏ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج‏)‏ أي خلق الماءين الحلو والمالح‏,‏ فالحلو كالأنهار والعيون والآبار‏.‏ قاله ابن جريج واختاره‏,‏ وهذا المعني لا شك فيه‏,‏ فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات‏,‏ والله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ إنما أخبر بالواقع لينبه العباد إلي نعمه عليهم ليشكروه‏,‏ فالبحر العذب فرقه الله تعالي بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهارا أو عيونا في كل أرض‏,‏ بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأراضيهم‏,‏ وقوله تعالي‏:(‏ وهذا ملح أجاج‏)‏ أي مالح‏,‏ مر‏,‏ زعاف لا يستساغ‏,‏ وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب‏,‏ البحر المحيط وبحر فارس وبحر الصين والهند وبحر الروم وبحر الخزر‏,‏ وما شاكلها وشابهها من البحار الساكنة التي لا تجري‏,‏ ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح‏,‏ ومنها ما فيه مد وجزر‏,‏ ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض‏,‏ فإذا شرع الشهر في النقصان جزرت حتي ترجع إلي غايتها الأولي‏,‏ فأجري الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ـوهو ذو القدرة التامةـ العادة بذلك‏;‏ فكل هذه البحار الساكنة خلقها الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ مالحة لئلا يحصل بسببها نتن الهواء‏,‏ فيفسد الوجود بذلك‏,‏ ولئلا تجوي الأرض بما يموت فيها من الحيوان‏,‏ ولما كان ماؤها ملحا كان هواؤها صحيحا وميتتها طيبة‏,‏ ولهذا قال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وقد سئل عن ماء البحر‏:‏ أنتوضأ به؟ فقال‏:(‏ هو الطهور ماؤه‏,‏ الحل ميتته‏).‏ وقوله تعالي‏:(‏ وجعل بينهما برزخا وحجرا‏)‏ أي بين العذب والمالح‏,‏ وبرزخا أي حاجزا وهو اليبس من الأرض‏(‏ وحجرا محجورا‏)‏ أي مانعا من أن يصل أحدهما إلي الآخر كقوله تعالي‏:(‏ مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان‏),‏ وقوله تعالي‏:(‏ وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون‏).....‏
وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما نصه‏:(‏ وهو الذي مرج البحرين‏)‏ أرسلهما متجاورين‏(‏ هذا عذب فرات‏)‏ شديد العذوبة‏(‏ وهذا ملح أجاج‏)‏ شديد الملوحة‏(‏ وجعل بينهما برزخا‏)‏ حاجزا لا يختلط أحدهما بالآخر‏(‏ وحجرا محجورا‏)‏ سترا ممنوعا به اختلاطهما‏.....‏ وجاء في تفسير الظلال‏(‏ رحم الله كاتبه‏)‏ ما نصه‏:...‏ وهو الذي ترك البحرين‏,‏ الفرات العذب والملح المر‏,‏ يجريان ويلتقيان‏,‏ فلا يختلطان ولا يمتزجان‏,‏ إنما يكون بينهما برزخ وحاجز من طبيعتهما التي فطرها الله‏.‏ فمجاري الأنهار غالبا أعلي من سطح البحر‏,‏ ومن ثم فالنهر العذب هو الذي يصب في البحر الملح‏,‏ ولا يقع العكس إلا شذوذا‏,‏ وبهذا التقدير الدقيق لا يطغي البحر ـوهو أضخم وأغزرـ علي النهر الذي منه الحياة للناس والأنعام والنبات‏,‏ ولا يكون هذا التقدير مصادفة عابرة وهو يطرد هذا الاطراد‏.‏ إنما يتم بإرادة الخالق الذي أنشأ هذا الكون لغاية تحققها نواميسه في دقة وإحكام‏..‏
وقد روعي في نواميس هذا الكون ألا تطغي مياه المحيطات الملحة لا علي الأنهار ولا علي اليابسة حتي في حالات المد والجزر التي تحدث من جاذبية القمر للماء الذي علي سطح الأرض‏,‏ ويرتفع بها الماء ارتفاعا عظيما‏..‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبه‏)‏ ما نصه‏:(‏ مرج البحرين‏...)‏ أرسل البحرين‏:‏ العذب والملح في مجاريهما متجاورين‏;‏ كما ترسل الخيل في المرج‏.‏ يقال‏:‏ مرج الدابة يمرجها‏,‏ أرسلها ترعي‏.‏ أو خلطهما فأمرج أحدهما في الآخر وأفاضه فيه‏;‏ من المرج وأصله الخلط‏.‏ يقال‏:‏ مرج أمرهم يمرج‏,‏ اختلط‏;‏ ومنه قيل للمرعي‏:‏ مرج‏;‏ لاجتماع أخلاط من الدواب فيه‏.‏
‏(‏ عذب فرات‏)‏ شديد العذوبة‏,‏ مائل إلي الحلاوة وهو ماء الأنهار‏.‏ وسمي فراتا لأنه يفرت العطش‏,‏ أي يقطعه ويكسره‏.(‏ ملح أجاج‏)‏ شديد الملوحة والمرارة‏,‏ وهو ماء البحار‏.‏ سمي أجاجا من الأجيج وهو تلهب النار‏,‏ لأن شربه بزيد العطش‏.(‏ وبرزخا‏)‏ حاجزا عظيما من الأرض‏,‏ يمنع بغي أحدهما علي الآخر‏;‏ لحفظ حياة الإنسان والنبات‏;‏ كما قال تعالي‏:(‏ بينهما برزخ لا يبغيان‏).(‏ وحجرا محجورا‏)‏ أي وجعل كل واحد منهما حراما محرما علي الآخر أن يفسده‏.‏ والمراد‏:‏ لزوم كل منهما صفته‏;‏ فلا ينقلب العذب في مكانه ملحا ولا الملح في مكانه عذبا‏..‏ وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏ والله هو الذي أجري البحرين‏:‏ البحر العذب والبحر الملح‏,‏ وجعل المجري لكل واحد يجاور المجري الآخر‏,‏ ومع ذلك لا يختلطان‏,‏ نعمة ورحمة بالناس‏..‏
وجاء في تعليق الخبراء العلميين بالهامش ما يلي‏:..‏ قد تشير هذه الآية إلي نعمة الله علي عباده بعدم اختلاط الماء الملح المتسرب من البحار في الصخور القريبة من الشاطئ بالماء العذب المتسرب إليها من البر اختلاطا تاما بل إنهما يلتقيان مجرد تلاق يطفو العذب منها فوق الملح كأن بينهما برزخا يمنع بغي أحدهما علي الآخر‏,‏ وحجرا محجورا‏,‏ أي حاجزا خفيا مستورا لا نراه‏..‏ وليس هذا فقط بل إن هناك قانونا ثابتا يحكم هذه العلاقة ويتحكم فيها لمصلحة البشر ممن يسكنون في تلك المناطق وتتوقف حياتهم علي توافر الماء العذب‏,‏ فقد ثبت أن طبقة الماء العذب العليا يزداد سمكها مع زيادة الارتفاع عن منسوب البحر بعلاقة منتظمة حتي إنه يمكن حساب العمق الأقصي للماء العذب الذي يمكن الوصول إليه‏.‏ فهو يساوي قدر الفرق بين منسوب الأرض ومنسوب البحر أربعين مرة‏..‏
وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خير الجزاء‏)‏ ما نصه‏:(‏ وهو الذي مرج البحرين‏)‏ أي هو تعالي بقدرته خلي وأرسل البحرين متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان‏(‏ هذا عذب فرات‏)‏ أي شديد العذوبة قاطع للعطش من فرط عذوبته‏(‏ وهذا ملح أجاج‏)‏ أي بليغ الملوحة‏,‏ مر شديد المرارة‏(‏ وجعل بينهما برزخا‏)‏ أي جعل بينهما حاجزا من قدرته لا يغلب أحدهما علي الآخر‏(‏ وحجرا محجورا‏)‏ أي ومنعا من وصول أثر أحدهما إلي الآخر وامتزاجه به‏.....‏
الدلالات اللفظية لبعض كلمات الآية الكريمة:
‏(1)(‏ مرج‏):‏ ذكرت معاجم اللغة‏(‏ كمعجم ابن فارس‏)‏ أن الميم‏,‏ والراء‏,‏ والجيم أصل صحيح يدل علي المجيء والذهاب والاضطراب‏,‏ وقالوا‏:(‏ مرج‏)‏ الخاتم في الإصبع أي قلق واضطرب لاتساعه عن حجم الإصبع‏;‏ ومنه قيل‏:(‏ مرجت‏)‏ أمانات القوم وعهودهم أي اضطربت واختلطت‏;‏ و‏(‏مرج‏)‏ الأمر اختلط‏,‏ ومنه الهرج والمرج‏,‏ وأمر‏(‏ مريج‏)‏ أي مختلط‏,‏ و‏(‏المرج‏)‏ في اللغة هو مرعي الدواب‏,‏ أي الأرض التي يكثر فيها النبات فتمرج فيه الدواب وتختلط‏;‏ ولذلك قيل‏:(‏ مرج‏)‏ الدابة و‏(‏أمرجها‏)‏ أي أرسلها ترعي وتختلط بغيرها من الحيوانات في المرعي فـ‏(‏مرجت‏),‏ لأن أصل‏(‏ المرج‏)‏ هو الخلط‏,‏ و‏(‏المروج‏)‏ هو الاختلاط‏,‏ وقوله‏(‏ تعالي‏):(‏ مرج البحرين‏)‏ أي أفاض أحدهما بالآخر‏,‏ وجعلهما يختلطان دون امتزاج كامل أي دون أن يلتبس أحدهما بالآخر التباسا كاملا‏..‏ و‏(‏مارج‏)‏ من نار أي‏:‏ لهب من نيران مختلطة لا دخان لها‏..‏
‏(2)(‏ عذب فرات‏):‏ الماء‏(‏ العذب‏)‏ هو الماء الطيب المذاق‏,‏ و‏(‏الفرات‏)‏ هو الشديد العذوبة‏;‏ والبحر العذب الفرات هو النهر لشدة عذوبة مائه‏.‏
‏(3)(‏ ملح أجاج‏):‏ الماء‏(‏ الملح الأجاج‏)‏ هو‏,‏ الماء شديد الملوحة والمرارة‏;‏ وما كان من الماء‏(‏ ملحا أجاجا‏)‏ هو ماء البحر علي اختلاف درجات ملوحته‏.‏ يقال‏:(‏ ملح‏)‏ القدر أي‏:‏ طرح فيها الملح بقدر‏,‏ و‏(‏أملحها‏)‏ أي‏:‏ أفسدها بالملح‏,‏ و‏(‏ملحها تمليحا‏)‏ مثله‏..‏
ويقال‏:(‏ ملح‏)‏ الماء‏(‏ بالفتح والضم‏)‏ فهو ماء‏(‏ ملح‏);‏ وقليب‏(‏ مليح‏)‏ أي‏:‏ ماؤه قليل الملوحة‏;‏ و‏(‏الملاحة‏)‏ منبت الملح‏;‏ و‏(‏المملحة‏)(‏ بكسر الميم‏)‏ ما يجعل فيه‏(‏ الملح‏);‏ و‏(‏الملاح‏)‏ صاحب السفينة‏..‏ ويقال‏:(‏ أجج‏)‏ النار أي‏:‏ زادها اشتعالا وتلهبا‏,‏ لأن‏(‏ الأجج‏)‏ هو تلهب النيران‏,‏ من‏(‏ أجت‏)‏ النار‏(‏ تؤج‏)(‏ أجيجا‏)‏ و‏(‏أجوجا‏),‏ و‏(‏أججها‏)‏ غيرها‏(‏ فاتجت‏)‏ و‏(‏تأججت‏),‏ وسمي الماء الشديد الملوحة‏(‏ بالأجاج‏)‏ لأنه يحرق معي الإنسان إذا شربه من شدة ملوحته‏.‏
‏(4)(‏ برزخ‏):(‏ البرزخ‏)‏ هو الحاجز والحد بين الشيئين‏;‏ وهو أيضا ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلي البعث‏,‏ فمن مات فقد دخل البرزخ‏;‏ وفي تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):(‏ وجعل بينهما برزخا‏...)‏ قال عدد من المفسرين هو حاجز من الأرض‏,‏ وقال البعض الآخر هو حاجز أو حائل أو مانع من قدرة الله‏(‏ تعالي‏)‏ لا يراه أحد من الناس‏.‏
‏(5)(‏ الحجر المحجور‏):‏ هو الحرام المحرم‏,‏ و‏(‏الحجر‏)(‏ بكسر الحاء وضمها وفتحها‏)‏ هو المنع والتضييق‏.‏ يقال‏:(‏ حجر‏)‏ القاضي عليه أي‏:‏ منعه عن التصرف في ماله‏;‏ و‏(‏حجر‏)‏ الإنسان‏(‏ بكسر الحاء وفتحها‏)‏ واحد‏(‏ الحجور‏),‏ ويقال‏:(‏ احتجر حجرة‏)‏ أي‏:‏ اتخذها مسكنا‏,‏ والجمع‏(‏ حجر‏),‏ و‏(‏حجرات‏)..‏ و‏(‏الحجر‏)‏ أيضا هو العقل لأنه يحجر صاحبه ويمنعه من الجري وراء شهواته والتهافت علي ما لا ينبغي له‏,‏ ويضبطه ويقهره علي ذلك‏.‏
الدلالة العلمية للآية الكريمة:
تطلق لفظة‏(‏ البحر‏)‏ في اللغة العربية علي كل من النهر ذي الماء العذب‏,‏ والبحر ذي الماء المالح‏;‏ ولولا أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد صمم الأنهار لتفيض من تضاريس القارات المرتفعة فوق مستوي سطح البحر فتلقي بمائها العذب وبما تحمله من رسوبيات في هذا الخضم المالح‏,‏ ولولا هذا النظام المحكم والمبهر في ترتيب مستويات كل من اليابسة وقيعان البحار والمحيطات لطغي ماء البحر المالح علي اليابسة بما فيها من ماء عذب‏,‏ وأفسدها إفسادا كاملا‏,‏ ودمر كل صور الحياة فيها‏;‏ وليس هذا من قبيل الخيال العلمي‏,‏ فقد مرت علي الأرض فترات عديدة طغت البحار فيها علي اليابسة إلي مسافات تزيد علي حدودها الحالية بمئات من الكيلومترات‏,‏ وذلك بارتفاع منسوب الماء في البحار والمحيطات‏,‏ بل إن الأرض قد بدأت بمحيط غامر غمرا كاملا لسطحها‏,‏ ثم بدأت اليابسة في التكون بفعل الأنشطة البركانية المندفعة من قاع ذلك المحيط الغامر علي هيئة جزيرة بركانية ظلت تنمو حتي كونت القارة الأم‏,‏ التي بدأت في التفتت إلي مكوناتها الحالية من القارات السبع منذ نحو مائتي مليون سنة مضت‏..‏ ومع استمرار نشاط الحركات الداخلية للأرض‏,‏ وانعكاس ذلك علي تحرك ألواح غلافها الصخري‏,‏ وما صاحبه من هزات أرضية‏,‏ وثورات بركانية ومتداخلات نارية‏,‏ تكونت السلاسل الجبلية التي أعطت سطح الأرض تضاريسه الشامخة‏,‏ ولولا تلك التضاريس ما كان من الممكن فصل الماء العذب عن الماء المالح أبدا‏..‏
ومع دورة الماء حول الأرض ـالتي تحركها بتدبير من الله‏(‏ تعالي‏)‏ كل من حرارة الشمس‏,‏ وتصريف الرياح‏,‏ وإزجاء السحب‏,‏ والتأليف بينها‏,‏ وبسطها أو ركمها‏,‏ وتكثف قطرات الماء فيها‏,‏ وإنزال المطر أو البرد أو الثلج منها بإذن الله‏,‏ وحيثما شاء وبالقدر المقسومـ تشكل سطح الأرض‏,‏ وشقت الفجاج والسبل‏,‏ وسالت الأنهار والجداول‏,‏ وتدفق الماء في الأودية‏,‏ ودارت دورات عديدة علي سطح الأرض‏,‏ ولولا ذلك لفسد ماء الأرض منذ اللحظة الأولي لخروجه من داخلها‏..‏
دورة الماء حول الأرض:
تبخر أشعة الشمس سنويا بتقدير من الله‏(‏ تعالي‏)‏ ما مجموعه‏(380.000)‏ كيلو متر مكعب من الماء من أسطح كل من البحار والمحيطات‏(320.000‏ كيلو متر مكعب‏),‏ ومن اليابسة بما عليها من مسطحات مائية وجليد‏,‏ وكائنات‏(60.000‏ كيلو متر مكعب‏),‏ وهذا القدر من بخار الماء يتكثف في نطاق التغيرات المناخية‏(‏ نطاق الرجع‏)‏ الذي يشكل الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض فيعود إليها مطرا أو ثلجا أو بردا‏(284.000‏ كم‏3‏ منها تنزل علي البحار والمحيطات‏,‏ و‏96.000‏كم‏3‏ تنزل علي اليابسة‏)‏ والفارق وقدره‏(36.000‏ كم‏3)‏ من الماء يفيض من اليابسة إلي البحار والمحيطات سنويا حاملا معه ملايين الأطنان من الأملاح وفتات الصخور‏,‏ وبذلك تكون الأنهار من وسائط النقل الرئيسية التي تنقل نواتج كل من عمليات التجوية والتحات والتعرية من اليابسة إلي أحواض البحار والمحيطات حيث تترسب الرواسب بتتابعات سميكة تتجمع فوق كل من الرصيف القاري وقيعان المحيطات العميقة‏,‏ كما قد تتجمع فوق قيعان البحيرات‏..‏ وجزء من هذه الرواسب يترسب علي طول مجري النهر بفعل عدد من العمليات النهرية‏..‏
تكون دالات الأنهار
تتكون دالات الأنهار‏,‏ والرواسب الدلتاوية نتيجة التفاعل بين كل من العمليات النهرية والعمليات الساحلية‏..‏ ولكل نهر حوض لتصريف مائه يعرف باسم حوض المصرف‏ (DrainageBasin) أو منطقة اصطياد المطر ‏(CatchmentArea) أو منطقة المجري ويمر النظام النهري بمراحل من الشباب‏,‏ والنضج‏,‏ والشيخوخة‏,‏ ويرسب قدرا من حمولته في مجراه بما يعرف باسم مجموعة رواسب القناة ‏(ChannelDeposits) ورواسب الشرف النهرية ‏(LeveeDeposits) ورواسب سهل الفيضان أو الرقة ‏(FloodPlainDeposits) ورواسب المستنقعات ‏(SwampDeposits) وتجمع كلها تحت مسمي رواسب فوق الضفة ‏(OverbankDeposits)..‏
وعموما تتجمع رسوبيات الدلتا فوق الأرصفة القارية الضحلة الواسعة عند التقاء ماء النهر بماء البحر‏,‏ وتنتج عن ذلك التجمع رواسب علي هيئة مخروطية تتكون أساسا مما يحمله النهر ويلقي به عند مصبه في البحر فيترسب جزء منه فوق اليابسة ويتجمع الباقي تحت سطح الماء‏..‏ وتعتبر دلتا النهر وسطا انتقاليا بين ماء النهر العذب‏,‏ وماء البحر المالح‏,‏ وتحتوي عددا كبيرا من بيئات الترسيب المتباينة التي يتجاوز عددها الإثنتي عشرة بيئة‏..‏
وكلما كانت كمية الرسوبيات التي يلقيها النهر عند مصبه أكبر من قدرة كل من تيارات المد والجزر‏,‏ والأمواج والتيارات البحرية الموازية للشاطئ علي إزالته‏;‏ وتلعب التراكيب الجيولوجية الكبيرة‏(‏ من مثل حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض‏)‏ دورا بارزا في ذلك‏..‏
عوامل تحكم نشاط النهر علي منطقة مصبه:
عند مصبات الأنهار عادة ما يضعف أثر كل من ظاهرتي المد والجزر‏,‏ وشدة الأمواج والتيارات البحرية فتسود قوي ثلاث أخري هي‏:‏ القصور الذاتي‏(‏أو قوة واستمرارية تدفق تيار الماء في النهر‏),‏ وقدر الاحتكاك بالرسوبيات في قاع مجري النهر‏,‏ وطفو الماء العذب فوق سطح الماء المالح‏..‏
وتبقي عوامل أخري مساعدة من مثل معدلات تدفق الماء وسرعة تياره‏,‏ وعمق الماء في مجري النهر‏,‏ وكتلة الرسوبيات التي يحملها ماء النهر‏.‏ ففي ظل زيادة سرعة تدفق تيار الماء في مجري النهر‏,‏ وعمق الحوض البحري الذي يصب فيه‏,‏ وتدني الفارق في كثافة الماءين الملتقيين يسود القصور الذاتي فيندفع ماء النهر إلي البحر بشدة علي هيئة نفاثات دوارة تعزل ماء النهر عن ماء البحر وتؤخر اختلاطهما وامتزاجهما حتي تضعف معدلات تدفق الماء فيبدأ الامتزاج علي حواف كتلة الماء العذب مكونا ماء قليل الملوحة يفصل ماء النهر عن ماء البحر باستمرار‏..‏ وفي كثير من الأنهار يؤدي نقل كميات كبيرة من نواتج عمليات التعرية علي هيئة الرسوبيات المحمولة مع ماء النهر إلي ترسيبها في منطقة مصبه مما يرفع منسوب قاع منطقة المصب ويجعل سمك الماء فيها قليلا خاصة في المنطقة بعد المصب مباشرة مما يؤدي إلي جعلها أعلي من منسوب قاع مجري النهر‏,‏ وتظل هذه المنطقة تنمو باستمرار نتيجة لاندفاع الماء من النهر علي هيئة تيار نفاث يحتك بالرسوبيات المتجمعة فوق قاعه‏.‏ وفي منطقة مصبه حتي يبني برزخا من تلك الرسوبيات عموديا علي اتجاه تدفق النهر فيحول دون امتزاج مائه مع ماء البحر امتزاجا كاملا لوجود هذا البرزخ من الرسوبيات ولتكون ماء قليل الملوحة علي حواف طبقة الماء العذب الرقيقة الطافية فوق الماء المالح‏..‏
ويؤدي بناء هذا البرزخ الرسوبي إلي تفرع مجري النهر إلي فرعين‏(‏ أو أكثر‏)‏ كل واحد منهما علي جانبي البرزخ نظرا لتباطؤ تدفق الماء نتيجة لضحالة المجري وشدة احتكاك الماء بقاعه في أثناء جريانه‏;‏ وقد يؤدي ذلك إلي زيادة نمو البرزخ علي هيئة حاجزوسطي كبير أو تكرار ترسب أعداد من تلك البرازخ‏..‏ ولما كانت كثافة الماء العذب‏(‏ في حدود جرام واحد‏/‏ سم‏3)‏ أقل من كثافة الماء المالح‏(‏ في حدود‏1.026‏ إلي‏1.028‏ جرام‏/‏ سم‏3)‏ فإن الماء العذب يطفو فوق سطح الماء المالح علي الرغم مما يحمله من رسوبيات‏,‏ ويسمي هذا التدفق المائي باسم التدفق المتباين الكثافة‏..‏
ويظل الماء العذب طافيا فوق الماء المالح حتي تتمكن كل من تيارات المد والجزر‏,‏ والأمواج والتيارات البحرية من المزج بين حواف هذه الطبقة الرقيقة من الماء العذب والماء المالح مكونة ماء قليل الملوحة يفصل بينهما‏,‏ وهنا يتأثر تدفق الماء العذب بكل من قوة الاستمرار في الاندفاع‏(‏ القصور الذاتي‏),‏ وشدة الاحتكاك بقاع المجري‏,‏ وفرق الكثافة بين الماءين العذب والمالح‏..‏ وفي حالة الأنهار ذات التدفق العالي للماء‏,‏ أو عند فيضاناتها يكون التدفق الطافي للماء العذب فوق سطح الماء المالح هو السمة الغالبة لتدفق ماء تلك الأنهار‏;‏ ويزداد الاحتكاك برسوبيات القاع مما يؤدي إلي تجمع كم هائل من الرسوبيات أمام مصب النهر علي هيئة سدود نهرية مستقيمة وموازية لمجري النهر تحت الماء في منطقة المصب‏,‏ تحيط بالماء العذب من الجهتين فاصلة إياه عن الماء المالح فتعينه بذلك علي مزيد من الاندفاع في داخل البحر‏..‏
كذلك تبني الرسوبيات سدا هائلا في مواجهة مجري النهر يعرف باسم حاجز توزيع الماء في مصب النهر‏ (Distributary-MouthBar)‏ يتراوح عرضه بين أربعة وستة أضعاف عرض مجري النهر‏;‏ وهذا الحاجز يفصل الماء قليل الملوحة‏(‏ المتكون نتيجة لمزج جزء من ماء النهر العذب مع ماء البحر الملح‏)‏ عن الماء العذب‏.‏ ويتكرر تكون أمثال هذا الحاجز عدة مرات علي مسافات متباعدة من مصب النهر حتي تتكون منطقة تعرف باسم منطقة توزيع ماء النهر تعمل علي مزيد من الفصل بين الأنواع الثلاثة من الماء الموجود في مصبات الأنهار وهي‏:‏ الماء العذب‏,‏ والماء قليل الملوحة‏,‏ والماء الملح‏..‏ وعلي ذلك فإن جميع النظم النهرية التي تصب في بحار تتميز بتداخلات معقدة بين كل من العمليات النهرية والبحرية‏,‏ منها عمليات المد والجزر‏,‏ التي تعمل علي اختلاط الماءين مكونة ماء متوسط الملوحة يفصل بين هذين الماءين خاصة في حالة التدفقات النهرية الضعيفة‏,‏ وتزداد عمليات الخلط بين ماء النهر وماء البحر كلما توغلنا في داخل البحر حتي يتحول الماء إلي الطبيعة البحرية الكاملة تاركا وراءه مراحل من الماء القليل الملوحة تعمل كفاصل بين الماءين‏.‏
كذلك تساعد عمليات المد والجزر علي تجميع الرسوبيات التي يلقي بها النهر علي هيئة حواجز رسوبية علي مسافات من مصب النهر‏,‏ ومتصلة بفم النهر بواسطة حواجز طولية موازية لاتجاه تدفق النهر تحول دون امتزاج مائه بماء البحر‏..‏ وفي الحالات التي يسود فيها دور عمليات المد والجزر سيادة واضحة يلاحظ أن مجري النهر يتسع عند مصبه اتساعا كبيرا علي هيئة الدلتا التي تعترضها تلال من رسوبيات النهر تعمل كذلك علي عزل مائه عن ماء البحر‏..‏
وهذه الحواجز الرسوبية الطولية والهلالية الشكل المعترضة لمجري النهر‏,‏ وكذلك الشرف النهرية الموازية لمجراه والمندفعة من فم النهر إلي داخل البحر تساعد كلها علي عزل ماء النهر العذب عن ماء البحر المحيط لأطول فترة ممكنة‏,‏ ثم يتكون بينهما نطاق من الماء قليل الملوحة يزيد من عملية الفصل تلك‏.‏ وكل من الماء العذب والماء المالح له من صفاته الطبيعية والكيميائية ما يمكنه من البقاء منفصلا انفصالا كاملا عن الآخر علي الرغم من التقاء حدودهما عند مصب النهر‏,‏ وذلك بتكوين برزخ من الرسوبيات أمام فوهة النهر ومن حوله‏,‏ ويؤدي ذلك إلي تفرع الماء العذب إلي فرعين أو فروع من حوله‏,‏ يتدفق منهما أو منها الماء العذب مكونا طبقة رقيقة طافية فوق الماء الملح‏,‏ وتختلط به عند حوافها مكونة حزاما من الماء قليل الملوحة وذلك بفعل تيارات المد والجزر‏,‏ والتيارات والأمواج البحرية المختلفة‏,‏ ويعمل هذا الحزام من الماء القليل الملوحة علي مزيد من الفصل بين المائين العذب والملح‏,‏ ولكل بيئة من هذه البيئات الثلاث‏(‏ الماء العذب‏,‏ والماء قليل الملوحة والماء الملح‏)‏ أنواع خاصة من أنواع الأحياء المائية المحدودة بحدود بيئتها‏,‏ وأنواع خاصة من الرسوبيات التي تترسب منها‏,‏ وبذلك تكون أنواع الحياة في الماء القليل الملوحة مقصورة علي تلك البيئة‏,‏ ومحجورة فيها‏,‏ أي لا تستطيع الخروج منها وإلا هلكت‏,‏ كما أن كل مجموعة من أنواع الحياة في البيئتين الأخريين لاتستطيع دخول الماء القليل الملوحة وإلا هلكت‏,‏ فيما عدا أعداد قليلة جدا منها تستطيع العبور فيها دون بقاء طويل‏,‏ ومن هنا كان هذا الماء القليل الملوحة حجرا علي الحياة الخاصة به‏,‏ ومحجورا علي الحياة في البيئتين الأخريين من حوله‏.‏
وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في العقـود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ وورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة‏,‏ مما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ ويجزم بنبوة هذا النبي الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)..‏ فسبحان الذي أنزل قوله الحق‏:‏ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا‏[‏ الفرقان‏:53]..‏
وقال‏:‏ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها‏.....‏ وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‏..

بحـہة بكـى. 6 - 8 - 2014 05:39 PM

رد: مدونة القران الكريم
 
الأستاذ الدكتور/ طه ابراهيم خليفة
أستاذ النباتات الطبية والعقاقير بجامعة الأزهر و عميدها السابق يروي ما يلي عن مادة ......
الميثالويثونيدز
هي مادة يفرزها مخ الإنسان و الحيوان بكميات قليلة. وهي مادة بروتينية بها كبريت لذا يمكنها الاتحاد بسهولة مع الزنك والحديد والفسفور. وتعتبر هذه المادة هامة جدا لحيوية جسم الإنسان ( خفض الكوليسترول – التمثيل الغذائي – تقوية القلب – وضبط التنفس.
ويزداد إفراز هذه المادة من مخ ا لإنسان تدريجيا بداية من سن 15 حتى سن 35 سنة . ثم يقل إفرازها بعد ذلك حتى سن الستين. لذلك لم يكن من السهل الحصول عليها من الإنسان. أما بالنسبة للحيوان فقد وجدت بنسبة قليلة.
لذا اتجهت الأنظار للبحث عنها في النباتات. وقام فريق من العلماء اليابانيين بالبحث عن هذه المادة السحرية و التي لها أكبر الأثر في إزالة أعراض الشيخوخة، فلم يعثروا على هذه المادة الا في نوعين من النباتات .....
التين والزيتون . وصدق الله العظيم اذ يقول في كتابه الكريم :
{ و التين والزيتون (1) وطور سنين (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِين (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ }
تفكر في قسم الله سبحانه وتعالى بالتين والزيتون وارتباط هذا القسم بخلق الانسان في أحسن تقويم ثم ردوده الى أسفل سافلين ..
وبعد أن تم استخلاصها من التين والزيتون، وجد أن استخدامها من التين وحده أو من الزيتون وحده لم يعط الفائدة المنتظرة لصحة الانسان الا بعد خلط المادة المستخلصة من التين مع مثيلتها من الزيتون. قام بعد ذلك فريق العلماء الياباني بالوقوف عند أفضل نسبة من النباتين لاعطاء أفضل تأثير.
كانت أفضل نسبة هي 1 تين : 7 زيتون
قام الأستاذ الدكتور/ طه ابراهيم خليفة بالبحث في القران الكريم فوجد أنه ورد ذكر التين مرة واحدة أما الزيتون فقد ورد ذكره صريحا ستة مرات ومرة واحدة بالاشارة ضمنيا في سورة المؤمنون
{ و شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للاكلين}
قام الأستاذ الدكتور/ طه ابراهيم خليفة بارسال كل المعلومات التي جمعها من القران الكريم الى فريق البحث الياباني. وبعد أن تأكدوا من اشارة ذكر كل ما توصلوا اليه في القران الكريم منذ أكثر من 1427 عام، أعلن رئيس فريق البحث الياباني اسلامه وقام فريق البحث بتسليم براءة الاختراع الى الأستاذ الدكتور/ طه ابراهيم خليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
{ و التين والزيتون (1) وطور سنين (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِين (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدين(7) ألَيْسَ اللَهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ(8)

بحـہة بكـى. 6 - 8 - 2014 05:40 PM

رد: مدونة القران الكريم
 
فالإعجاز العلمي في قوله تعالى: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة:4] هو أن البنان تحتوي على البصمات، والتي في الغاية من الدقة، حيث لا يتشابه اثنان في خريطة البصمات، فأقسم الله تعالى بالقيامة أنه قادر على أن يرد هذه البنان يوم القيامة كما كانت وبنفس الخريطة والدقة، وذلك في معرض الرد على المشركين الذين ينكرون المعاد ويستبعدون حشر الأجسام بعد كونها ترابا، وقد ذكر هذا المعنى كثير من المواقع المتخصصة بالإعجاز، وهذا الأمر أي عدم تطابق البصمات إنما اكتشف مؤخرا، أما المفسرون، فإنهم ذكروا أن البنان التي تحتوي على العظام الصغيرة والأظافر إذا كان الله سيعيدها كما كانت، ويؤلف بينها حتى تستوي، فمن باب أولى أن يعيد ما هو أكبر منها، انظر مثلا تفسير القرطبي .
والله أعلم.

بحـہة بكـى. 7 - 8 - 2014 12:44 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
في سياق الإنذار والتهديد للظالمين بما توعدهم الله به على ألسنة رسله الكرام، جاء قوله سبحانه: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام} (إبراهيم:47)، لنا مع هذه الآية الوقفات التالية:

الوقفة الأولى: هذه الآية الكريمة سُبقت بآية تنذر الظالمين وتتوعدهم، ينبغي استحضارها قبل الشروع عن الآية التي معنا، وهي قوله تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} (إبراهيم:42)، ففي هذه الآية إنذار للظالمين ومن شايعهم، وسار في ركابهم، أنهم لن يفلتوا من عقابه سبحانه، وأنهم آتيهم عذاب غير مردود.

الوقفة الثانية: كان النهي في الآية السابقة عن أن يُحسب أن الله تعالى تارك الظالمين، وما يفعلونه، غير مُنْزِل بهم ما يستحقون من عقاب وعذاب، جزاء وفاقاً لما يفعلون، وهنا في هذه الآية يبين سبحانه أنه مُنْزِل هذا العقاب بالظالمين؛ جزاء لظلمهم، ولأنه قد وعد رسله به، وأن الله تعالى لا يخلف رسله ما وعدهم به.

الوقفة الثالثة: الخطاب في الآية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما قاله تعالى ذكره لنبيه؛ تثبيتاً وتشديداً لعزيمته، وتعريفاً أنه مُنْزِل من سخطه بمن كذبه، وجحد نبوته، ورد عليه ما أتاه به من عند الله، مثال ما أنزل بمن سلكوا سبيلهم من الأمم الذين كانوا قبلهم. فالغرض من الآية -كما ذكر المفسرون- تثبيتُه عليه الصلاة والسلام على ما كان عليه من الثقة بالله تعالى، والتيقّن بإنجاز وعدِه المذكور المقرونِ بالأمر بإنذارهم يوم إتيان العذاب المتضمِّن لذكر تعذيب الأمم السابقة؛ بسبب كفرهم وعصيانهم رسلَهم بعد ما وعدهم بذلك، فكأنه قيل: وإذ قد وعدناك بعذاب الظالمين يوم القيامة، وأخبرناك بما يلقَوْنه من الشدائد، وبما يسألونه من الرد إلى الدنيا، وبما أجبناهم به وقرَعناهم بعدم تأملهم في أحوال من سبَقهم من الأمم الذين أهلكناهم بظلمهم بعد ما وعدنا رسلَهم بإهلاكهم، فدُمْ على ما كنت عليه من اليقين بعدم إخلافنا رسلنا وعدنا الذي وعدناهم به.

الوقفة الرابعة: ذهب عدد من المفسرين -منهم الرازي وابن كثير- إلى أن هذه الآية هي بمعنى قوله تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} (غافر:51)، وقوله سبحانه: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} (المجادلة:21)، فهاتان الآيتان والآية التي معنا تفيد أن الله سبحانه ناصر رسله لا محال، والظاهر أنه نصر في الدنيا، فالمراد إذن تقرير النصر لرسل الله في الدنيا، وغلبتهم على أعدائهم الذين ناصبوهم العداء. وذهب أبو السعود إلى أن الآية التي معنا تفيد أنه سبحانه منزل عذابه وعقابه بالظالمين، وخاصة العذاب الأخروي؛ بدليل قوله في الآية التي سبقت الآية التي معنا، وهي قوله تعالى: {إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار}، بينما الوعد في الآيتين الأُخريين بالنصر لرسل الله، ولا اختصاص له بالتعذيب، ولا سيما الأخروي.

وحاصل الخلاف أن أكثر المفسرين يرون أن الوعد في الآية إنما هو وعد بالنصر لرسل الله في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، في حين يرى أبو السعود أن الوعد في الآية إنما هو وعد بالعذاب للمعرضين عما جاء به رسل الله. وليس ثمة كبير خلاف بين الرأيين؛ إذ إن مراد القائلين بأن الوعد في الآية إنما هو وعد بنصر الله لرسله، ونصر الرسل يستدعي بالضرورة الغلبة على من عادهم وهذا لا يكون إلا بإنزال العقاب بهم، وهو عقاب في الدنيا قبل عقاب الآخرة.

الوقفة الخامسة: في هذه الآية الكريمة دليل على أن يوم القيامة كائن لا محال، وأن الله سبحانه يحاسب كلاً بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ووجه دلالة ذلك، أنه تعالى لو لم يقم القيامة، ولم ينتقم للمظلومين من الظالمين، لزم إما كونه غافلاً، وإما كونه مخلفاً في الوعد، ولما تقرر في العقول السليمة أن كل ذلك محال، كان القول بأنه لا يقيم القيامة باطلاً.

الوقفة السادسة: ذهب ابن عاشور إلى أن قوله سبحانه في الآية: {رسله} جمع مراد به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جمع مستعمل في الواحد مجازاً. وأن الآية تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الله منجز له ما وعده من نصره على الكافرين به. فأما وعده للرسل السابقين، فذلك أمر قد تحقق، فلا يناسب أن يكون مراداً من ظاهر جمع {رسله}.

الوقفة السابعة: في الآية تقديم وتأخير؛ إذ تقدير الكلام: ولا تحسبن الله مخلف رسله وعده، فقدم المفعول الثاني {وعده} على المفعول الأول {رسله}، قال المفسرون في تعليل هذا: ليُعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً، مصداق قوله سبحانه: {إن الله لا يخلف الميعاد} (آل عمران:9)، ثم قال: {رسله}؛ ليدل به على أنه تعالى لما لم يخلف وعده أحداً، وليس من شأنه إخلاف المواعيد، فكيف يخلفه رسله، الذين هم خيرته وصفوته؟

الوقفة الثامنة: يفيد ختام الآية الكريمة {إن الله عزيز ذو انتقام} أنه سبحانه ذو عزة، لا يمتنع عليه شيء أراده، ولا يغالب، و{ذو انتقام} ممن كفر برسله وكذبهم، وجحد نبوتهم، وأشرك به، واتخذ معه إلهاً غيره. فهو سبحانه لا يدع الظالم يفلت، ولا يدع الماكر ينجو.

الوقفة التاسعة: يُفهم من الآية التي معنا -وغيرها من الآيات التي في معناها- أنه سبحانه ينصر عباده الصالحين السائرين على درب المرسلين، المقيمين لشريعته، والمتمسكين بحبله المتين، والذابين عن دينه القويم، والواقفين في وجه الظالمين الصادين عن ذكر الله، كما قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} (النور:55).

الوقفة العاشرة: الأمر المهم في الآية التي معنا أنه سبحانه لا يترك الظالمين من غير حساب، فإن من أسمائه تعالى العادل، ومن صفاته سبحانه العدل، فكيف يترك عز وجل الظالمين بغير عقاب، والآية وإن كانت ساكتة عن موعد هذا العذاب أهو عذاب في الدنيا أو هو عذاب في الأخرى، فإن قراءة تاريخ الرسل السابقين، وتاريخ الدعاة المصلحين يدل على أن الله سبحانه ينزل عذابه بهؤلاء الظالمين في الدار الدنيا قبل الدار الأخرى، مصداق ذلك أخبار الجبابرة والطغاة على مر التاريخ، أمثال فرعون وهامان ومن شابههما من الطغاة الظالمين، ومن المتجبرين المتكبرين.

بحـہة بكـى. 7 - 8 - 2014 12:44 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
من الآيات التي تقرر المباينة بين دعوة الحق التي يدعو إليها سبحانه وتعالى، وقد بيَّن سُبُلَها، ودعوة أولياء الشيطان الذين يدعون الناس إلى اتباع الشهوات، فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله ما جاء في قوله سبحانه: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما} (النساء:27). الحديث عن هذه الآية تنظمه الوقفات التالية:

الوقفة الأولى: جاءت الآية الكريمة في سياق الحديث عن المحرمات من النساء والحلائل منهن، وبيان أن الله سبحانه أحل لعباده منهن ما فيه صلاحهم في الدين والدنيا، وحرم عليهم منهن ما لا خير لهم فيه، وختم سبحانه هذا البيان بقوله: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم} (النساء:26)، ثم أردف هذه الآية بآية تبين ما يحبه أصحاب الشهوات، ويسعون إليه، بقوله تعالى: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما}.

الوقفة الثانية: ذكر المفسرون أن المراد بمن وصفهم الله {ويريد الذين يتبعون الشهوات} أربعة أقوال: فقيل: هم الزناة. وقيل: هم اليهود والنصارى. وقيل: هم اليهود خاصة، وكانت إرادتهم من المسلمين اتباع شهواتهم في نكاح الأخوات من الأب. وذلك أنهم يحلون نكاحهن. والقول الرابع أن الآية عامة تشمل أهل الباطل وأهل الشهوات في دينهم، ويكون المراد من {الذين يتبعون الشهوات} الذين تغلبهم شهواتهم على مخالفة ما شرعه الله لهم من الذين لا دين لهم، وهم الذين لا ينظرون في عواقب الذنوب ومفاسدها وعقوبتها، ولكنهم يُرْضون شهواتهم الداعية إليها. وهذا القول الأخير هو المعول عليه في المراد من هذه الآية، وهو الذي ينبغي أن تُحمل عليه الآية، وهو الذي اختاره الطبري، وصححه القرطبي.

الوقفة الثالثة: (الميل) هو العدول عن طريق الاستواء، وأصله الانحراف من الوسط إلى جانب من الجوانب، ولما كان الاعتدال فيه العدل، أطلق الميل على الجور والاعتداء. و(الميل العظيم) هو البعد عن أحكام الشرع، والطعن فيها.

الوقفة الرابعة: قال ابن عاشور: "المقصد من التعرض لإرادة الذين يتبعون الشهوات تنبيه المسلمين إلى دخائل أعدائهم؛ ليعلموا الفرق بين مراد الله من الخلق، ومراد أعوان الشياطين، وهم الذين يتبعون الشهوات". فالذين {يتبعون الشهوات} يريدون من المؤمنين الانصراف عن الحق، والميل عنه إلى المعاصي والشهوات، وهذا دأبهم، وشأنهم، وديدنهم؛ إذ لا يروق لهم بحال أن يرووا المؤمنين قائمين على منهج الله؛ لأن ذلك يعكر على نهجهم الباطل، ويفسد عليهم مخططاتهم الشيطانية.

الوقفة الخامسة: إطلاق (الإرادة) في قوله تعالى: {ويريد الذين يتبعون الشهوات} على رغبة أصحاب الشهوات في ميل المسلمين عن الحق هو من باب المشاكلة للآية السابقة، وهي قوله عز وجل: {يريد الله ليبين لكم} (النساء:26). والمقصود -كما ذكر ابن عاشور-: "ويحب الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا...ولما كانت رغبتهم في ميل المسلمين عن الحق رغبة لا تخلو عن سعيهم لحصول ذلك، أشبهت رغبتهم إرادة المريد للفعل، ونظير هذا قوله تعالى: {ويريدون أن تضلوا السبيل} (النساء:44)".

الوقفة السادسة: أفادت الآية الكريمة أن هدي الله تعالى هو هدي الفطرة السليمة، التي لم تنحرف عما فطرها الله عليه، ولم تخرج عن النهج السوي، ليس فيها تحريم للطيبات ومتع الحياة، وليس فيها انطلاق إلى الأهواء والشهوات، والخروج عن سنن الفطرة المستقيمة. وأن دعوة أولياء الشيطان، وأعوان إبليس دعوة إلى الانحراف، والميل إلى جانب الشهوة ميلاً عظيماً، ينحرف بالعبد عن سبيل الفطرة السوية.

الوقفة السابعة: دلت الآية الكريمة على أن الناس في كل عصر ومصر يوجد فيهم صنفان من الدعاة : دعاة الإيمان يدعونهم إلى الحق والاعتدال بدعاية الرحمن، وهداية الأديان، لا يحرمون ما أحل الله من طيبات، ولا يحللون ما حرم الله من الخبائث والمنكرات. والثاني دعاة الشيطان، يدعونهم إلى الانحراف، وسلوك سبل الرذيلة والفاحشة، ويأمرونهم بالفاحشة، وينهونهم عن المعروف، ويحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحلَّ الله. وهم يريدون من الناس -كل الناس-أن يكونوا على شاكلتهم من الانحراف، فهم لا يكتفون منهم بمجرد الميل عن الطريق السوي، بل يريدون منهم أن يميلوا {ميلا عظيما}، وأن ينحرفوا انحرافاً مطلقاً، فيبتعدوا عن الوسط والاعتدال إلى أقصى الانحراف.

الوقفة الثامنة: المتأمل اليوم في أنشطة الناس كافة: التربوية، والتعليمية، والاجتماعية، والإعلامية، والاقتصادية، والسياسية، وغيرها من الأنشطة الإنسانية، لا يعجزه أن يقف على ما يقوم به أصحاب الشهوات لثني الناس -والمسلمين خاصة- عن طريق الرشد والهداية، والدفع بهم إلى طرق الباطل والضلال، وهم قد أفلحوا في ذلك فلاحاً ليس بالقليل، فعلى المؤمن أن يحترس لدينه، ويحتاط لأمره، ولا يدع لأصحاب الشهوات أن يميلوا به عن طريق الرشد والصواب إلى ذات اليمين وذات الشمال. ومما ينبغي أن يُستحضر في هذا الصدد قول الله تبارك وتعالى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} (البقرة:168)، وقوله عز وجل: {لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} (النور:21)، وأصحاب الشهوات هم شياطين الأنس، الذين يتلقون الأمور والتوجيهات من شياطين الجن.

بحـہة بكـى. 7 - 8 - 2014 12:45 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الحديد أساس الإعجاز في حياة الرسل -عليهم السلام- ثم بين ثلاث ركائز أساسية تشكل صمام الأمان لسائر المجتمعات حتى بعد وفاة الرسل-عليهم السلام-، وبين أنها أركان حماية الرسالات، وأعمدة نهوض منافع الناس في كل الظروف والحالات، وذلك في قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

فالرسل قد أرسلوا تصحبهم (البينات) التي هي رسائل برهانية تبين صدقهم، وتؤكد نبأ إرسالهم، وأنزل الله معهم صمام أمان النجاح لدعوتهم متمثلاً في ثلاث ركائز، كما تعطي النجاح للرسالات السماوية في إقامة مجتمعات على الشريعة السماوية، تعطي أبعادها العظيمة في حماية هذه المجتمعات من أي خلل يوجده الغلو في واحدة من هذه الجهات الثلاث، ولنفصل ذلك حسب المقام، فالركائز الثلاث التي ذكر الله تعالى أنها تشكل صمام أمان للمجتمعات أنزلها مع الأنبياء، تشير إلى ثلاث قوى عظيمة في المجتمعات، كما تشير إلى ثلاث مؤسسات:

الركيزة الأولى: {الْكِتَابَ} (المنهج):

حيث تظهر القوة العلمية التي ينبثق عنها النظام الدستوري والقانوني المطبق على جميع الفئات على قدم المساواة، وهذه الركيزة أشار الله تعالى لها في قوله: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ}، فالكتاب إشارة إلى المنهج العاصم، والقول الرباني الخالي من المعارض والمقاوم، وينبثق عنه القوة العلمية في المجالات الدينية والدنيوية وخاصة لأمة {اقْرَأْ} [العلق:1] كما أمر الله بها في أول آية نزلت من القرآن الكريم، كما أن ذكر {الكتاب} هو إشارة إلى القوة القانونية والدستورية السارية والمطبقة على الجميع على قدم المساواة.

الركيزة الثانية: {الْمِيزَانَ} (العدل):

حيث تظهر قوة العدل في توزيع الثروات وإعطاء الحقوق واستيفاء الواجبات على كل أفراد المجتمع مع التعامل مع كلٍ بما يقتضيه حاله، فمن الظلم أن يستأثر قوم دون قوم، وفئة دون فئة بالثروة الاقتصادية، أو الامتيازات الحياتية، ومن أهم العوامل التي تضرب استقرار المجتمع، وتؤدي إلى خطورة الموقف بين يدي الله تعالى في الآخرة: عدم وجود العدالة الاجتماعية بين الناس، ونلاحظ هنا أن الله تعالى ذكر العدل في الآية فقال: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، ولا يتعلق العدل بفردٍ أو بفردين، أو بمليون أو بمليونين بل بكل الرعية حسب كل راعٍ صغرت مسؤوليته أو كبرت، ولخطورة ذلك جعل النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- الإمام العادل أول من تستجاب له الدعوة في الحديث الذي فيه ذكر من تستجاب دعواتهم، وقال عليه الصلاة والسلام-فيما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما-: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)، وفي وصية عمرو بن العاص رضي الله عنه: (يا بني! احفظ علي ما أوصيك به، إمام عدل خير من مطر وبل)، وهذا يقتضي تقريب من يذكر بالله تعالى وحقوق عباده، فقد روى الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال لجلسائه: "من صحبني منكم فليصحبني بخمس خصال: يدلني من العدل ما لا أهتدي إليه، ويكون لي على الخير عوناً، ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحداً، ويؤدي الأمانة التي حملها بيني وبين الناس، فإذا كان ذلك فحيهلا، وإلا فقد خرج من صحبتي والدخول علي"، وقال عمر بن عبد العزيز لمزاحم مولاه: "إن الولاة قبلي جعلوا العيون على العوام، وأنا أجعلك عيناً على نفسي، فإن سمعت مني كلمة تربأني عنها، أو فعَالاً لا تحبه، فعظني عنده، وانهني عنه".

الركيزة الثالثة: {الْحَدِيدَ} (القوة):

الذي يشير إلى القوة العسكرية: فقد ذكر الله تعالى الحديد، وأشار إلى أهميته في حفظ النظام واستتاب الأمن، وجلب المنافع العامة للناس والتي توجد دائماً بناء على الاستقرار المعيشي فقال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:25].

المؤسسات التي تنشأ بناء على القوى الثلاث:

هذه القوى الثلاث العظيمة لا بد من التكامل بينها، وتنشأ عنها المؤسسات الكبرى في المجتمع:

- فذكر {الكتاب} يشير إلى السلطة التشريعية التي تسن القوانين وتستنبط الأحكام من الكتاب، كما يشير إلى المؤسسات العلمية التي تغرس معاني الكتاب في نفوس الأجيال، والمؤسسات التوعوية تذكر به النساء كما تذكر به الرجال.

- وذكر {الميزان} إشارة واضحة إلى السلطة القضائية والرقابية.

- وذكر {الحديد} إشارة واضحة إلى المؤسسات العسكرية والأمنية الحامية للقوتين السابقتين، ولكن ليس وفق الظلم والبطش، بل وفق منهج كتاب الرحمة للعالمين سِلماً، وحرباً.

ووجود هذه المؤسسات مؤشر حقيقي على اتجاه المجتمعات لنصرة الله تعالى مما يترتب عليه أن ينصرها؛ ولذا ختم الآية بقوله سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

الأخطار المترتبة على عدم التكامل بين القوى الثلاث:

بناء على ذلك فإن الخطاب العام لا بد أن يشير إلى هذه الركائز جميعها عند الكلام على صمام الأمان؛ إذ انفراد أحدها عن الأخرى يؤدي إلى خلل واضطراب وشقاق على المستويات الفردية والجماعية، كما يؤدي إلى الفشل في ميادين تحديات البناء والتنمية واستقرار المجتمعات:

- فانفراد القوة العسكرية دون الركيزتين الأخريين يؤدي إلى الاستبداد والظلم والفوضى المجتمعية، كما حدث مع شاوشيسكو الرئيس الأسبق لرومانيا.

- وانفراد القوة العسكرية مع القوة العلمية والنظام الدستوري والقانوني دون وجود ركيزة ميزان العدالة يؤدي إلى ظلم أكبر مبني على العلم، كما حدث مع قنبلتي هيروشيما وناجازاكي في أثناء الحرب العالمية الثانية، ومثله انفراد القوة العسكرية مع الكتاب الذي يغلو فيه أهله يؤدي إلى فعل أهل الكتاب عندما غلو في دينهم، وقالوا على الله غير الحق، ثم أحرقوا مخالفيهم، ومثلهم الخوارج حيث غلوا في دينهم، واستخدموا قوتهم لقتل المسلمين.

- كما أن انفراد ميزان العدالة عن العاملين الآخرين يؤدي إلى الانفلات والجهل لعدم وجود الضبط العسكري والقانوني، والأساس المعرف، والميزان دون وحي الرحمن تيه يقلب الحسن قبيحاً والقبيح حسناً، ويغير خَلْق الإنسان وخُلُقه...

إنه جمال القرآن وإعجازه الذي جمع الركائز الثلاث لتشكل صمام أمان لاستقرار المجتمعات، وقد قال ابن المبارك -رحمه الله- ذاكراً أهمية {الكتاب} و{الحديد} في تثبيت الوحدة الجماعية، والاستقرار الأمني وفق مبدأ العدل:


إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا

كم يدفع الله بالسلطان معضلة في ديننا رحمة منه ودنيانا

لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبا لأقوانا

الترتيب بين الأمور الأربعة:

ذكر (البينات) أولاً؛ لأنها تتعلق بإثبات صدق الرسل، فحقها أن تأتي في البداية، ولذا قال صالح –عليه السلام- {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف:73]، ومثله قال شعيب –عليه السلام- {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 85]، قال موسى –عليه السلام- {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الأعراف:105]، وقال عيسى –عليه السلام-: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:49] وبدونها يمكن للأقوام الاعتراض كما فعل قوم هود –عليه السلام- فقالوا: {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } [هود:53]، وعلى هذا قال صاحب الزبد -رحمه الله-: "أرسل رسله بمعجزات ظاهرة، للخلق باهرات".

من حكم الترتيب لهذه الركائز الثلاث –مع تطبيق ذلك على ما يتعلق بنبي الإسلام –صلى الله عليه وسلم- وأمته:

ذكر الكتاب أولاً:

لأنه يمثل المنهج المتبع الملتزم لنشر التبيان لكل ما يتعلق بأمور الحياة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولنشر الهدى والرحمة والبشرى ليقوم المجتمع ناهضاً مزدهراً يجد المتاع في الأرض إلى الحين الذي ينتقل فيه إلى منازله الأولى في الجنة إن شاء الله تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89]، وينبثق عن الكتاب: القوة العلمية المستنبطة من الكتاب، والتي ينبغي أن تقدم للعالم في قالب (بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن).

وذكر الميزان ثانياً لحكم بديعة منها:

1) لأن الميزان لا يكون إلا وفق الكتاب فهو الذي يحدد كيفية الوسطية والخيار والعدالة أو الغلو والجفاء.

2) ليطبق المجتمع الكتابَ دون غلوٍ أو جفاء معتمداً على الميزان الذي يمثله خير تمثيل تطبيقُ سيد الأنبياء وخليل رب الأرض والسماء صلى الله عليه وسلم مما نقله أزواجه رضي الله عنهن داخل بيته، ونقله أصحابه رضي الله عنهم خارج بيته، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك -فيما رواه أبو داود عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً- حيث ذكر أن من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالى فيه والجافى عنه.

3) ليكون الميزان أداة الموازنة بين القوة العلمية والدعوية المقدمة بالأسلوب الحسن المنبثقة عن الركيزة الأولى، وبين الحديد الذي يحمي المنهج الإلهي وحَمَلته من إجرام المجرمين واعتداء المعتدين.

وذكر الحديد ثالثاً لحكم بديعة:

1) الأساس في دعوة الرسل وأتباعهم من بعدهم هو الكتاب الذي يهدي البشرية لأقوم طريق، ولا بد من التعامل فيه وفق الميزان، ولكن أتباعه عرضة للإبادة من اعتداء المعتدين، وهو عرضة للتحريف والتبديل من قساة القلوب المجرمين وحلفائهم من المنافقين المتآمرين فكان لا بد من القوة الأمنية العسكرية الحامية للكتاب وحَملته، والجالبة المنافع في كبح جماح الغالين، ونزوات الجفاة الفاسقين، وتآمر المعتدين مع المنافقين؛ لذا قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:25]، وقد قال ابن تيمية: "فإن قِوام الدين بالكتاب الهادي، والحديد الناصر".

2) لأن الحديد يُلجأ إليه أخيراً بعد إصرار المعتدين على اعتدائهم، وإلا فالشريعة جاءت تدعوهم وفق مبدأ {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمصيطر}[الغاشية: 21، 22].

وفصل بين الكتاب والميزان وبين الحديد بإعادة {وَأَنزْلْنَا}:

لأن (الكتاب) هو الأصل كما قال ابن تيمية رحمه الله: "والكتاب هو الأصل، ولهذا أول ما بعث الله رسوله أنزل عليه الكتاب، ومكث بمكة لم يأمره بالسيف"، ثم اضطر النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وأصجابه رضي الله عنهم للحديد لاستخدامه كقوة ردع لحماية الكتاب وحملته، ولنشر نوره ورحمته في العالمين.

وقد أشار النسفي –رحمه الله- إلى شيء من ذلك، فجاء في "تفسيره" ما حاصله: "{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} يعني أرسلنا الملائكة إلى الأنبياء {بِالْبَيِّنَاتِ} بالحجج والمعجزات {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ} أي الوحي {وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} بالعدل ولا يظلم أحد أحداً {وَأَنزْلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ومنافع لِلنَّاسِ} في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها، أو ما يعمل بالحديد". ثم قال: والمناسبة بين هذه الأشياء الثلاثة أن الكتاب قانون الشريعة، ودستور الأحكام الدينية، يبين سبل المراشد والعهود، ويتضمن جوامع الأحكام والحدود، ويأمر بالعدل والإحسان وينهى عن البغي والطغيان، واستعمال العدل والاجتناب عن الظلم إنما يقع بآلة يقع بها التعامل، ويحصل بها التساوي والتعادل وهي الميزان.

ومن المعلوم أن (الكتاب) الجامع للأوامر الإلهية، والآلة الموضوعة للتعامل بالسوية، إنما تحض العامة على اتباعهما بالسيف الذي هو حجة الله على من جحد وعند، ونزع عن صفقة الجماعة اليد. وهو (الحديد) الذي وصف بالبأس الشديد".
وفي كلام النسفي ومن قبله ابن تيمية وما تم ذكره في المقال ما يسع الحوادث المتجددة، ويعيد للمستضعفين الآمال المتبددة لو أنهم أقاموا ما أنزل إليهم.

بحـہة بكـى. 7 - 8 - 2014 12:47 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
من الآيات التي توضح موقف المؤمنين الأتقياء مما يعتريهم من شؤون هذه الحياة الدنيا قوله تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (الأعراف:201)، فالآية تخبر عن المتقين من عباد الله، الذين أطاعوه فيما أمر، وتركوا ما عنه زجر، أنهم إذا وسوس لهم شياطين الإنس والجن، تذكروا عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله، ورجعوا إليه من قريب، وقد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه؛ إذ هم في مواجهة ما ينتابهم من وساوس الإنس والجن لا ملجأ لهم إلا إلى الله، فهو العاصم لهم مما يراد بهم، وهو المسدد خطاهم إلى الصراط القويم. ولنا مع هذه الآية الوقفات التالية:

الوقفة الأولى: قرأ جمهور القراء {طائف} وقرأ آخرون (طيف)، وهما قراءتان متواترتان، قال النحاس: معنى (طيف) في اللغة ما يتخيل في القلب، أو يُرى في النوم، وكذا معنى (طائف). وقيل: الطيف والطائف معنيان مختلفان، فالأول: التخيل. والثاني: الشيطان نفسه. وقد روي عن مجاهد أن (الطيف) هو الغضب. قال القرطبي: "ويسمى الجنون، والغضب، والوسوسة طيفاً؛ لأنه لمة من الشيطان، تشبه بلمة الخيال". وأطلق (الطائف) هنا على الخاطر الذي يخطر في النفس، يبعث على فعل شيء نهى الله عن فعله، شبه ذلك الخاطر في مبدأ جولانه في النفس بحلول الطائف قبل أن يستقر.

الوقفة الثانية: قوله سبحانه: {إذا مسهم} (المس) في أصل اللغة كاللمس، ومما يفترقان فيه أن (المس) يقال في كل ما ينال الإنسان من شر، وأذى بخلاف (اللمس). وقد ذُكر (المس) في القرآن في مواضع: مس الضر، والضراء، والبأساء، والسوء، والشر، والعذاب، والكبر، والقرح، واللغوب، والشيطان، وطائف الشيطان، ولم يذكر فيه مس الخير والنفع إلا في قوله سبحانه: {إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين} (المعارج:19-22)، فقد ذُكر {الخير} هنا في مقابلة {الشر}، ولكن المقام مقام منع الخير لا فعله، واستعمل (المس) و(المسيس) بمعنى الجماع، وهو مجاز مشهور كاستعماله في الجنون مجازاً.

الوقفة الثالثة: هذه الآية سُبقت بآية تأمر بالتعوذ من الشيطان، وهي قوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} (الأعراف:200)، وجاءت الآية التي معنا بمنـزلة التعليل للأمر بالاستعاذة من الشيطان، إذا أحس بوسوسته؛ ولذلك افتتحت بـ {إن} التي هي لمجرد الاهتمام. فيكون الغرض من الأمر بالاستعاذة بالله مجاهدةَ الشيطان، والتيقظ لكيده، وأن ذلك التيقظ سنة المتقين، ومنهج السلف الصالحين. فالآية تأكيد وتقرير لما قبلها من وجوب الاستعاذة بالله تعالى، عند وسوسة الشيطان، وأن المتقين هذه عادتهم. قال ابن عاشور: "ولعل الله ادخر خصوصية الاستعاذة لهذه الأمة، فكثر في القرآن الأمر بالاستعاذة من الشيطان، وكثر ذلك في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، كما ادخر لنا يوم الجمعة".

الوقفة الرابعة: التعبير بأداة الشرط {إذا} والفعل {مسهم} في قوله سبحانه: {إذا مسهم طائف من الشيطان} إشارة إلى أن الفزع إلى الله من الشيطان، عند ابتداء إلمام الخواطر الشيطانية بالنفس؛ لأن تلك الخواطر إذا أُمهلت، لم تلبث أن تصير عزماً، ثم عملاً.

الوقفة الخامسة: قوله تعالى: {تذكروا} المراد: تذكروا أوامر الله ووصاياه، كقوله: سبحانه: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} (آل عمران:135)، ويشمل التذكر تذكر الاستعاذة. فـ (التذكر) يعم سائر أحوال التذكر للمأمورات.

الوقفة السادسة: قوله تعالى: {فإذا هم مبصرون} (الإبصار) هنا هو يقظة الضمير، وقوة الوجدان، وسيطرة النفس على أهوائها، وشبهت هذه الحال بالبصر الدائم المستمر، الحارس على النفس أن تنفعل لداعي الشيطان. قال ابن عاشور: "استعير (الإبصار) للاهتداء، كما يستعار ضده العمى للضلال، أي: فإذا هم مهتدون ناجون من تضليل الشيطان؛ لأن الشيطان أراد إضلالهم، فسَلِمُوا من ذلك. ووَصْفُهم باسم الفاعل {مبصرون} دون الفعل (يبصرون) للدلالة على أن (الإبصار) ثابت لهم من قبل، وليس شيئاً متجدداً، ولذلك أخبر عنهم بالجملة الاسمية {هم مبصرون} الدالة على الدوام والثبات.

الوقفة السابعة: أفادت الآية الكريمة أن ذكر الله تعالى يُبَصِّر القلب بعماه إذا ضل، وما ضل الذين ضلوا إلا بتركهم لذكر الله، وأن المؤمنين الصادقين في إيمانهم لا تتمكن منهم وساوس الشيطان؛ لأنهم جعلوا وقاية لأنفسهم من خوف الله، والحرص على طاعته، فلا سبيل له إليهم، كما قال تعالى: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} فإذا ما نزغ الشيطان في قلوبهم، فوسوس لهم، أو سوَّل لهم فعل ما نهى الله عنه، فسرعان ما يستيقظ وجدانهم العامر بتقوى الله تعالى، فيتذكرون الله، ويرجون ثوابه، ويخافون عقابه، فإذا غشاوة الشيطان تزول عنهم، ويرجعون إلى ربهم، وينقلب الشيطان خاسئاً وهو حسير.

الوقفة الثامنة: التعبير باسم الموصول {الذين} من قوله تعالى: {إن الذين اتقوا} يفيد أن الباعث على ذكر الله تعالى، وحضوره في القلب واستيلائه على الإحساس والشعور بالواجب منشؤه التقوى. ويفيد هذا التصدير في الآية أن أهل التقوى لا يكونون بعيدين من ربهم، بل هم على مقربة منه، قلوبهم عامرة بذكره، فإن أصابتهم غمزة، فغفلوا، فسرعان ما يتنبهون، وسرعان ما يبصرون، وسرعان ما يرجعون.

الوقفة التاسعة: تفيد الآية الكريمة أن وسوسة الشيطان إنما تأخذ الغافلين عن أنفسهم، لا يحاسبونها على خواطرها، الغافلين عن ربهم، لا يراقبونه في أهوائها وأعمالها. وأنه لا شيء أقوى على طرد الشيطان ودحره من ذكر الله تعالى، ومراقبته في السر والجهر، فذكر الله تعالى بأي نوع من أنواعه يقوي في النفس حب الحق ودواعي الخير، ويضعف فيها الميل إلى الباطل والشر، حتى لا يكون للشيطان مدخل إليها، فهو إنما يزين لها بالباطل والشر بقدر استعدادها لأي نوع منهما. فإن وجد بالغفلة مدخلاً إلى قلب المؤمن المتقي، لا يلبث أن يشعر به; لأنه غريب عن نفسه، ومتى شعر ذكر فأبصر، فخنس الشيطان، وابتعد عنه، وإن أصاب منه غرة قبل تذكره، تاب من قريب.

الوقفة العاشرة: أن مثل المؤمن في عدم تمكن الشيطان من إغوائه، وإن تمكن من مسه، كمثل المرء الصحيح المزاج، القوي الجسم، النظيف الثوب، والبدن، والمكان، لا تجد الأمراض المفسدة للصحة استعداداً لإفساد مزاجه، وإصابته بالأمراض، فهي تظل بعيدة عنه، فإن مسه شيء منها بدخوله في معدته، أو دمه، كان ما لديه من أجهزة المناعة ما يكفي لصدها، وردها، ودحرها، والقضاء عليها. وكذلك يكون قوي الروح بالإيمان والتقوى غير مستعد لتأثير الشيطان في نفسه، فهو يطوف بها، يراقب غفلتها، فلا يلبث أن تتصدى له أجهزة المناعة لديه بالتذكر والأوبة والانتباه لهذا الدخيل.

الوقفة الحادية عشرة: أن الإنسان يشعر بقدر علمه بتنازع دواعي الخير والشر والحق والباطل في نفسه، وأن لداعية الحق والخير مَلَكاً يقويها، ولداعية الباطل والشر شيطاناً يقويها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا: (إن للشيطان لِمَّة بابن آدم، وللمَلَك لِمَّة: فأما لِمَّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لِمَّة المَلَك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله على ذلك، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ من الشيطان) ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} (البقرة:268) رواه الترمذي، والنسائي في "السنن الكبرى".

بحـہة بكـى. 7 - 8 - 2014 12:48 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
يا لهذه العظمة القرآنية في بناء المجتمع، وتقوية آواصره.


مقدمة: القرآن نور الحياة:
يقف المبتهلون الضارعون إلى الله متلهفين يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً، وينشدون بصائر القرآن لتنير حياتهم فيتألقون بنوره الذي يمشون به في الناس.. عسى أن يجدوا سبل السلام .. ويأخذوا منها أعمدة السعادة في أزمنة الظلام.
البصائر القرآنية هي أهم أعمدة الفوز لبناء الحياة، واتقاء المشكلات، والنجاة في الفتن المضلات، وبدونها يقع الإنسان في العمى والدمار، ويتردى في الهلاك والبوار {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} (الحج:31)، ويتلبط بدونها المرء تلبط الغريق، ولذا قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ}(الأنعام:104)، وفي مسلم: ((أَما بعد: أَلا أيها الناس! فَإنما أنا بشر يوشك أن يأتى رسول ربى فَأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلينِ أولهما كتاب اللَّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به)). فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: ((وأهل بيتى. أذكركم الله فى أهل بيتى. أذكركم الله فِى أهل بيتى. أذكركم الله فى أهل بيتى)) فالوصية بالقرآن للتمسك به، والوصية بأهل البيت لبرهم ومعرفة حقهم ما داموا بالكتاب متمسكين، وعند ابن حبان عن أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أبشروا وأبشروا. أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟)) قالوا: نعم قال: ((فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا))


من بصائر القرآن وأنواره في البناء الاجتماعي والسياسي: مكانة الأخ المسلم هي مكانة النفس.
عظَم الله سبحانه مكانة الأخ المسلم من أخيه تعظيماً عجيباً ثم فصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، وطبقه، فأما في القرآن فإننا نجد وصف (الآخر المسلم) بوصف فريد هو (النفس) حيث جعل الله مكانة الأخ من أخيه كمكانة نفس الإنسان من صاحبها.. فماذا يريد الإنسان أن يصنع لنفسه من خيرٍ ويقيها من شرٍّ وضير فليصنع لأخيه ذلك، فلنرصد ذلك في النظم القرآني الفريد:


الموضع الأول: قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ}(البقرة: 54)
فالمراد من قوله {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} نفس كل إنسان حقيقة لكن المراد بقوله {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}(البقرة:54) هو اقتلوا إخوانكم الذين هم بمثابة أنفسكم، ولذا روى الطبري عن ابن عباس قال: أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل - أن يقتلوا أنفسهم، قال: فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل، وأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة، فجعل يقتل بعضهم بعضا، وروى عن سَعِيد بْن جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِد قَالاَ: "قَامَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالْخناجِر يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لاَ يَحِنُّ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ قَرِيبٍ وَلاَ بَعِيدٍ".
والآية تحتمل أن يقتل الإنسان نفسه كما يفعل المنتحر لكن ذلك لم ينقله المفسرون ولا أوَلوا به هذا الموضع، فالشاهد جعل الأخ بمثابة النفس.. ترى أين نحن من آثار هذا المصطلح القرآني الفريد؟.


الموضع الثاني: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُم}(البقرة:84).
فالمراد من كلمة (أنفسكم) أي إخوانكم لأن الإنسان لا يخرج نفسه من داره بل يُخرجه غيره، ولذا قال بعدها: {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(البقرة:85).
فكأن الله تعالى يقول لا تخرجوا إخوانكم الذين هم بمثابة أنفسكم .. هل أحد منكم يقبل بأن يُهَجِّر نفسه من داره ويسلمها لأعدائه أو لخصومه؟
يا لروعة البناء القرآني لعلاقة المسلم بأخيه المسلم! فمن يحيى هذا المنهج القرآني في هذه الأيام بين الأفراد والجماعات والقبائل والأحزاب والدول؟


الموضع الثالث: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ}(البقرة:85)، وهم في الحرب لا يقتلون أنفسهم بل يقتلون إخوانهم، ولكنه بَشَّع ما يفعلون بإخوانهم وشنَّع كأنهم يقتلون أنفسهم، كما أن التعبير يدل على ما يجب أن يكون من العطف واللطف والمحبة تجاه (الآخر المسلم)، وصورت الآية هذه الصورة العجيبة التي تجعل مباشر الاعتداء يرتدع عن عدوانه لأنه لن يعتدي على أخيه بل على نفسه.


الموضع الرابع: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة:188) فقد قال الطبري: "قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولا يأكل بعضُكم مالَ بعض بالباطل. فجعل تعالى ذكره بذلك آكلَ مال أخيه بالباطل، كالآكل مالَ نَفسه بالباطل".
فلا يوجد من يأكل ماله بالباطل فالإنسان يأكل ماله بالحق، والباطل حرق للمال وإتلاف للثروة بالظلم والإنسان لا يفعل هذا بماله، فيكون معناها يعني لا تأكلوا أموال إخوانكم، ولكنه نسب الأموال إليهم كأنه يقول كما لا تحبون أن يأكل أحدكم مالكم كذلك لا تأكلوا أموال غيركم وحقوقهم.


الموضع الخامس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}(النساء:29)، وفيها الكلام السابق.


الموضع السادس: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(النساء:29)
فقد ذكر المفسرون في قوله : (ولا تقتلوا أنفسكم) عدة معانٍ، ومن أوجهها ولا يقتل أحدٌ منكم أخاه، وتحتمل معانٍ أخرى مثل الانتحار بأن يقتل الإنسان نفسه، إلا أن من معانيها أن لا يقتل بعضكم بعضا، روى السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور عن مجاهد وعطاء وعكرمة: {ولا تقتلوا أنفسكم} لا يقتل بعضكم قال: بعضا، وفي تفسير مقاتل بن سليمان: "لا يقتل بعضكم بعضا ؛ لأنكم أهل دين واحد".


الموضع السابع: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}(النور:12) والإنسان -غالبا- يظن بنفسه خيرا فالمقصود هنا ظنوا بإخوانهم، وكأن الله يقول: كما لا يحب الإنسان أن يظن به غيره إلا خيراً كذلك يجب أن يظن الأمر ذاته بغيره، فلا يظن به سوءا ولا يتكلم عنه إلا خيراً كما لا يحب أن يتكلم أحدٌ عنه إلا بالخير، ولذا قال الطبري: "وهذا عتاب من الله تعالى ذكره أهل الإيمان به فيما وقع في أنفسهم من إرجاف من أرجف في أمر عائشة بما أرجف به، يقول لهم تعالى ذكره: هلا أيها الناس إذ سمعتم ما قال أهل الإفك في عائشة ظن المؤمنون منكم والمؤمنات بأنفسهم خيرا... وقال: (بأنفسهم)، لأن أهل الإسلام كلهم بمنزلة نفس واحدة، لأنهم أهل ملة واحدة".

الموضع الثامن: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}(النور:61) والإنسان إذا دخل على بيت أحد من الناس فإنه يسلم على أهلها، وليس على نفسه، فقد قال الله في البداية: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}(النور:27) فجعل الله أهل البيوت بمثابة الأنفس، وقد روى الطبري عن الحسن وابن زيد في قوله:(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) قال: إذا دخل المسلِّمُ سُلِّم عليه، كمثل قوله:(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) إنما هو: لا تقتل أخاك المسلم.


الموضع التاسع: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُم}(الحجرات:11) والإنسان عندما يلمز لا يمكن أن يلمز نفسه إنما يلمز غيره، إلا أن الله جعل الغير بمثابة النفس، ولذا قال الطبري : "وقوله(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) يقول تعالى ذكره: ولا يغتب بعضكم بعضا أيها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض...فجعل اللامز أخاه لامزاً نفسه، لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير"، وقال القرطبي: " اللمز باليد والعين واللسان والإشارة. والهمز لا يكون إلا باللسان، وهذه الآية مثل قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}(النساء:29) أي لا يقتل بعضكم بعضاً، لان المؤمنين كنفسٍ واحدة، فكأنه بقتل أخيه قاتلٌ نفسه... والمعنى: لا يعب بعضكم بعضاً... وفي قوله{أَنْفُسَكُمْ} تنبيهٌ على أن العاقل لا يعيب نفسه، فلا ينبغي أن يعيب غيره لأنه كنفسه..."
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا وفصله ففي مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((مثل الْمؤمنينَ في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الْجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الْجسد بالسهر والحمى))، وفي البخاري عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) أي كما تحب لنفسك ينبغي أن تحب لأخيك . فأنت أذا أحببت لنفسك الولد والسيارة والزوجة والعيش الكريم كذلك يجب أن تحب لأخيك.


فانظر لهذه الجوهرة القرآنية الفريدة: الأخ المسلم هو النفس، ولاحظ الفرق عندما تقول: أنت أخي أو عندما تشعر أنه نفسك التي بين جنبيك، "فَمَا أَبْلَغَ هَذَا الْإِيجَازَ ! وَمَا أَجْدَرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِوَصْفِ الْإِعْجَازِ !".


تنبيه: من أهم مقتضيات هذه الكلمة أن يحب الإنسان الخير الدائم في الدين والدنيا لأخيه لأن حقيقة ذلك أنه يحبه لنفسه، ومن أعظم الخير نصحه ومعاتبته ومراجعته ليرجع إلى الخير الذي يفترض أن يكون حياته ودأبه، وليس النصح طعناً بأي حال من الأحوال، وهذا النصح قد يتخذ شكلاً سرياً ما دام الخلل فردياً، وقد يتخذ طابعاً علنياً إذا اقتضت المصلحة الشرعية ذلك كأن يكون الخلل فردياً ولكنه خلل علني تقتضي المصلحة إصلاحه علناً، أو كان الخلل جماعياً معلناً فإن المصلحة تقتضي العلنية غالباً، وقد يتخذ النصح والمعاتبة طريقاً لطيفاً رفيقاً وهو الغالب في الأسلوب الإسلامي، ولكنه أيضاً قد يتخذ طابعاً فيه شدة مناسبة لمقتضى الحال حيث لا يتم الارعواء والانزجار إلا به، والتفريق بين هذه الأنواع مفصلة في غير هذا المكان، والموفق فيه من رسخ علمه، وعلا خلقه، وصدقت عاطفته، ووفقه الله فأحبه. اللهم اجعلنا من الموفقين من أوليائك بفضلك ورحمتك.

لك مشتاق 7 - 8 - 2014 11:24 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
http://ghlasa.com/up/do.php?img=66

لك مشتاق 7 - 8 - 2014 11:27 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
بــلآغــه الــقــرأن الـكــريــم

من أجمل وأعظم ما قرأت فى الدقة البلاغية القرآنية التى أعجزت العالم...
***********************

فى اللغة العربية ... هناك فرق بين كلمتى ( الحية ) و( الثعبان) ..الحية تطلق على الصغير ...بينما يطلق الثعبان على الكبير المخيف...

انظروا كيف كانت دقة القرآن التى أعجزت العرب ..حينما استخدم الكلمتين..

الموقف الأول...
--------------
عندما كان موسى سائراً بأهله ليلاً فأبصر ناراً وجاء ليستأنس بها فناداه الله أن يلقي عصاه.
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى
هذا مناسب لسيدنا موسى لأن المطلوب أن يرى معجزة وليس المطلوب أن يخاف منها، لذلك تحولت العصا إلى حية صغيرة

الموقف الثانى
---------------
عندما ذهب موسى إلى فرعون فطلب منه فرعون الدليل على صدق رسالته من الله تعالى فألقى موسى عصاه

. فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ
فالمطلوب إخافة فرعون لعله يؤمن ويستيقن بصدق موسى...فتحولت هنا إلى ثعبان

الموقف الثالث
--------------
عندما اجتمع السَّحَرة وألقوا حبالهم وعصيّهم وسحروا أعين الناس، فألقى موسى عصاه.

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ

لا نجد أي حديث في هذا الموقف عن ثعبان أو حية فلماذا؟

إذا تأملنا الآيات بدقة نجد أن السحرة أوهموا الناس بأن الحبال تتحرك وتسعى، كما قال تعالى:

فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى

وهنا ليس المطلوب أن يخاف الناس بالثعبان، وليس المطلوب أن تتحول العصا إلى حية، بل المطلوب أن تتحرك العصا وتلتهم جميع الحبال والعصِيَ بشكل حقيقي، لإقناع السحرة والناس بأن حبالهم تمثل السحر والباطل، وعصا موسى تمثل الحق والصدق
ولذلك يقول تعالى:

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:01 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
فاتحة الكتاب

يقال لها : الفاتحة ، أي فاتحة الكتاب خطا ، وبها تفتح القراءة في الصلاة ، ويقال لها أيضا : أم الكتاب عند الجمهور ، وكره أنس ، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك ، قال الحسن وابن سيرين : إنما ذلك اللوح المحفوظ ، وقال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب ، ولذا كرها - أيضا - أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في [ الحديث ] الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم ويقال لها : الحمد ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه السلام عن ربه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي الحديث . فسميت الفاتحة صلاة ؛ لأنها شرط فيها . ويقال لها : الشفاء ؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا : فاتحة الكتاب شفاء من كل سم . ويقال لها : الرقية ؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أنها رقية ؟ . وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها : أساس القرآن ، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم ، وسماها سفيان بن عيينة : الواقية . وسماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها ، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة : أم القرآن عوض من غيرها ، وليس غيرها عوضا عنها . ويقال لها : سورة الصلاة والكنز ، ذكرهما الزمخشري في كشافه . وهي مكية ، قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية ، وقيل مدنية ، قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري . ويقال : نزلت مرتين : مرة بمكة ، ومرة بالمدينة ، والأول أشبه لقوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] ، والله أعلم . وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة ، وهو غريب جدا ، نقله القرطبي عنه . وهي سبع آيات بلا خلاف ، [ وقال عمرو بن عبيد : ثمان ، وقال حسين الجعفي : ستة وهذان شاذان ] . وإنما اختلفوا في البسملة : هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف ، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية ، كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء ؟ على ثلاثة أقوال ، سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة . [ ص: 102 ]

قالوا : وكلماتها خمس وعشرون كلمة ، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفا . قال البخاري في أول كتاب التفسير : وسميت أم الكتاب سورة الفاتحة ، لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة وقيل : إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته . قال ابن جرير : والعرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر - إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع - أما ، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ ، أم الرأس ، ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أما ، واستشهد بقول ذي الرمة :


على رأسه أم لنا نقتدي بها جماع أمور ليس نعصي لها أمرا


يعني : الرمح . قال : وسميت مكة : أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها ، وقيل : لأن الأرض دحيت منها .

ويقال لها أيضا : الفاتحة ؛ لأنها تفتتح بها القراءة ، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام ، وصح تسميتها بالسبع المثاني ، قالوا : لأنها تثنى في الصلاة ، فتقرأ في كل ركعة ، وإن كان للمثاني معنى آخر غير هذا ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله . قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم القرآن : هي أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي القرآن العظيم . ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به ، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هي أم القرآن ، وهي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني . وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا محمد بن غالب بن حارث ، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي ، ثنا المعافى بن عمران ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نوح بن أبي بلال ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهي أم الكتاب . [ ص: 103 ]

وقد رواه الدارقطني أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله ، وقال : كلهم ثقات . وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى : ( سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] بالفاتحة ، وأن البسملة هي الآية السابعة منها ، وسيأتي تمام هذا عند البسملة .

وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال : قيل لابن مسعود : لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟ قال : لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة . قال أبو بكر بن أبي داود : يعني حيث يقرأ في الصلاة ، قال : واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها .

وقد قيل : إن الفاتحة أول شيء نزل من القرآن ، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا [ أحدها ] وقيل : ( يا أيها المدثر كما في حديث جابر في الصحيح . وقيل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] وهذا هو الصحيح ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، والله المستعان .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:02 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
ذكر ما ورد في فضل الفاتحة

قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رحمه الله - في مسنده : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال : كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم أجبه حتى صليت وأتيته ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ . قال : قلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي . قال : ألم يقل الله : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد . قال : فأخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن . قال : نعم ، الحمد لله رب العالمين هي : السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته .

وهكذا رواه البخاري عن مسدد ، وعلي بن المديني ، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان ، به . ورواه في موضع آخر من التفسير ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق عن شعبة ، به . ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، عن أبي بن كعب ، فذكر نحوه .

وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس ، ما ينبغي التنبيه عليه ، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد [ ص: 104 ] الرحمن بن يعقوب الحرقي : أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبرهم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب ، وهو يصلي في المسجد ، فلما فرغ من صلاته لحقه ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي ، وهو يريد أن يخرج من باب المسجد ، ثم قال : إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها . قال أبي : فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ، ثم قلت : يا رسول الله ، ما السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه : ( الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي هذه السورة ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت . فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى ، كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه ، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري ، وهذا تابعي من موالي خزاعة ، وذاك الحديث متصل صحيح ، وهذا ظاهره أنه منقطع ، إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب ، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم ، والله أعلم . على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد :

حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب ، وهو يصلي ، فقال : يا أبي ، فالتفت ثم لم يجبه ، ثم قال : أبي ، فخفف . ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : السلام عليك أي رسول الله . فقال : وعليك السلام [ قال ] : ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني ؟ . قال : أي رسول الله ، كنت في الصلاة ، قال : أولست تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] . قال : بلى يا رسول الله ، لا أعود ، قال : أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت : نعم ، أي رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو ألا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني ، وأنا أتبطأ ، مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث ، فلما دنونا من الباب قلت : أي رسول الله ، ما السورة التي وعدتني قال : ما تقرأ في الصلاة ؟ . قال : فقرأت عليه أم القرآن ، قال : والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ؛ إنها السبع المثاني . [ ص: 105 ] ورواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره ، وعنده : إنها من السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته ، ثم قال : هذا حديث حسن صحيح .

وفي الباب ، عن أنس بن مالك ، ورواه عبد الله بن [ الإمام ] أحمد ، عن إسماعيل بن أبي معمر ، عن أبي أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، فذكره مطولا بنحوه ، أو قريبا منه . وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن أبي عمار حسين بن حريث ، عن الفضل بن موسى ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بيني وبين عبدي ، هذا لفظ النسائي . وقال الترمذي : حسن غريب .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا هاشم ، يعني ابن البريد حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن جابر ، قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يرد علي . قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ، وأنا خلفه حتى دخل رحله ، ودخلت أنا المسجد ، فجلست كئيبا حزينا ، فخرج علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطهر ، فقال : عليك السلام ورحمة الله ، وعليك السلام ورحمة الله ، وعليك السلام ورحمة الله ، ثم قال : ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : اقرأ : الحمد لله رب العالمين ، حتى تختمها . هذا إسناد جيد ، وابن عقيل تحتج به الأئمة الكبار ، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي ، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي ، والله أعلم . ويقال : إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي ، فيما ذكره الحافظ ابن عساكر . واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الآيات والسور على بعض ، كما هو المحكي عن كثير من العلماء ، منهم : إسحاق بن راهويه ، وأبو بكر بن العربي ، وابن الحصار من المالكية . وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك ؛ لأن الجميع كلام الله ، ولئلا يوهم التفضيل نقص [ ص: 106 ] المفضل عليه ، وإن كان الجميع فاضلا ، نقله القرطبي عن الأشعري ، وأبي بكر الباقلاني ، وأبي حاتم بن حبان البستي ، ويحيى بن يحيى ، ورواية عن الإمام مالك [ أيضا ] .

حديث آخر : قال البخاري في فضائل القرآن : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب ، حدثنا هشام ، عن محمد بن معبد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا في مسير لنا ، فنزلنا ، فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم ، وإن نفرنا غيب ، فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية ، فرقاه ، فبرئ ، فأمر له بثلاثين شاة ، وسقانا لبنا ، فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن رقية ، أو كنت ترقي ؟ قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب ، قلنا : لا تحدثوا شيئا حتى نأتي ، أو نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : وما كان يدريه أنها رقية ، اقسموا واضربوا لي بسهم .

وقال أبو معمر : حدثنا عبد الوارث ، حدثنا هشام ، حدثنا محمد بن سيرين ، حدثني معبد بن سيرين ، عن أبي سعيد الخدري بهذا .

وهكذا رواه مسلم ، وأبو داود من رواية هشام ، وهو ابن حسان ، عن ابن سيرين ، به . وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث : أن أبا سعيد هو الذي رقى ذلك السليم ، يعني : اللديغ ، يسمونه بذلك تفاؤلا .

حديث آخر : روى مسلم في صحيحه ، والنسائي في سننه ، من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل ، إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ، ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، ولن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته . وهذا لفظ النسائي .

ولمسلم نحوه حديث آخر : قال مسلم : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، هو ابن راهويه ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء ، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام . فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ، قال : اقرأ بها في نفسك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] ، قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم [ ص: 107 ] [ الفاتحة : 3 ] ، قال الله : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] ، قال مجدني عبدي - وقال مرة : فوض إلي عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] ، قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ الفاتحة : 6 ، 7 ] ، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .

وهكذا رواه النسائي ، عن إسحاق بن راهويه . وقد روياه - أيضا - عن قتيبة ، عن مالك ، عن العلاء ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة ، به وفي هذا السياق : فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل .

وكذا رواه ابن إسحاق ، عن العلاء ، وقد رواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن العلاء ، عن أبي السائب هكذا .

ورواه - أيضا - من حديث ابن أبي أويس ، عن العلاء ، عن أبيه وأبي السائب ، كلاهما عن أبي هريرة .

وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، وسألت أبا زرعة عنه فقال : كلا الحديثين صحيح ، من قال : عن العلاء ، عن أبيه ، وعن العلاء عن أبي السائب .

وقد روى هذا الحديث عبد الله ابن الإمام أحمد ، من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب مطولا .

قال ابن جرير : حدثنا صالح بن مسمار المروزي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، وله ما سأل ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم قال : أثنى علي عبدي . ثم قال : هذا لي ، وله ما بقي

وهذا غريب من هذا الوجه . [ ص: 108 ]

ثم الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه :

أحدها : أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة ، والمراد القراءة كقوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ الإسراء : 110 ] ، أي : بقراءتك كما جاء مصرحا به في الصحيح ، عن ابن عباس وهكذا قال في هذا الحديث : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ثم بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة في الصلاة فدل على عظم القراءة في الصلاة ، وأنها من أكبر أركانها ، إذ أطلقت العبادة وأريد بها جزء واحد منها وهو القراءة ؛ كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) [ الإسراء : 78 ] ، والمراد صلاة الفجر ، كما جاء مصرحا به في الصحيحين : من أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة ، وهو اتفاق من العلماء .

ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني ، وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب ، أم تجزئ هي أو غيرها ؟ على قولين مشهورين ، فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها لا تتعين ، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة ، واحتجوا بعموم قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، وبما ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن قالوا : فأمره بقراءة ما تيسر ، ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها ، فدل على ما قلناه .

والقول الثاني : أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ، ولا تجزئ الصلاة بدونها ، وهو قول بقية الأئمة : مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء ؛ واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور ، حيث قال - صلوات الله وسلامه عليه - : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج والخداج هو : الناقص كما فسر به في الحديث : غير تمام . واحتجوا - أيضا - بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب . وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، ووجه المناظرة هاهنا يطول ذكره ، وقد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك ، رحمهم الله .

ثم إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم : أنه تجب قراءتها في كل ركعة . وقال آخرون : إنما تجب قراءتها في معظم الركعات ، وقال الحسن وأكثر البصريين : إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من [ ص: 109 ] الصلوات ، أخذا بمطلق الحديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي : لا تتعين قراءتها ، بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، [ كما تقدم ] والله أعلم .

وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مرفوعا : لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها . وفي صحة هذا نظر ، وموضح تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير ، والله أعلم .

الوجه الثالث : هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم ؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء :

أحدها : أنه تجب عليه قراءتها ، كما تجب على إمامه ؛ لعموم الأحاديث المتقدمة .

والثاني : لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها ، لا في الصلاة الجهرية ولا السرية ، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ولكن في إسناده ضعف . ورواه مالك ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر من كلامه . وقد روي هذا الحديث من طرق ، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .

والقول الثالث : أنه تجب القراءة على المأموم في السرية ، لما تقدم ، ولا تجب في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا وذكر بقية الحديث .

وهكذا رواه أهل السنن ؛ أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وإذا قرأ فأنصتوا . وقد صححه مسلم بن الحجاج أيضا ، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول وهو قول قديم للشافعي ، رحمه الله ، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل . [ ص: 110 ]

والغرض من ذكر هذه المسائل هاهنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور ، والله أعلم .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا غسان بن عبيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وضعت جنبك على الفراش ، وقرأت فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:02 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
الكلام على تفسير الاستعاذة

قال الله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .

فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها ، وهو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ، ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموادة والمصافاة ، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم ، لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل ؛ كما قال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ) [ الأعراف : 27 ] وقال : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] وقال أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ الكهف : 50 ] ، وقد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين ، وكذب ، فكيف معاملته لنا وقد قال : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) [ ص : 82 ، 83 ] ، وقال تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) [ النحل : 98 ، 99 ]

قالت طائفة من القراء وغيرهم : نتعوذ بعد القراءة ، واعتمدوا على ظاهر سياق الآية ، ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة ؛ وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما ذكره ابن قلوقا عنه ، وأبو حاتم السجستاني ، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي في كتاب الكامل .

وروي عن أبي هريرة - أيضا - وهو غريب .

[ ص: 111 ] [ ونقله فخر الدين محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال : وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري ، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة ، عن مالك ، رحمه الله تعالى ، أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة ، واستغربه ابن العربي . وحكى قولا ثالثا وهو الاستعاذة أولا وآخرا جمعا بين الدليلين ، نقله فخر الدين ] .

والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها ، إنما تكون قبل التلاوة ، ومعنى الآية عندهم : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت القراءة كقوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية [ المائدة : 6 ] أي : إذا أردتم القيام . والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :

حدثنا محمد بن الحسن بن آتش حدثنا جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي الرفاعي اليشكري ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك . ويقول : لا إله إلا الله ثلاثا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه .

وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي ، وهو الرفاعي ، وقال الترمذي : هو أشهر حديث في هذا الباب . وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق ، والنفخ بالكبر ، والنفث بالشعر . كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عاصم العنزي ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة ، قال : الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، الحمد لله كثيرا ، ثلاثا ، سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا ، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه .

قال عمرو : وهمزه : الموتة ، ونفخه : الكبر ، ونفثه : الشعر .

وقال ابن ماجه : حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وهمزه ونفخه ونفثه .

قال : همزه : الموتة ، ونفثه : الشعر ، ونفخه : الكبر . [ ص: 112 ]

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا شريك ، عن يعلى بن عطاء ، عن رجل حدثه : أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله - ثلاث مرات ، وسبحان الله وبحمده ، ثلاث مرات . ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه . وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي ، حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فتمزع أنف أحدهما غضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم شيئا لو قاله ذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " ، عن يوسف بن عيسى المروزي ، عن الفضل بن موسى ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، به .

وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد ، عن زائدة ، وأبو داود عن يوسف بن موسى ، عن جرير بن عبد الحميد ، والترمذي ، والنسائي في " اليوم والليلة " عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن الثوري ، والنسائي - أيضا - من حديث زائدة بن قدامة ، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلي أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب ، قال : ما هي يا رسول الله ؟ قال : يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم . قال : فجعل معاذ يأمره ، فأبى [ ومحك ] ، وجعل يزداد غضبا . وهذا لفظ أبي داود . وقال الترمذي : مرسل ، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل ، فإنه مات قبل سنة عشرين .

قلت : وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب ، كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل ، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة ، رضي الله عنهم . قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، قال : قال سليمان بن صرد : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن عنده جلوس ، فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، [ ص: 113 ] لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني لست بمجنون .

وقد رواه - أيضا - مع مسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، من طرق متعددة ، عن الأعمش ، به .

وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا ، وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال ، والله أعلم . وقد روي أن جبريل - عليه السلام - أول ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاستعاذة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :

حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد ، استعذ . قال : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قال : قل : بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، بلسان جبريل . وهذا الأثر غريب ، وإنما ذكرناه ليعرف ، فإن في إسناده ضعفا وانقطاعا ، والله أعلم .

مسألة : وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها ، وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال : وقال ابن سيرين : إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب ، واحتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية : فاستعذ وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب . وقال بعضهم : كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته ، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه .

مسألة : وقال الشافعي في الإملاء ، يجهر بالتعوذ حكم الجهر بالاستعاذة ، وإن أسر فلا يضر ، وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة ، واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى : هل يستحب التعوذ فيها ؟ على قولين ، ورجح عدم الاستحباب ، والله أعلم . فإذا قال المستعيذ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد بعضهم : أعوذ بالله السميع العليم ، وقال آخرون : بل يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لمطابقة أمر الآية ، ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور ، والأحاديث الصحيحة - كما تقدم - أولى بالاتباع من هذا ، والله أعلم .

مسألة : ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : [ ص: 114 ] بل للصلاة ، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد ، والجمهور بعدها قبل القراءة .

ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث ، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ، ولا يقبل مصانعة ، ولا يدارى بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني ، وقال تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ] ، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر ، ومن قتله العدو البشري كان شهيدا ، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا ، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا ، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا ، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان .

فصل : والاستعاذة معناها : هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر ، والعياذة تكون لدفع الشر ، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي :


يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به ممن أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسره
ولا يهيضون عظما أنت جابره

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:03 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
معنى الاستعاذة

ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ، قوله في الأعراف : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ الأعراف : 199 ] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ، ثم قال : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] ، وقال تعالى في سورة حم السجدة : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] . [ ص: 115 ]

والشيطان معناه في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير ، وقيل : مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ، ومنهم من يقول : كلاهما صحيح في المعنى ، ولكن الأول أصح ، وعليه يدل كلام العرب ؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان ، عليه السلام :


أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال


فقال : أيما شاطن ، ولم يقل : أيما شائط .

وقال النابغة الذبياني - وهو : زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان - :


نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين


يقول : بعدت بها طريق بعيدة .

[ وقال سيبويه : العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل فعل الشيطان ولو كان من شاط ، لقالوا : تشيط ] . والشيطان مشتق من البعد على الصحيح ؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا ، قال الله تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ] . وفي مسند الإمام أحمد ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ، فقلت : أوللإنس شياطين ؟ قال : نعم . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر - أيضا - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود . فقلت : يا رسول الله ، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر فقال : الكلب الأسود شيطان . وقال ابن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ركب برذونا ، فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطان ، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي . إسناده صحيح . [ ص: 116 ]

والرجيم معناه : فعيل بمعنى مفعول ، أي : أنه مرجوم مطرود عن الخير كله ، كما قال تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ] ، وقال تعالى : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 6 - 10 ] ، وقال تعالى : ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) [ الحجر : 16 - 18 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . [ وقيل : رجيم بمعنى راجم ؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر ] .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:04 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
( بسم الله الرحمن الرحيم الحمد ( 1 ) ) .

افتتح بها الصحابة كتاب الله ، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، ثم اختلفوا : هل هي آية مستقلة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أولها ، أو أنها بعض آية من أول كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها [ إنما ] كتبت للفصل ، لا أنها آية ؟ على أقوال للعلماء سلفا وخلفا ، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع .

وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضا ، وروي مرسلا عن سعيد بن جبير . وفي صحيح ابن خزيمة ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية ، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ، وفيه ضعف ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عنها . وروى له الدارقطني متابعا ، عن أبي هريرة مرفوعا . وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما . وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا " براءة " : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وعلي . ومن التابعين : عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله . [ ص: 117 ] وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، وقال الشافعي في قول ، في بعض طرق مذهبه : هي آية من الفاتحة وليست من غيرها ، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة ، وهما غريبان .

وقال داود : هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها ، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل . وحكاه أبو بكر الرازي ، عن أبي الحسن الكرخي ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله . هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا . فأما ما يتعلق بالجهر بها بسم الله الرحمن الرحيم ، فمفرع على هذا ؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها ، وكذا من قال : إنها آية من أولها ، وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا ؛ فذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة ، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفا وخلفا ، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاوية ، وحكاه ابن عبد البر ، والبيهقي عن عمر وعلي ، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة ، وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهو غريب . ومن التابعين : عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وأبي قلابة ، والزهري ، وعلي بن الحسين ، وابنه محمد ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وأبي وائل ، وابن سيرين ، ومحمد بن المنكدر ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وابنه محمد ، ونافع مولى ابن عمر ، وزيد بن أسلم ، وعمر بن عبد العزيز ، والأزرق بن قيس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبي الشعثاء ، ومكحول ، وعبد الله بن معقل بن مقرن . زاد البيهقي : وعبد الله بن صفوان ، ومحمد ابن الحنفية . زاد ابن عبد البر : وعمرو بن دينار .

والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة ، فيجهر بها كسائر أبعاضها ، وأيضا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، وقال بعد أن فرغ : إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم . وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم .

وروى أبو داود والترمذي ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال الترمذي : وليس إسناده بذاك .

وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : صحيح وفي صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة [ ص: 118 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كانت قراءته مدا ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، يمد " بسم الله " ، ويمد " الرحمن " ، ويمد " الرحيم .

وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وصحيح ابن خزيمة ، ومستدرك الحاكم ، عن أم سلمة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته : ( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين . وقال الدارقطني : إسناده صحيح .

وروى الشافعي ، رحمه الله ، والحاكم في مستدركه ، عن أنس : أن معاوية صلى بالمدينة ، فترك البسملة ، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك ، فلما صلى المرة الثانية بسمل .

وفي هذه الأحاديث ، والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها ، فأما المعارضات والروايات الغريبة ، وتطريقها ، وتعليلها وتضعيفها ، وتقريرها ، فله موضع آخر .

وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة ، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل ، وطوائف من سلف التابعين والخلف ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثوري ، وأحمد بن حنبل .

وعند الإمام مالك : أنه لا يقرأ البسملة بالكلية ، لا جهرا ولا سرا ، واحتجوا بما في صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب الحمد لله رب العالمين . وبما في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين . ولمسلم : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها . ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل ، رضي الله عنه .

فهذه مآخذ الأئمة - رحمهم الله - في هذه المسألة وهي قريبة ؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر ، ولله الحمد والمنة .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:05 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
فضلها

قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : [ ص: 119 ] حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني ، حدثنا سلام بن وهب الجندي ، حدثنا أبي ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بسم الله الرحمن الرحيم . فقال : هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب .

وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، عن سليمان بن أحمد ، عن علي بن المبارك ، عن زيد بن المبارك ، به .

وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن مسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال المعلم : اكتب ، قال ما أكتب ؟ قال : باسم الله ، قال له عيسى : وما باسم الله ؟ قال المعلم : ما أدري . قال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرة

وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب : زبريق ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، ومسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . وهذا غريب جدا ، وقد يكون صحيحا إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات ، والله أعلم .

وقد روى جويبر ، عن الضحاك ، نحوه من قبله .

وقد روى ابن مردويه ، من حديث يزيد بن خالد ، عن سليمان بن بريدة ، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري ، وهي بسم الله الرحمن الرحيم .

وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران ، عن أبيه ، عن عمر بن ذر ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق ، وسكنت الرياح ، وهاج البحر ، وأصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء ، [ ص: 120 ] وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه .

[ وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، ليجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد ، ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث : فقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها لقول الرجل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفا وغير ذلك ] .

وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، قال : سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال : عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : تعس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب .

هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال : لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، ولكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة . فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ ولهذا تستحب في أول كل عمل بسم الله الرحمن الرحيم وقول . فتستحب في أول الخطبة لما جاء : كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم ، فهو أجذم ، [ وتستحب البسملة عند دخول الخلاء ولما ورد من الحديث في ذلك ] ، وتستحب في أول الوضوء لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن ، من رواية أبي هريرة ، وسعيد بن زيد ، وأبي سعيد مرفوعا : لا وضوء لمن لم [ ص: 121 ] يذكر اسم الله عليه ، وهو حديث حسن . ومن العلماء من أوجبها عند الذكر هاهنا ، ومنهم من قال بوجوبها مطلقا ، وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة ، وأوجبها آخرون عند الذكر ، ومطلقا في قول بعضهم ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله ، وقد ذكر الرازي في تفسيره في فضل البسملة أحاديث منها : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أتيت أهلك فسم الله ؛ فإنه إن ولد لك ولد كتب لك بعدد أنفاسه وأنفاس ذريته حسنات وهذا لا أصل له ، ولا رأيته في شيء من الكتب المعتمد عليها ولا غيرها .

وهكذا تستحب عند الأكل لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة : قل : باسم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك . ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه ، وكذلك تستحب عند الجماع لما في الصحيحين ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا .

ومن هاهنا ينكشف لك أن القولين عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء في قولك : باسم الله ، هل هو اسم أو فعل متقاربان وكل قد ورد به القرآن ؛ أما من قدره باسم ، تقديره : باسم الله ابتدائي ، فلقوله تعالى : ( وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ) [ هود : 41 ] ، ومن قدره بالفعل [ أمرا وخبرا نحو : أبدأ ببسم الله أو ابتدأت ببسم الله ] ، فلقوله : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] وكلاهما صحيح ، فإن الفعل لا بد له من مصدر ، فلك أن تقدر الفعل ومصدره ، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله ، إن كان قياما أو قعودا أو أكلا أو شربا أو قراءة أو وضوءا أو صلاة ، فالمشروع ذكر [ اسم ] الله في الشروع في ذلك كله ، تبركا وتيمنا واستعانة على الإتمام والتقبل ، والله أعلم ؛ ولهذا روى ابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : إن أول ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد قل : أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قال : قل : بسم الله الرحمن الرحيم قال : قال له جبريل : قل : باسم الله يا محمد ، يقول : اقرأ بذكر الله ربك ، وقم ، واقعد بذكر الله . [ هذا ] لفظ ابن جرير .

وأما مسألة الاسم : هل هو المسمى أو غيره ؟ ففيها للناس ثلاثة أقوال :

[ أحدها : أن الاسم هو المسمى ، وهو قول أبي عبيدة وسيبويه ، واختاره الباقلاني وابن فورك ، وقال فخر الدين الرازي - وهو محمد بن عمر المعروف بابن خطيب الري - في مقدمات تفسيره : [ ص: 122 ]

قالت الحشوية والكرامية والأشعرية : الاسم نفس المسمى وغير التسمية ، وقالت المعتزلة : الاسم غير المسمى ونفس التسمية ، والمختار عندنا أن الاسم غير المسمى وغير التسمية ، ثم نقول : إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة ، فالعلم الضروري حاصل أنه غير المسمى ، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى ، فهذا يكون من باب إيضاح الواضحات وهو عبث ، فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث .

ثم شرع يستدل على مغايرة الاسم للمسمى ، بأنه قد يكون الاسم موجودا والمسمى مفقودا كلفظة المعدوم ، وبأنه قد يكون للشيء أسماء متعددة كالمترادفة وقد يكون الاسم واحدا والمسميات متعددة كالمشترك ، وذلك دال على تغاير الاسم والمسمى ، وأيضا فالاسم لفظ وهو عرض والمسمى قد يكون ذاتا ممكنة أو واجبة بذاتها ، وأيضا فلفظ النار والثلج لو كان هو المسمى لوجد اللافظ بذلك حر النار أو برد الثلج ونحو ذلك ، ولا يقوله عاقل ، وأيضا فقد قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) [ الأعراف : 180 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن لله تسعة وتسعين اسما ، فهذه أسماء كثيرة والمسمى واحد وهو الله تعالى ، وأيضا فقوله : ( ولله الأسماء الحسنى أضافها إليه ، كما قال : ( فسبح باسم ربك العظيم ) [ الواقعة : 74 ، 96 ] ونحو ذلك . والإضافة تقتضي المغايرة وقوله : ( فادعوه بها أي : فادعوا الله بأسمائه ، وذلك دليل على أنها غيره ، واحتج من قال : الاسم هو المسمى ، بقوله تعالى : ( تبارك اسم ربك ) [ الرحمن : 78 ] والمتبارك هو الله . والجواب : أن الاسم معظم لتعظيم الذات المقدسة ، وأيضا فإذا قال الرجل : زينب طالق - يعني : امرأته طالق - طلقت ، ولو كان الاسم غير المسمى لما وقع الطلاق ، والجواب : أن المراد أن الذات المسماة بهذا الاسم طالق . قال الرازي : وأما التسمية فإنها جعل الاسم معينا لهذه الذات فهي غير الاسم أيضا ، والله أعلم ] .

الله علم على الرب تبارك وتعالى ، يقال : إنه الاسم الأعظم ؛ لأنه يوصف بجميع الصفات ، كما قال تعالى : ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) [ الحشر : 22 - 24 ] ، فأجرى الأسماء الباقية كلها صفاتا له ، كما قال تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وقال تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ الإسراء : 110 ] وفي الصحيحين ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ، وجاء تعدادها في رواية الترمذي ، [ وابن [ ص: 123 ] ماجه وبين الروايتين اختلاف زيادات ونقصان ، وقد ذكر فخر الدين الرازي في تفسيره عن بعضهم أن لله خمسة آلاف اسم : ألف في الكتاب والسنة الصحيحة ، وألف في التوراة ، وألف في الإنجيل ، وألف في الزبور ، وألف في اللوح المحفوظ ] .

وهو اسم لم يسم به غيره تبارك وتعالى ؛ ولهذا لا يعرف في كلام العرب له اشتقاق من فعل ويفعل ، فذهب من ذهب من النحاة إلى أنه اسم جامد لا اشتقاق له . وقد نقل القرطبي عن جماعة من العلماء منهم الشافعي والخطابي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم ، وروي عن الخليل وسيبويه أن الألف واللام فيه لازمة . قال الخطابي : ألا ترى أنك تقول : يا الله ، ولا تقول : يا الرحمن ، فلولا أنه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام . وقيل : إنه مشتق ، واستدلوا عليه بقول رؤبة بن العجاج :


لله در الغانيات المده سبحن واسترجعن من تألهي


فقد صرح الشاعر بلفظ المصدر ، وهو التأله ، من أله يأله إلاهة وتألها ، كما روي أن ابن عباس قرأ : ويذرك وإلاهتك قال : عبادتك ، أي أنه كان يعبد ولا يعبد ، وكذا قال مجاهد وغيره .

وقد استدل بعضهم على كونه مشتقا بقوله : ( وهو الله في السماوات وفي الأرض ) [ الأنعام : 3 ] أي : المعبود في السماوات والأرض ، كما قال : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) [ الزخرف : 84 ] ، ونقل سيبويه عن الخليل : أن أصله : إلاه ، مثل فعال ، فأدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة ، قال سيبويه : مثل الناس ، أصله : أناس ، وقيل : أصل الكلمة : لاه ، فدخلت الألف واللام للتعظيم وهذا اختيار سيبويه . قال الشاعر :


لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتخزوني


قال القرطبي : بالخاء المعجمة ، أي : فتسوسني ، وقال الكسائي والفراء : أصله : الإله ، حذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية ، كما قال : ( لكنا هو الله ربي ) [ الكهف : 38 ] أي : لكن أنا ، وقد قرأها كذلك الحسن ، قال القرطبي : ثم قيل : هو مشتق من وله : إذا تحير ، والوله ذهاب العقل ؛ يقال : رجل واله ، وامرأة ولهى ، وماء موله : إذا أرسل في الصحاري ، فالله تعالى تتحير أولو الألباب والفكر في حقائق صفاته ، فعلى هذا يكون أصله : ولاه ، فأبدلت الواو همزة ، كما قالوا في وشاح : أشاح ، ووسادة : أسادة ، وقال فخر الدين الرازي : وقيل : إنه مشتق من ألهت إلى فلان ، أي : سكنت إليه ، فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره ، والأرواح لا تفرح إلا بمعرفته ؛ لأنه الكامل على الإطلاق دون [ ص: 124 ] غيره قال الله تعالى : ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) [ الرعد : 28 ] قال : وقيل : من لاه يلوه : إذا احتجب . وقيل : اشتقاقه من أله الفصيل ، إذ ولع بأمه ، والمعنى : أن العباد مألوهون مولعون بالتضرع إليه في كل الأحوال ، قال : وقيل : مشتق من أله الرجل يأله : إذا فزع من أمر نزل به فألهه ، أي : أجاره ، فالمجير لجميع الخلائق من كل المضار هو الله سبحانه ؛ لقوله تعالى : ( وهو يجير ولا يجار عليه ) [ المؤمنون : 88 ] ، وهو المنعم لقوله : ( وما بكم من نعمة فمن الله ) [ النحل : 53 ] وهو المطعم لقوله : ( وهو يطعم ولا يطعم ) [ الأنعام : 14 ] وهو الموجد لقوله : ( قل كل من عند الله ) [ النساء : 78 ] .

وقد اختار فخر الدين أنه اسم علم غير مشتق البتة ، قال : وهو قول الخليل وسيبويه وأكثر الأصوليين والفقهاء ، ثم أخذ يستدل على ذلك بوجوه :

منها : أنه لو كان مشتقا لاشترك في معناه كثيرون ، ومنها : أن بقية الأسماء تذكر صفاتا له ، فتقول : الله الرحمن الرحيم الملك القدوس ، فدل أنه ليس بمشتق ، قال : فأما قوله تعالى : ( العزيز الحميد الله ) [ إبراهيم : 1 ، 2 ] على قراءة الجر فجعل ذلك من باب عطف البيان ، ومنها قوله تعالى : ( هل تعلم له سميا ) [ مريم : 65 ] ، وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامدا غير مشتق نظر ، والله أعلم .

وحكى فخر الدين عن بعضهم أنه ذهب إلى أن اسم الله تعالى عبراني لا عربي ، ثم ضعفه ، وهو حقيق بالتضعيف كما قال ، وقد حكى فخر الدين هذا القول ثم قال : واعلم أن الخلق قسمان : واصلون إلى ساحل بحر المعرفة ، ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة ؛ فكأنهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم ، وأما الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال ، فتاهوا في ميادين الصمدية ، وبادوا في عرصة الفردانية ، فثبت أن الخلق كلهم والهون في معرفته ، وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال : لأن الخلق يألهون إليه بنصب اللام وجرها لغتان ، وقيل : إنه مشتق من الارتفاع ، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع : لاها ، وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس : لاهت .

وأصل ذلك الإله ، فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة ، فالتقت اللام التي هي عينها مع اللام الزائدة في أولها للتعريف فأدغمت إحداهما في الأخرى ، فصارتا في اللفظ لاما واحدة مشددة ، وفخمت تعظيما ، فقيل : الله .

الرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ، ورحمن أشد مبالغة من رحيم ، وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا ، وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك ، كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام ، أنه قال : والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرة . [ ص: 125 ]

وقد زعم بعضهم أنه غير مشتق إذ لو كان كذلك لاتصل بذكر المرحوم وقد قال : ( وكان بالمؤمنين رحيما ) [ الأحزاب : 43 ] ، وحكى ابن الأنباري في الزاهر عن المبرد : أن الرحمن اسم عبراني ليس بعربي ، وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن : وقال أحمد بن يحيى : الرحيم عربي ، والرحمن عبراني ، فلهذا جمع بينهما . قال أبو إسحاق : وهذا القول مرغوب عنه . وقال القرطبي : والدليل على أنه مشتق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالى : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته . قال : وهذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق .

قال : وإنكار العرب لاسم الرحمن لجهلهم بالله وبما وجب له ، قال القرطبي : هما بمعنى واحد كندمان ونديم قاله أبو عبيد ، وقيل : ليس بناء فعلان كفعيل ، فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل نحو قولك : رجل غضبان ، وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول ، قال أبو علي الفارسي : الرحمن : اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى ، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين ، قال الله تعالى : ( وكان بالمؤمنين رحيما ) [ الأحزاب : 43 ] ، وقال ابن عباس : هما اسمان رقيقان ، أحدهما أرق من الآخر ، أي أكثر رحمة ، ثم حكي عن الخطابي وغيره : أنهم استشكلوا هذه الصفة ، وقالوا : لعله أرفق كما جاء في الحديث : إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وإنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف . وقال ابن المبارك : الرحمن إذا سئل أعطى ، والرحيم إذا لم يسأل يغضب ، وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يسأل الله يغضب عليه ، وقال بعض الشعراء :


لا تطلبن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تغلق
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
[ ص: 126 ] قال ابن جرير : حدثنا السري بن يحيى التميمي ، حدثنا عثمان بن زفر ، سمعت العرزمي يقول : الرحمن الرحيم ، قال : الرحمن لجميع الخلق ، الرحيم ، قال : بالمؤمنين . قالوا : ولهذا قال : ( ثم استوى على العرش الرحمن ) [ الفرقان : 59 ] وقال : ( الرحمن على العرش استوى ) [ طه : 5 ] فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته ، وقال : ( وكان بالمؤمنين رحيما ) [ الأحزاب : 43 ] فخصهم باسمه الرحيم ، قالوا : فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه ، والرحيم خاصة بالمؤمنين ، لكن جاء في الدعاء المأثور : رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما .

واسمه تعالى " الرحمن " خاص به لم يسم به غيره كما قال تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى وقال تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ولما تجهرم مسيلمة الكذاب وتسمى برحمن اليمامة كساه الله جلباب الكذب وشهر به ؛ فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب ، فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر ، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب .

وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن ؛ لأنه أكد به ، والتأكيد لا يكون إلا أقوى من المؤكد ، والجواب أن هذا ليس من باب التوكيد ، وإنما هو من باب النعت [ بعد النعت ] ولا يلزم فيه ما ذكروه ، وعلى هذا فيكون تقدير اسم الله الذي لم يسم به أحد غيره ، ووصفه أولا بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره ، كما قال تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ الإسراء : 110 ] . وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة . وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به غيره حيث قال : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) [ التوبة : 128 ] كما وصف غيره بذلك من أسمائه في قوله : ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ) [ الإنسان : 2 ] .

والحاصل : أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره ، ومنها ما لا يسمى به غيره ، كاسم الله والرحمن والخالق والرزاق ونحو ذلك ؛ فلهذا بدأ باسم الله ، ووصفه بالرحمن ؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم ؛ لأن التسمية أولا إنما تكون بأشرف الأسماء ، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص .

فإن قيل : فإذا كان الرحمن أشد مبالغة ؛ فهلا اكتفي به عن الرحيم ؟ فقد روي عن عطاء الخراساني ما معناه : أنه لما تسمى غيره تعالى بالرحمن ، جيء بلفظ الرحيم ليقطع التوهم بذلك ، فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى . كذا رواه ابن جرير عن عطاء . ووجهه بذلك ، والله أعلم .

وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن ، حتى رد الله عليهم ذلك بقوله : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ الإسراء : 110 ] ؛ ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقالوا : لا نعرف الرحمن ولا الرحيم . رواه البخاري ، وفي بعض الروايات : لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة . وقال تعالى : ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ) [ الفرقان : 60 ] . [ ص: 127 ]

والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنت في كفرهم ؛ فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله تعالى بالرحمن ، قال ابن جرير : وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهال ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ألا قضب الرحمن ربي يمينها


وقال سلامة بن جندل الطهوي :


عجلتم علينا عجلتينا عليكم وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق


وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : الرحمن : الفعلان من الرحمة ، وهو من كلام العرب ، وقال : ( الرحمن الرحيم ) [ الفاتحة : 3 ] الرقيق الرفيق بمن أحب أن يرحمه ، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه ، وكذلك أسماؤه كلها .

وقال ابن جرير أيضا : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : الرحمن اسم ممنوع .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد [ بن ] يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني أبو الأشهب ، عن الحسن ، قال : الرحمن : اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه ، تسمى به تبارك وتعالى .

وقد جاء في حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع قرآنه حرفا حرفا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، فقرأ بعضهم كذلك وهم طائفة من الكوفيين ومنهم من وصلها بقوله : ( الحمد لله رب العالمين وكسرت الميم لالتقاء الساكنين وهم الجمهور . وحكى الكسائي عن بعض العرب أنها تقرأ بفتح الميم وصلة الهمزة فيقولون : ( بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين فنقلوا حركة الهمزة إلى الميم بعد تسكينها كما قرئ قوله تعالى : ( الم الله لا إله إلا هو قال ابن عطية : ولم ترد بهذه قراءة عن أحد فيما علمت .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:05 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
الحمد لله رب العالمين ( 2 ) ) .

القراء السبعة على ضم الدال من قوله : ( الحمد لله وهو مبتدأ وخبر . وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج أنهما قالا الحمد لله بالنصب وهو على إضمار فعل ، وقرأ ابن أبي [ ص: 128 ] عبلة : ( الحمد لله بضم الدال واللام إتباعا للثاني الأول وله شواهد لكنه شاذ ، وعن الحسن وزيد بن علي : الحمد لله بكسر الدال إتباعا للأول الثاني .

قال أبو جعفر بن جرير : معنى الحمد لله الشكر لله خالصا دون سائر ما يعبد من دونه ، ودون كل ما برأ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، ولا يحيط بعددها غيره أحد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق ، وغذاهم به من نعيم العيش ، من غير استحقاق منهم ذلك عليه ، ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه ، من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم ، فلربنا الحمد على ذلك كله أولا وآخرا .

[ وقال ابن جرير : الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال : قولوا : الحمد لله ] .

قال : وقد قيل : إن قول القائل : ( الحمد لله ، ثناء عليه بأسمائه وصفاته الحسنى ، وقوله : الشكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه ، ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد والشكر مكان الآخر .

[ وقد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق وابن عطاء من الصوفية . وقال ابن عباس : الحمد لله كلمة كل شاكر ، وقد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل : الحمد لله شكرا ] .

وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر ؛ لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية ، والشكر لا يكون إلا على المتعدية ، ويكون بالجنان واللسان والأركان ، كما قال الشاعر :


أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا


ولكنهم اختلفوا : أيهما أعم ، الحمد أو الشكر ؟ على قولين ، والتحقيق أن بينهما عموما وخصوصا ، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه ؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية ، تقول : حمدته لفروسيته وحمدته لكرمه . وهو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول ، والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه ، لأنه يكون بالقول والعمل والنية ، كما تقدم ، وهو أخص ؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية ، لا يقال : شكرته لفروسيته ، وتقول : شكرته على كرمه وإحسانه إلي . هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين ، والله أعلم .

وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري : الحمد نقيض الذم ، تقول : حمدت الرجل أحمده حمدا [ ص: 129 ] ومحمدة ، فهو حميد ومحمود ، والتحميد أبلغ من الحمد ، والحمد أعم من الشكر . وقال في الشكر : هو الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف ، يقال : شكرته ، وشكرت له . وباللام أفصح .

[ وأما المدح فهو أعم من الحمد ؛ لأنه يكون للحي وللميت وللجماد - أيضا - كما يمدح الطعام والمال ونحو ذلك ، ويكون قبل الإحسان وبعده ، وعلى الصفات المتعدية واللازمة أيضا فهو أعم ] .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:06 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
ذكر أقوال السلف في الحمد

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو معمر القطيعي ، حدثنا حفص ، عن حجاج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال عمر : قد علمنا سبحان الله ، ولا إله إلا الله ، فما الحمد لله ؟ فقال علي : كلمة رضيها الله لنفسه .

ورواه غير أبي معمر ، عن حفص ، فقال : قال عمر لعلي ، وأصحابه عنده : لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، قد عرفناها ، فما الحمد لله ؟ قال علي : كلمة أحبها [ الله ] لنفسه ، ورضيها لنفسه ، وأحب أن تقال .

وقال علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، قال : قال ابن عباس : الحمد لله كلمة الشكر ، وإذا قال العبد : الحمد لله ، قال : شكرني عبدي . رواه ابن أبي حاتم .

وروى - أيضا - هو وابن جرير ، من حديث بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : أنه قال : الحمد لله هو الشكر لله والاستخذاء له ، والإقرار له بنعمه وهدايته وابتدائه وغير ذلك .

وقال كعب الأحبار : الحمد لله ثناء الله . وقال الضحاك : الحمد لله رداء الرحمن . وقد ورد الحديث بنحو ذلك .

قال ابن جرير : حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني عيسى بن إبراهيم ، عن موسى بن أبي حبيب ، عن الحكم بن عمير ، وكانت له صحبة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا [ ص: 130 ] قلت : الحمد لله رب العالمين ، فقد شكرت الله ، فزادك .

وقد روى الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا روح ، حدثنا عوف ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، قال : قلت : يا رسول الله ، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي ، تبارك وتعالى ؟ فقال : أما إن ربك يحب الحمد .

ورواه النسائي ، عن علي بن حجر ، عن ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، به .

وروى الترمذي ، والنسائي وابن ماجه ، من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير ، عن طلحة بن خراش ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله . وقال الترمذي : حسن غريب .

وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ . وقال القرطبي في تفسيره ، وفي نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال : الحمد لله ، لكان الحمد لله أفضل من ذلك . قال القرطبي وغيره : أي لكان إلهامه الحمد لله أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا ؛ لأن ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى ، قال الله تعالى : المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا [ الكهف : 46 ] . وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم : أن عبدا من عباد الله قال : يا رب ، لك الحمد كما ينبغي [ ص: 131 ] لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها ، فصعدا إلى السماء فقالا يا رب ، إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها ، قال الله - وهو أعلم بما قال عبده - : ماذا قال عبدي ؟ قالا يا رب إنه قد قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . فقال الله لهما : اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها .

وحكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا : قول العبد : الحمد لله رب العالمين ، أفضل من قول : لا إله إلا الله ؛ لاشتمال " الحمد لله رب العالمين " على التوحيد مع الحمد ، وقال آخرون : لا إله إلا الله أفضل لأنها الفصل بين الإيمان والكفر ، وعليها يقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله كما ثبت في الحديث المتفق عليه وفي الحديث الآخر في السنن : أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وقد تقدم عن جابر مرفوعا : أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله . وحسنه الترمذي .

والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد ، وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث : اللهم لك الحمد كله ، ولك الملك كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله الحديث .

رب العالمين والرب هو : المالك المتصرف ، ويطلق في اللغة على السيد ، وعلى المتصرف للإصلاح ، وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى .

[ ولا يستعمل الرب لغير الله ، بل بالإضافة تقول : رب الدار ، رب كذا ، وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل ، وقد قيل : إنه الاسم الأعظم ] . والعالمين : جمع عالم ، [ وهو كل موجود سوى الله عز وجل ] ، والعالم جمع لا واحد له من لفظه ، والعوالم أصناف المخلوقات [ في السماوات والأرض ] في البر والبحر ، وكل قرن منها وجيل يسمى عالما أيضا .

قال بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] الحمد لله الذي له الخلق كله ، السماوات والأرضون ، ومن فيهن وما بينهن ، مما نعلم ، وما لا نعلم .

وفي رواية سعيد بن جبير ، وعكرمة ، عن ابن عباس : رب الجن والإنس . وكذلك قال سعيد بن [ ص: 132 ] جبير ، ومجاهد وابن جريج ، وروي عن علي [ نحوه ] . وقال ابن أبي حاتم : بإسناد لا يعتمد عليه .

واستدل القرطبي لهذا القول بقوله : ( ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] وهم الجن والإنس . وقال الفراء وأبو عبيدة : العالم عبارة عما يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين ولا يقال للبهائم : عالم ، وعن زيد بن أسلم وأبي عمرو بن العلاء : كل ما له روح يرتزق . وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم - وهو آخر خلفاء بني أمية ويعرف بالجعد ويلقب بالحمار - أنه قال : خلق الله سبعة عشر ألف عالم أهل السماوات وأهل الأرض عالم واحد وسائر ذلك لا يعلمه إلا الله ، عز وجل .

وقال قتادة : رب العالمين ، كل صنف عالم . وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى رب العالمين قال : الإنس عالم ، والجن عالم ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم ، أو أربعة عشر ألف عالم ، هو يشك ، من الملائكة على الأرض ، وللأرض أربع زوايا ، في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم ، وخمسمائة عالم ، خلقهم [ الله ] لعبادته . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .

[ وهذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الفرات ، يعني ابن الوليد ، عن معتب بن سمي ، عن تبيع ، يعني الحميري ، في قوله : رب العالمين قال : العالمين ألف أمة فستمائة في البحر ، وأربعمائة في البر .

[ وحكي مثله عن سعيد بن المسيب ] .

وقد روي نحو هذا مرفوعا كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى في مسنده :

حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبيد بن واقد القيسي ، أبو عباد ، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قل الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها فسأل عنه ، فلم يخبر بشيء ، فاغتم لذلك ، فأرسل راكبا يضرب إلى اليمن ، وآخر إلى الشام ، وآخر إلى العراق ، يسأل : هل رئي من الجراد شيء أم لا ؟ قال : فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد ، فألقاها بين يديه ، فلما رآها كبر ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ ص: 133 ] خلق الله ألف أمة ، ستمائة في البحر وأربعمائة في البر ، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد ، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه . محمد بن عيسى هذا - وهو الهلالي - ضعيف .

وحكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال : لله ألف عالم ؛ ستمائة في البحر وأربعمائة في البر ، وقال وهب بن منبه : لله ثمانية عشر ألف عالم ؛ الدنيا عالم منها . وقال مقاتل : العوالم ثمانون ألفا . وقال كعب الأحبار : لا يعلم عدد العوالم إلا الله عز وجل . نقله كله البغوي ، وحكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : إن لله أربعين ألف عالم ؛ الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها ، وقال الزجاج : العالم كل ما خلق الله في الدنيا والآخرة . قال القرطبي : وهذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين ، كقوله : قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين والعالم مشتق من العلامة ( قلت ) : لأنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته كما قال ابن المعتز :


فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:07 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
قوله : ( الرحمن الرحيم ) تقدم الكلام عليه في البسملة بما أغنى عن إعادته .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:07 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
مالك يوم الدين ( 4 )

قرأ بعض القراء : ملك يوم الدين وقرأ آخرون : مالك . وكلاهما صحيح متواتر في السبع .

[ ويقال : مليك أيضا ، وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ : ملكي يوم الدين وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى ، وكلاهما صحيحة حسنة ، ورجح الزمخشري " ملك " ؛ لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله : ( لمن الملك اليوم وقوله : ( قوله الحق وله الملك وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ ملك يوم الدين على أنه فعل وفاعل ومفعول ، وهذا شاذ غريب جدا ] . وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئا غريبا حيث قال : حدثنا أبو عبد الرحمن الأذرمي ، حدثنا عبد الوهاب عن عدي بن الفضل ، عن أبي المطرف ، عن ابن شهاب : أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون : ( مالك يوم الدين وأول من أحدث ملك مروان . قلت : مروان عنده علم بصحة ما قرأه ، لم يطلع عليه ابن شهاب ، والله أعلم .

وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها : ( مالك يوم الدين ومالك مأخوذ من الملك ، كما قال : ( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) [ مريم : 40 ] وقال : ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) [ الناس : 1 ، 2 ] وملك : مأخوذ من الملك كما قال تعالى : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [ غافر : 16 ] وقال : ( قوله الحق وله الملك ) [ الأنعام : 73 ] وقال : ( الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ) [ الفرقان : 26 ] . [ ص: 134 ]

وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه ، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين ، وذلك عام في الدنيا والآخرة ، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئا ، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه ، كما قال : ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ : 38 ] وقال تعالى : ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) [ طه : 108 ] ، وقال : ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [ هود : 105 ] .

وقال الضحاك عن ابن عباس : ( مالك يوم الدين يقول : لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما ، كملكهم في الدنيا . قال : ويوم الدين يوم الحساب للخلائق ، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، إلا من عفا عنه . وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف ، وهو ظاهر .

وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى تفسير مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته ، ثم شرع يضعفه .

والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم ، وأن كلا من القائلين بهذا وبما قبله يعترف بصحة القول الآخر ، ولا ينكره ، ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا ، كما قال : ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) [ الفرقان : 26 ] والقول الثاني يشبه قوله : ( ويوم يقول كن فيكون ، [ الأنعام : 73 ] والله أعلم .

والملك في الحقيقة هو الله عز وجل ؛ قال الله تعالى : ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله ، وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ وفي القرآن العظيم : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى : ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ، وكان وراءهم ملك إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وفي الصحيحين : ( مثل الملوك على الأسرة ) .

والدين الجزاء والحساب ؛ كما قال تعالى : ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ، وقال : ( أئنا لمدينون أي مجزيون محاسبون ، وفي الحديث : الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت أي حاسب نفسه لنفسه ؛ كما قال عمر رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم : ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:08 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
( إياك نعبد وإياك نستعين ( 5 ) ) .

[ قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من إياك وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر وهي قراءة شاذة مردودة ؛ لأن إيا ضوء الشمس . وقرأ بعضهم : أياك بفتح الهمزة وتشديد الياء ، وقرأ بعضهم : هياك بالهاء بدل الهمزة ، كما قال الشاعر :


فهياك والأمر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره


و نستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم وقيس ] . العبادة في اللغة من الذلة ، يقال : طريق معبد ، وبعير معبد ، أي : مذلل ، وفي الشرع : عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف .

وقدم المفعول وهو إياك ، وكرر ؛ للاهتمام والحصر ، أي : لا نعبد إلا إياك ، ولا نتوكل إلا عليك ، وهذا هو كمال الطاعة . والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين ، وهذا كما قال بعض السلف : الفاتحة سر القرآن ، وسرها هذه الكلمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] فالأول تبرؤ من الشرك ، والثاني تبرؤ من الحول والقوة ، والتفويض [ ص: 135 ] إلى الله عز وجل . وهذا المعنى في غير آية من القرآن ، كما قال تعالى : ( فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون ) [ هود : 123 ] قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) [ الملك : 29 ] رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ] ، وكذلك هذه الآية الكريمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين .

وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب ، وهو مناسبة ، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى ؛ فلهذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى ، وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ؛ ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك ، وهو قادر عليه ، كما جاء في الصحيحين ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب . وفي صحيح مسلم ، من حديث العلاء بن عبد الرحمن ، مولى الحرقة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، إذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) [ الفاتحة : 3 ] قال : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] قال الله : مجدني عبدي ، وإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [ الفاتحة : 6 ، 7 ] قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . وقال الضحاك ، عن ابن عباس : إياك نعبد يعني : إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك وإياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها .

وقال قتادة : إياك نعبد وإياك نستعين يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم .

وإنما قدم : ( إياك نعبد على وإياك نستعين لأن العبادة له هي المقصودة ، والاستعانة وسيلة إليها ، والاهتمام والحزم هو أن يقدم ما هو الأهم فالأهم ، والله أعلم .

فإن قيل : فما معنى النون في قوله : ( إياك نعبد وإياك نستعين فإن كانت للجمع فالداعي واحد ، وإن كانت للتعظيم فلا تناسب هذا المقام ؟ وقد أجيب : بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ، ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم ، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها ، وتوسط لهم بخير ، ومنهم من قال : يجوز أن تكون للتعظيم ، كأن العبد قيل له : إذا كنت في العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل : ( إياك نعبد وإياك نستعين ، وإذا كنت خارج العبادة فلا تقل : نحن ولا فعلنا ، ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لافتقار الجميع إلى الله عز وجل . ومنهم من قال : ألطف في التواضع من إياك أعبد ، لما في الثاني من تعظيمه نفسه [ ص: 136 ] من جعله نفسه وحده أهلا لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ، ولا يثني عليه كما يليق به ، والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى ، كما قال بعضهم :


لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي


وقد سمى الله رسوله بعبده في أشرف مقاماته [ فقال ] الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) [ الكهف : 1 ] وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) [ الجن : 19 ] سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) [ الإسراء : 1 ] فسماه عبدا عند إنزاله عليه وقيامه في الدعوة وإسرائه به ، وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين له ، حيث يقول : ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر : 97 - 99 ] .

وقد حكى فخر الدين في تفسيره عن بعضهم : أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة ؛ لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق والرسالة من الحق إلى الخلق ؛ قال : ولأن الله متولي مصالح عبده ، والرسول متولي مصالح أمته وهذا القول خطأ ، والتوجيه أيضا ضعيف لا حاصل له ، ولم يتعرض له فخر الدين بتضعيف ولا رده . وقال بعض الصوفية : العبادة إما لتحصيل ثواب ورد عقاب ؛ قالوا : وهذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده ، وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى ، وهذا - أيضا - عندهم ضعيف ، بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال ، قالوا : ولهذا يقول المصلي : أصلي لله ، ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العذاب لبطلت صلاته . وقد رد ذلك عليهم آخرون وقالوا : كون العبادة لله عز وجل ، لا ينافي أن يطلب معها ثوابا ، ولا أن يدفع عذابا ، كما قال ذلك الأعرابي : أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حولها ندندن .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:09 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
اهدنا الصراط المستقيم ( 6 )

قراءة الجمهور بالصاد . وقرئ : السراط وقرئ بالزاي ، قال الفراء : وهي لغة بني عذرة وبلقين وبني كلب .

لما تقدم الثناء على المسئول ، تبارك وتعالى ، ناسب أن يعقب بالسؤال ؛ كما قال : فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل وهذا أكمل أحوال السائل ، أن يمدح مسئوله ، ثم يسأل حاجته [ وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله : ( اهدنا ] ، لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة ، ولهذا أرشد الله تعالى إليه لأنه الأكمل ، وقد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل واحتياجه ، كما قال موسى عليه السلام : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) [ القصص : 24 ] وقد يتقدمه مع ذلك وصف المسئول ، كقول ذي النون : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الأنبياء : 87 ] وقد يكون بمجرد الثناء [ ص: 137 ] على المسئول ، كقول الشاعر :


أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء
والهداية هاهنا : الإرشاد والتوفيق ، وقد تعدى الهداية بنفسها كما هنا اهدنا الصراط المستقيم فتضمن معنى ألهمنا ، أو وفقنا ، أو ارزقنا ، أو اعطنا ؛ وهديناه النجدين ) [ البلد : 10 ] أي : بينا له الخير والشر ، وقد تعدى بإلى ، كقوله تعالى : ( اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ) [ النحل : 121 ] فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) [ الصافات : 23 ] وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة ، وكذلك قوله تعالى : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) [ الشورى : 52 ] وقد تعدى باللام ، كقول أهل الجنة : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) [ الأعراف : 43 ] أي وفقنا لهذا وجعلنا له أهلا . وأما الصراط المستقيم ، فقال الإمام أبو جعفر بن جرير : أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه .

وكذلك ذلك في لغة جميع العرب ، فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي :


أمير المؤمنين على صراط
إذا اعوج الموارد مستقيم

قال : والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر ، قال : ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج ، فتصف المستقيم باستقامته ، والمعوج باعوجاجه .

ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في تفسير الصراط ، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد ، وهو المتابعة لله وللرسول ؛ فروي أنه كتاب الله ، قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني يحيى بن يمان ، عن حمزة الزيات ، عن سعد ، وهو أبو المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث الأعور ، عن الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصراط المستقيم كتاب الله . وكذلك رواه ابن جرير ، من حديث حمزة بن حبيب الزيات ، وقد [ تقدم في فضائل القرآن فيما ] رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث الأعور ، عن علي مرفوعا : وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم . [ ص: 138 ] وقد روي هذا موقوفا عن علي ، وهو أشبه ، والله أعلم .

وقال الثوري ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : الصراط المستقيم . كتاب الله ، وقيل : هو الإسلام . وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد ، عليهما السلام : قل : يا محمد ، اهدنا الصراط المستقيم . يقول : اهدنا الطريق الهادي ، وهو دين الله الذي لا عوج فيه .

وقال ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم قال : ذاك الإسلام . وقال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( اهدنا الصراط المستقيم قالوا : هو الإسلام . وقال عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر : ( اهدنا الصراط المستقيم قال : الإسلام ، قال : هو أوسع مما بين السماء والأرض . وقال ابن الحنفية في قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم قال هو دين الله ، الذي لا يقبل من العباد غيره . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : اهدنا الصراط المستقيم ، قال : هو الإسلام .

وفي [ معنى ] هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال : حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء ، حدثنا ليث يعني ابن سعد ، عن معاوية بن صالح : أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، حدثه عن أبيه ، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ، ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب ، قال : ويحك ، لا تفتحه ؛ فإنك إن تفتحه تلجه . فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم .

وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير من حديث الليث بن سعد به . ورواه الترمذي والنسائي جميعا ، عن علي بن حجر عن بقية ، عن بجير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان ، به . [ ص: 139 ] وهو إسناد صحيح ، والله أعلم .

وقال مجاهد : ( اهدنا الصراط المستقيم ، قال : الحق . وهذا أشمل ، ولا منافاة بينه وبين ما تقدم .

وروى ابن أبي حاتم وابن جرير ، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم ؛ حدثنا حمزة بن المغيرة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية : ( اهدنا الصراط المستقيم قال : هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحباه من بعده ، قال عاصم : فذكرنا ذلك للحسن ، فقال : صدق أبو العالية ونصح .

وكل هذه الأقوال صحيحة ، وهي متلازمة ، فإن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم ، واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر ، فقد اتبع الحق ، ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام ، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن ، وهو كتاب الله وحبله المتين ، وصراطه المستقيم ، فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا ، ولله الحمد .

وقال الطبراني : حدثنا محمد بن الفضل السقطي ، حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله : والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي - أعني اهدنا الصراط المستقيم - أن يكون معنيا به : وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك ، من قول وعمل ، وذلك هو الصراط المستقيم ؛ لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، فقد وفق للإسلام ، وتصديق الرسل ، والتمسك بالكتاب ، والعمل بما أمره الله به ، والانزجار عما زجره عنه ، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهاج الخلفاء الأربعة ، وكل عبد صالح ، وكل ذلك من الصراط المستقيم .

فإن قيل : كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها ، وهو متصف بذلك ؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا ؟

فالجواب : أن لا ، ولولا احتياجه ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك ؛ فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ، ورسوخه فيها ، وتبصره ، وازدياده منها ، واستمراره عليها ، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق ، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله ؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار ، وقد قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل الآية [ النساء : 136 ] ، فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان ، وليس في ذلك تحصيل الحاصل ؛ لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك ، والله أعلم .

وقال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وقد كان الصديق رضي الله عنه يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرا . فمعنى قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم استمر بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:09 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( 7 ) )

قد تقدم الحديث فيما إذا قال العبد : ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخرها أن الله يقول : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . وقوله : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) مفسر للصراط المستقيم . وهو بدل منه عند النحاة ، ويجوز أن يكون عطف بيان ، والله أعلم .

و الذين أنعمت عليهم ) هم المذكورون في سورة النساء ، حيث قال : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) [ النساء : 69 ، 70 ] .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك ، من ملائكتك ، وأنبيائك ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ؛ وذلك نظير ما قال ربنا تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ) الآية [ النساء : 69 ] .

وقال أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) قال : هم النبيون . وقال ابن جريج ، عن ابن عباس : هم المؤمنون . وكذا قال مجاهد . وقال وكيع : هم المسلمون . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه . والتفسير المتقدم ، عن ابن عباس أعم ، وأشمل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ قرأ الجمهور : غير بالجر على النعت ، قال الزمخشري : وقرئ بالنصب على الحال ، وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب ، ورويت عن ابن كثير ، وذو الحال الضمير في ( عليهم ) والعامل : ( أنعمت ) والمعنى ] اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم ونعتهم ، وهم أهل الهداية والاستقامة والطاعة لله ورسله ، وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره ، غير صراط المغضوب عليهم ، [ وهم ] الذين فسدت إرادتهم ، فعلموا الحق وعدلوا عنه ، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق ، وأكد الكلام ب " لا " ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين ، وهما طريقتا اليهود والنصارى .

وقد زعم بعض النحاة أن ( غير ) هاهنا استثنائية ، فيكون على هذا منقطعا لاستثنائهم من المنعم عليهم وليسوا منهم ، وما أوردناه أولى ، لقول الشاعر : كأنك من جمال بني أقيش يقعقع عند رجليه بشن

أي : كأنك جمل من جمال بني أقيش ، فحذف الموصوف واكتفى بالصفة ، وهكذا ، غير المغضوب عليهم ) [ ص: 141 ] أي : غير صراط المغضوب عليهم .

اكتفى بالمضاف إليه عن ذكر المضاف ، وقد دل عليه سياق الكلام ، وهو قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ) ثم قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم ) ومنهم من زعم أن ( لا ) في قوله : ( ولا الضالين ) زائدة ، وأن تقدير الكلام عنده : غير المغضوب عليهم والضالين ، واستشهد ببيت العجاج :
في بئر لا حور سرى وما شعر
أي في بئر حور . والصحيح ما قدمناه . ولهذا روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " فضائل القرآن " ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : أنه كان يقرأ : غير المغضوب عليهم وغير الضالين . وهذا إسناد صحيح ، [ وكذا حكي عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك ] وهو محمول على أنه صدر منه على وجه التفسير ، فيدل على ما قلناه من أنه إنما جيء بها لتأكيد النفي ، [ لئلا يتوهم أنه معطوف على الذين أنعمت عليهم ) ] ، وللفرق بين الطريقتين ، لتجتنب كل منهما ؛ فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به ، واليهود فقدوا العمل ، والنصارى فقدوا العلم ؛ ولهذا كان الغضب لليهود ، والضلال للنصارى ، لأن من علم وترك استحق الغضب ، بخلاف من لم يعلم . والنصارى لما كانوا قاصدين شيئا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه ؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه ، وهو اتباع الرسول الحق ، ضلوا ، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه ، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب [ كما قال فيهم : ( من لعنه الله وغضب عليه ) ] [ المائدة : 60 ] وأخص أوصاف النصارى الضلال [ كما قال : ( قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل " ] ) [ المائدة : 77 ] ، وبهذا جاءت الأحاديث والآثار . [ وذلك واضح بين ] . قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت سماك بن حرب ، يقول : سمعت عباد بن حبيش ، يحدث عن عدي بن حاتم ، قال : جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذوا عمتي وناسا ، فلما أتوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوا له ، فقالت : يا رسول الله ، ناء الوافد وانقطع الولد ، وأنا عجوز كبيرة ، ما بي من خدمة ، فمن علي من الله عليك ، قال : من وافدك ؟ قالت : عدي بن حاتم ، قال : الذي فر من الله ورسوله ! قالت : فمن علي ، فلما رجع ، ورجل إلى جنبه ، ترى أنه علي ، قال : سليه حملانا ، فسألته ، فأمر لها ، قال : فأتتني فقالت : لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها ، فإنه قد أتاه فلان فأصاب منه ، وأتاه فلان فأصاب منه ، فأتيته فإذا عنده امرأة وصبيان أو صبي ، وذكر قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فعرفت أنه ليس بملك كسرى ولا قيصر ، فقال : [ ص: 142 ] يا عدي ، ما أفرك أن يقال لا إله إلا الله ؟ فهل من إله إلا الله ؟ قال : ما أفرك أن يقال : الله أكبر ، فهل شيء أكبر من الله عز وجل ؟ . قال : فأسلمت ، فرأيت وجهه استبشر ، وقال : المغضوب عليهم اليهود ، وإن الضالين النصارى . وذكر الحديث ، ورواه الترمذي ، من حديث سماك بن حرب ، وقال : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه . قلت : وقد رواه حماد بن سلمة ، عن سماك ، عن مري بن قطري ، عن عدي بن حاتم ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله : ( غير المغضوب عليهم ) قال : هم اليهود ( ولا الضالين ) قال : النصارى هم الضالون . وهكذا رواه سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم به . وقد روي حديث عدي هذا من طرق ، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها . وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن بديل العقيلي ، أخبرني عبد الله بن شقيق ، أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى ، وهو على فرسه ، وسأله رجل من بني القين ، فقال : يا رسول الله ، من هؤلاء ؟ قال : المغضوب عليهم - وأشار إلى اليهود - والضالون هم النصارى . وقد رواه الجريري وعروة ، وخالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، فأرسلوه ، ولم يذكروا من سمع النبي صلى الله عليه وسلم . ووقع في رواية عروة تسمية عبد الله بن عمر ، فالله أعلم .

وقد روى ابن مردويه ، من حديث إبراهيم بن طهمان ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم قال : اليهود ، [ قال ] قلت : الضالين ، قال : النصارى . وقال السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( غير المغضوب عليهم ) هم اليهود ، ولا الضالين ) هم النصارى .

وقال الضحاك ، وابن جريج ، عن ابن عباس : ( غير المغضوب عليهم ) اليهود ، ولا الضالين ) [ ص: 143 ] [ هم ] النصارى .

وكذلك قال الربيع بن أنس ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد ، وقال ابن أبي حاتم : ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافا .

وشاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم ، والنصارى ضالون ، الحديث المتقدم ، وقوله تعالى في خطابه مع بني إسرائيل في سورة البقرة : ( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ) [ البقرة : 90 ] ، وقال في المائدة قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ) [ المائدة : 60 ] ، وقال تعالى : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة : 78 ، 79 ] .

وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل ؛ أنه لما خرج هو وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف ، قالت له اليهود : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله . فقال : أنا من غضب الله أفر . وقالت له النصارى : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله فقال : لا أستطيعه . فاستمر على فطرته ، وجانب عبادة الأوثان ودين المشركين ، ولم يدخل مع أحد من اليهود ولا النصارى ، وأما أصحابه فتنصروا ودخلوا في دين النصرانية ؛ لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذاك ، وكان منهم ورقة بن نوفل ، حتى هداه الله بنبيه لما بعثه آمن بما وجد من الوحي ، رضي الله عنه .

( مسألة ) : والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما ؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة ، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم . وأما حديث : أنا أفصح من نطق بالضاد فلا أصل له والله أعلم .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:10 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
اشتملت هذه السورة الكريمة وهي سبع آيات فضلها ، على حمد الله وتمجيده والثناء عليه ، بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا ، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين ، وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه ، والتبرؤ من حولهم وقوتهم ، وإلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية تبارك وتعالى ، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل ، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم ، وهو الدين القويم ، وتثبيتهم عليه حتى يفضي بهم ذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة ، المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين .

واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ، ليكونوا مع أهلها يوم القيامة ، والتحذير من مسالك الباطل ؛ لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة ، وهم المغضوب عليهم والضالون . وما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى : ( غير المغضوب عليهم ) وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة ، كما قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ) الآية [ المجادلة : 14 ] ، [ ص: 144 ] وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به ، وإن كان هو الذي أضلهم بقدره ، كما قال تعالى : ( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) [ الكهف : 17 ] . وقال : ( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ) [ الأعراف : 186 ] . إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال ، لا كما تقوله الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم ، من أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه ، ويحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن ، ويتركون ما يكون فيه صريح في الرد عليهم ، وهذا حال أهل الضلال والغي ، وقد ورد في الحديث الصحيح : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم . يعني في قوله تعالى : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) [ آل عمران : 7 ] ، فليس - بحمد الله - لمبتدع في القرآن حجة صحيحة ؛ لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل مفرقا بين الهدى والضلال ، وليس فيه تناقض ولا اختلاف ؛ لأنه من عند الله تنزيل من حكيم حميد .

بحـہة بكـى. 8 - 8 - 2014 03:10 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
يستحب لمن قرأ الفاتحة أن يقول بعدها : آمين [ مثل : يس ] ، ويقال : أمين . بالقصر أيضا [ مثل : يمين ] ، ومعناه : اللهم استجب ، والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود ، والترمذي ، عن وائل بن حجر ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين ، مد بها صوته ، ولأبي داود : رفع بها صوته ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن . وروي عن علي ، وابن مسعود وغيرهم .

وعن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول ، رواه أبو داود ، وابن ماجه ، وزاد : يرتج بها المسجد ، والدارقطني وقال : هذا إسناد حسن .

وعن بلال أنه قال : يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين . رواه أبو داود . [ ص: 145 ] ونقل أبو نصر القشيري عن الحسن وجعفر الصادق أنهما شددا الميم من " آمين " مثل : ( آمين البيت الحرام ) [ المائدة : 2 ] .

قال أصحابنا وغيرهم : ويستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة ، ويتأكد في حق المصلي ، وسواء كان منفردا أو إماما أو مأموما ، وفي جميع الأحوال ؛ لما جاء في الصحيحين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة ، غفر له ما تقدم من ذنبه ولمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال أحدكم في الصلاة : آمين ، والملائكة في السماء : آمين ، فوافقت إحداهما الأخرى ، غفر له ما تقدم من ذنبه . [ قيل : بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزمان ، وقيل : في الإجابة ، وقيل : في صفة الإخلاص ] . وفي صحيحمسلم عن أبي موسى مرفوعا : إذا قال ، يعني الإمام : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين . يجبكم الله . وقال جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قلت : يا رسول الله ، ما معنى آمين ؟ قال : رب افعل . وقال الجوهري : معنى آمين : كذلك فليكن ، وقال الترمذي : معناه : لا تخيب رجاءنا ، وقال الأكثرون : معناه : اللهم استجب لنا ، وحكى القرطبي عن مجاهد وجعفر الصادق وهلال بن كيسان : أن آمين اسم من أسماء الله تعالى وروي عن ابن عباس مرفوعا ولا يصح ، قاله أبو بكر بن العربي المالكي . وقال أصحاب مالك : لا يؤمن الإمام ويؤمن المأموم ، لما رواه مالك عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وإذا قال ، يعني الإمام : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين . الحديث . واستأنسوا - أيضا - بحديث أبي موسى : وإذا قرأ : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين .

وقد قدمنا في المتفق عليه : إذا أمن الإمام فأمنوا وأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤمن إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ ص: 146 ] وقد اختلف أصحابنا في الجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية حكمه ، وحاصل الخلاف أن الإمام إن نسي التأمين جهر المأموم به ، قولا واحدا ، وإن أمن الإمام جهرا فالجديد أنه لا يجهر المأموم وهو مذهب أبي حنيفة ، ورواية عن مالك ؛ لأنه ذكر من الأذكار فلا يجهر به كسائر أذكار الصلاة . والقديم أنه يجهر به ، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، والرواية الأخرى عن مالك كما تقدم : حتى يرتج المسجد .

ولنا قول آخر ثالث : إنه إن كان المسجد صغيرا لم يجهر المأموم ، لأنهم يسمعون قراءة الإمام ، وإن كان كبيرا جهر ليبلغ التأمين من في أرجاء المسجد ، والله أعلم .

وقد روى الإمام أحمد في مسنده ، عن عائشة ، رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عنده اليهود ، فقال : إنهم لن يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإمام : آمين ، ورواه ابن ماجه ، ولفظه : ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين ، وله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول : آمين ، فأكثروا من قول : آمين وفي إسناده طلحة بن عمرو ، وهو ضعيف .

وروى ابن مردويه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : آمين : خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين . وعن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيت آمين في الصلاة وعند الدعاء ، لم يعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى ، كان موسى يدعو ، وهارون يؤمن ، فاختموا الدعاء بآمين ، فإن الله يستجيبه لكم .

قلت : ومن هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى : ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ) [ يونس : 88 ، 89 ] ، فذكر الدعاء عن موسى وحده ، ومن سياق الكلام ما يدل على أن [ ص: 147 ] هارون أمن ، فنزل منزلة من دعا ، لقوله تعالى : ( قد أجيبت دعوتكما ) [ يونس : 89 ] ، فدل ذلك على أن من أمن على دعاء فكأنما قاله ؛ فلهذا قال من قال : إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزلة قراءتها ؛ ولهذا جاء في الحديث : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ، وكان بلال يقول : لا تسبقني بآمين . فدل هذا المنزع على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية ، والله أعلم .

ولهذا قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن محمد بن سلام ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا جرير ، عن ليث بن أبي سليم ، عن كعب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قال الإمام : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين ، فتوافق " آمين " أهل الأرض " آمين " أهل السماء ، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه ، ومثل من لا يقول : آمين ، كمثل رجل غزا مع قوم ، فاقترعوا ، فخرجت سهامهم ، ولم يخرج سهمه ، فقال : لم لم يخرج سهمي ؟ فقيل : إنك لم تقل : " آمين .

نظرة عين 11 - 8 - 2014 06:32 PM

رد: مدونة القران الكريم
 




جزاكـ الله الجنه ونعيمها...
الله يعطيكـ الف عافيه...
وفـي انتظاااار جديدكـ المميز...
.*. دمـت بسعاده لا تغادر روحكـ .*.

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...700580_977.gif

.

.

سجات التهاويل 12 - 8 - 2014 11:27 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
تفسير ايه الكرسى

{اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (255) سورة البقرة
هذه الآية الكريمة أعظم آيات القرآن وأفضلها وأجلها، وذلك لما اشتملت عليه من الأمور العظيمة والصفات الكريمة، فلهذا كثرت الأحاديث في الترغيب في قراءتها وجعلها وردا للإنسان في أوقاته صباحا ومساء وعند نومه وأدبار الصلوات المكتوبات، فأخبر تعالى عن نفسه الكريمة بأن:

‏{‏لا إله إلا هو‏}‏
أي‏:‏ لا معبود بحق سواه، فهو الإله الحق الذي تتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى، لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه، ولكون العبد مستحقا أن يكون عبدا لربه، ممتثلًا أوامره مجتنبًا نواهيه، وكل ما سوى الله تعالى باطل، فعبادة ما سواه باطلة، لكون ما سوى الله مخلوقا ناقصا مدبرًا فقيرًا من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئًا من أنواع العبادة
‏ {‏الحي القيوم‏}‏
هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما، فالحي من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات، كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك، والقيوم‏:‏ هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والإماتة والإحياء، وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري، ولهذا قال بعض المحققين‏:‏ إنهما الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ومن تمام حياته وقيوميته أن:
‏{‏لا تأخذه سنة ولا نوم‏}‏
والسنة النعاس ‏
{‏له ما في السموات وما في الأرض‏}‏
أي‏:‏ هو المالك وما سواه مملوك وهو الخالق الرازق المدبر وغيره مخلوق مرزوق مدبر لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض فلهذا قال‏:‏ ‏
{‏من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه‏}‏
أي‏:‏ لا أحد يشفع عنده بدون إذنه، فالشفاعة كلها لله تعالى، ولكنه تعالى إذا أراد أن يرحم من يشاء من عباده أذن لمن أراد أن يكرمه من عباده أن يشفع فيه، لا يبتدئ الشافع قبل الإذن، ثم قال ‏
{‏يعلم ما بين أيديهم‏}‏
أي‏:‏ ما مضى من جميع الأمور
‏{‏وما خلفهم‏}‏
أي‏:‏ ما يستقبل منها، فعلمه تعالى محيط بتفاصيل الأمور، متقدمها ومتأخرها، بالظواهر والبواطن، بالغيب والشهادة، والعباد ليس لهم من الأمر شيء ولا من العلم مثقال ذرة إلا ما علمهم تعالى، ولهذا قال‏:‏
‏{‏ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض‏}‏
وهذا يدل على كمال عظمته وسعة سلطانه، إذا كان هذه حالة الكرسي أنه يسع السموات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما، والكرسي ليس أكبر مخلوقات الله تعالى، بل هنا ما هو أعظم منه وهو العرش، وما لا يعلمه إلا هو، وفي عظمة هذه المخلوقات تحير الأفكار وتكل الأبصار، وتقلقل الجبال وتكع عنها فحول الرجال، فكيف بعظمة خالقها ومبدعها، والذي أودع فيها من الحكم والأسرار ما أودع، والذي قد أمسك السموات والأرض أن تزولا من غير تعب ولا نصب، فلهذا قال‏:‏ ‏
{‏ولا يؤوده‏}‏
أي‏:‏ يثقله



‏{‏حفظهما وهو العلي‏}‏
بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته ‏
{‏العظيم‏}‏
الذي تتضائل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة، فسبحان من له العظمة العظيمة والكبرياء الجسيمة والقهر والغلبة لكل شيء، فقد اشتملت هذه الآية على توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وعلى إحاطة ملكه وإحاطة علمه وسعة سلطانه وجلاله ومجده، وعظمته وكبريائه وعلوه على جميع مخلوقاته، فهذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء الله وصفاته، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلا

قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم
(من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة ، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)
صحيح الألباني

بحـہة بكـى. 16 - 8 - 2014 03:45 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
آوآن ..
نورتِ ..

بحـہة بكـى. 16 - 8 - 2014 03:50 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
قال الله جل وعلا في سورة الكهف:
[ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ]


{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ } = فلعلك يا محمد قاتلٌ نفسك ومهلكها غما وأسفا عليهم.
وذلك أن أجرك قد وجب على الله، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم، ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار، فلذلك خذلهم، فلم يهتدوا، فإشغالك نفسك غما وأسفا عليهم، ليس فيه فائدة لك.

وفي هذه الآية ونحوها عبرة، فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله، عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبها ونعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف، فإن ذلك مضعف للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الذي كلف به وتوجه إليه، وما عدا ذلك، فهو خارج عن قدرته.

بحـہة بكـى. 16 - 8 - 2014 03:52 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
النساء (آية:75): وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القريه الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا
النساء (آية:88): فما لكم في المنافقين فئتين والله اركسهم بما كسبوا اتريدون ان تهدوا من اضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا
الانعام (آية:119): وما لكم الا تاكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم اليه وان كثيرا ليضلون باهوائهم بغير علم ان ربك هو اعلم بالمعتدين
التوبة (آية:38): يا ايها الذين امنوا ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الارض ارضيتم بالحياه الدنيا من الاخره فما متاع الحياه الدنيا في الاخره الا قليل
يونس (آية:35): قل هل من شركائكم من يهدي الى الحق قل الله يهدي للحق افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون
الصافات (آية:25): ما لكم لا تناصرون

الصافات (آية:154): ما لكم كيف تحكمون
الحديد (آية:8): وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد اخذ ميثاقكم ان كنتم مؤمنين
الحديد (آية:10): وما لكم الا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والارض لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم درجه من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير
القلم (آية:36): ما لكم كيف تحكمون


مالكم...هل أحسست بهذه الكلمة؟تحب ان تشعر بها؟تخيل هذا الموقف انت أمام انسان احتار معك يرشدك لما هو خير لك وفيه مصلحتك وصلاحك وانت تأبى الا ان تقوم بالعكس وتنغمس في الوحل ماهو موقف هذا الانسان معك ألن يكون في قمة الغضب ويقول لك "مالك"...هل استشعرت قسوة الكلمة...ولله المثل الاعلى ما بالك اذا كان المحدث هو الله سبحانه وتعالى وقول لك مالك...مالك ايها العبد اهديك الى الصراط المستقيم وتأبى الا أن تحيد عنه...مالك أرزقك وأكسوك وأعطيك من الخير كله وتشرك بي...مالك ايها العبد امهلك ان عصيت واغفر لك واتوب عليك وابدل سيئاتك حسنات متى استغفرتني ثم تعصاني...مالك أكشف عنك السوء وأدفع عنك الضر وعندما أؤمنك وآويك تكفر بنعمي عليك....مالك...مالك...مالك
رحمتك ربي وعفوك ومغفرتك ونسألك الستر في الدنيا والآخرة...غفرانك ربي نحن لا نقوى على غضبك وسخطك عنا...رحمتك ربي ان لا تصدنا على بابك
اختم بهذا الآية التي كثيرا ما أقف أمامها عاجزا ذليلا لعظمة ربي.وعظمة ذنبي

ما لكم لا ترجون لله وقارا,,,,,,نوح (آية:13):

بحـہة بكـى. 16 - 8 - 2014 03:53 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ
يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

سبحان الله العظيم الذي يعطينا الفرص ويمنحنا المكفرات

فهذه آية جديدة تثبت من جديد رحمة الله بنا وعطفه وحلمه بنا سبحانه

فيخبرنا الله تعالى فيها أن من فعل فاحشة أي ذنب كبير كالزنا أو ظلم نفسه

بذنب أدنى من ذلك ثم ذكر الله

انظروا ذكر الله يعني مجرد ذكرك لله

بعد ذنبك واسترجاعك واستغفارك من ذنبك كفيل بمحو ذلك الذنب

المهم ألا تصر أيها العبد الضعيف لا تصر على المعصية وتجاهر الله بها

تسترها عن الخلق وتجاهر رب الخلق بها

تب من ذنبك فلا تعلم نفس متى تموت ولا تعلم هل تعيش الساعة القادمة أم لا

قل لنفسك كفاك ذنوباً كفاك عصيانا استغفر الله في هذه الليلة من كل ذنوبك

وتذكر أن الله يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل

أسأل الله أن يغفر لنا ولكم ويهدينا وإياكم سواء السبيل

بحـہة بكـى. 16 - 8 - 2014 03:54 AM

رد: مدونة القران الكريم
 
فائدة في قوله تعالى: ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخرةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً )

جمعت بين التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والحض على
فعل الخير والزجر عن فعل الشر إذ قوله: (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) يتضمن حثهم على كسب الخير وزجرهم عن كسب الشر.


الساعة الآن 05:33 AM

جميع الحقوق محفوظه للمنتدى
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010


SEO by vBSEO