عرض مشاركة واحدة
قديم 6 - 8 - 2014, 05:37 PM   #9



 عضويتي » 2702
 جيت فيذا » 15 - 12 - 2012
 آخر حضور » 2 - 11 - 2014 (08:40 PM)
 فترةالاقامة » 4152يوم
مواضيعي » 203
الردود » 4733
عدد المشاركات » 4,936
نقاط التقييم » 145
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $51 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبه
جنسي  »
العمر  » سنة
الحالة الاجتماعية  »
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلة
ناديك المفضل  » ناديك المفضل
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور بحـہة بكـى عرض مجموعات بحـہة بكـى عرض أوسمة بحـہة بكـى

عرض الملف الشخصي لـ بحـہة بكـى إرسال رسالة زائر لـ بحـہة بكـى جميع مواضيع بحـہة بكـى

اصدار الفوتوشوب : My Camera:

بحـہة بكـى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مدونة القران الكريم



في تفسير الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏): ‏ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا‏(‏ الفرقان‏:53)..‏ ذكرابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:...‏ وقوله تعالي‏:(‏ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج‏)‏ أي خلق الماءين الحلو والمالح‏,‏ فالحلو كالأنهار والعيون والآبار‏.‏ قاله ابن جريج واختاره‏,‏ وهذا المعني لا شك فيه‏,‏ فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات‏,‏ والله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ إنما أخبر بالواقع لينبه العباد إلي نعمه عليهم ليشكروه‏,‏ فالبحر العذب فرقه الله تعالي بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهارا أو عيونا في كل أرض‏,‏ بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأراضيهم‏,‏ وقوله تعالي‏:(‏ وهذا ملح أجاج‏)‏ أي مالح‏,‏ مر‏,‏ زعاف لا يستساغ‏,‏ وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب‏,‏ البحر المحيط وبحر فارس وبحر الصين والهند وبحر الروم وبحر الخزر‏,‏ وما شاكلها وشابهها من البحار الساكنة التي لا تجري‏,‏ ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح‏,‏ ومنها ما فيه مد وجزر‏,‏ ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض‏,‏ فإذا شرع الشهر في النقصان جزرت حتي ترجع إلي غايتها الأولي‏,‏ فأجري الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ـوهو ذو القدرة التامةـ العادة بذلك‏;‏ فكل هذه البحار الساكنة خلقها الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ مالحة لئلا يحصل بسببها نتن الهواء‏,‏ فيفسد الوجود بذلك‏,‏ ولئلا تجوي الأرض بما يموت فيها من الحيوان‏,‏ ولما كان ماؤها ملحا كان هواؤها صحيحا وميتتها طيبة‏,‏ ولهذا قال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وقد سئل عن ماء البحر‏:‏ أنتوضأ به؟ فقال‏:(‏ هو الطهور ماؤه‏,‏ الحل ميتته‏).‏ وقوله تعالي‏:(‏ وجعل بينهما برزخا وحجرا‏)‏ أي بين العذب والمالح‏,‏ وبرزخا أي حاجزا وهو اليبس من الأرض‏(‏ وحجرا محجورا‏)‏ أي مانعا من أن يصل أحدهما إلي الآخر كقوله تعالي‏:(‏ مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان‏),‏ وقوله تعالي‏:(‏ وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون‏).....‏
وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما نصه‏:(‏ وهو الذي مرج البحرين‏)‏ أرسلهما متجاورين‏(‏ هذا عذب فرات‏)‏ شديد العذوبة‏(‏ وهذا ملح أجاج‏)‏ شديد الملوحة‏(‏ وجعل بينهما برزخا‏)‏ حاجزا لا يختلط أحدهما بالآخر‏(‏ وحجرا محجورا‏)‏ سترا ممنوعا به اختلاطهما‏.....‏ وجاء في تفسير الظلال‏(‏ رحم الله كاتبه‏)‏ ما نصه‏:...‏ وهو الذي ترك البحرين‏,‏ الفرات العذب والملح المر‏,‏ يجريان ويلتقيان‏,‏ فلا يختلطان ولا يمتزجان‏,‏ إنما يكون بينهما برزخ وحاجز من طبيعتهما التي فطرها الله‏.‏ فمجاري الأنهار غالبا أعلي من سطح البحر‏,‏ ومن ثم فالنهر العذب هو الذي يصب في البحر الملح‏,‏ ولا يقع العكس إلا شذوذا‏,‏ وبهذا التقدير الدقيق لا يطغي البحر ـوهو أضخم وأغزرـ علي النهر الذي منه الحياة للناس والأنعام والنبات‏,‏ ولا يكون هذا التقدير مصادفة عابرة وهو يطرد هذا الاطراد‏.‏ إنما يتم بإرادة الخالق الذي أنشأ هذا الكون لغاية تحققها نواميسه في دقة وإحكام‏..‏
وقد روعي في نواميس هذا الكون ألا تطغي مياه المحيطات الملحة لا علي الأنهار ولا علي اليابسة حتي في حالات المد والجزر التي تحدث من جاذبية القمر للماء الذي علي سطح الأرض‏,‏ ويرتفع بها الماء ارتفاعا عظيما‏..‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبه‏)‏ ما نصه‏:(‏ مرج البحرين‏...)‏ أرسل البحرين‏:‏ العذب والملح في مجاريهما متجاورين‏;‏ كما ترسل الخيل في المرج‏.‏ يقال‏:‏ مرج الدابة يمرجها‏,‏ أرسلها ترعي‏.‏ أو خلطهما فأمرج أحدهما في الآخر وأفاضه فيه‏;‏ من المرج وأصله الخلط‏.‏ يقال‏:‏ مرج أمرهم يمرج‏,‏ اختلط‏;‏ ومنه قيل للمرعي‏:‏ مرج‏;‏ لاجتماع أخلاط من الدواب فيه‏.‏
‏(‏ عذب فرات‏)‏ شديد العذوبة‏,‏ مائل إلي الحلاوة وهو ماء الأنهار‏.‏ وسمي فراتا لأنه يفرت العطش‏,‏ أي يقطعه ويكسره‏.(‏ ملح أجاج‏)‏ شديد الملوحة والمرارة‏,‏ وهو ماء البحار‏.‏ سمي أجاجا من الأجيج وهو تلهب النار‏,‏ لأن شربه بزيد العطش‏.(‏ وبرزخا‏)‏ حاجزا عظيما من الأرض‏,‏ يمنع بغي أحدهما علي الآخر‏;‏ لحفظ حياة الإنسان والنبات‏;‏ كما قال تعالي‏:(‏ بينهما برزخ لا يبغيان‏).(‏ وحجرا محجورا‏)‏ أي وجعل كل واحد منهما حراما محرما علي الآخر أن يفسده‏.‏ والمراد‏:‏ لزوم كل منهما صفته‏;‏ فلا ينقلب العذب في مكانه ملحا ولا الملح في مكانه عذبا‏..‏ وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏ والله هو الذي أجري البحرين‏:‏ البحر العذب والبحر الملح‏,‏ وجعل المجري لكل واحد يجاور المجري الآخر‏,‏ ومع ذلك لا يختلطان‏,‏ نعمة ورحمة بالناس‏..‏
وجاء في تعليق الخبراء العلميين بالهامش ما يلي‏:..‏ قد تشير هذه الآية إلي نعمة الله علي عباده بعدم اختلاط الماء الملح المتسرب من البحار في الصخور القريبة من الشاطئ بالماء العذب المتسرب إليها من البر اختلاطا تاما بل إنهما يلتقيان مجرد تلاق يطفو العذب منها فوق الملح كأن بينهما برزخا يمنع بغي أحدهما علي الآخر‏,‏ وحجرا محجورا‏,‏ أي حاجزا خفيا مستورا لا نراه‏..‏ وليس هذا فقط بل إن هناك قانونا ثابتا يحكم هذه العلاقة ويتحكم فيها لمصلحة البشر ممن يسكنون في تلك المناطق وتتوقف حياتهم علي توافر الماء العذب‏,‏ فقد ثبت أن طبقة الماء العذب العليا يزداد سمكها مع زيادة الارتفاع عن منسوب البحر بعلاقة منتظمة حتي إنه يمكن حساب العمق الأقصي للماء العذب الذي يمكن الوصول إليه‏.‏ فهو يساوي قدر الفرق بين منسوب الأرض ومنسوب البحر أربعين مرة‏..‏
وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خير الجزاء‏)‏ ما نصه‏:(‏ وهو الذي مرج البحرين‏)‏ أي هو تعالي بقدرته خلي وأرسل البحرين متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان‏(‏ هذا عذب فرات‏)‏ أي شديد العذوبة قاطع للعطش من فرط عذوبته‏(‏ وهذا ملح أجاج‏)‏ أي بليغ الملوحة‏,‏ مر شديد المرارة‏(‏ وجعل بينهما برزخا‏)‏ أي جعل بينهما حاجزا من قدرته لا يغلب أحدهما علي الآخر‏(‏ وحجرا محجورا‏)‏ أي ومنعا من وصول أثر أحدهما إلي الآخر وامتزاجه به‏.....‏
الدلالات اللفظية لبعض كلمات الآية الكريمة:
‏(1)(‏ مرج‏):‏ ذكرت معاجم اللغة‏(‏ كمعجم ابن فارس‏)‏ أن الميم‏,‏ والراء‏,‏ والجيم أصل صحيح يدل علي المجيء والذهاب والاضطراب‏,‏ وقالوا‏:(‏ مرج‏)‏ الخاتم في الإصبع أي قلق واضطرب لاتساعه عن حجم الإصبع‏;‏ ومنه قيل‏:(‏ مرجت‏)‏ أمانات القوم وعهودهم أي اضطربت واختلطت‏;‏ و‏(‏مرج‏)‏ الأمر اختلط‏,‏ ومنه الهرج والمرج‏,‏ وأمر‏(‏ مريج‏)‏ أي مختلط‏,‏ و‏(‏المرج‏)‏ في اللغة هو مرعي الدواب‏,‏ أي الأرض التي يكثر فيها النبات فتمرج فيه الدواب وتختلط‏;‏ ولذلك قيل‏:(‏ مرج‏)‏ الدابة و‏(‏أمرجها‏)‏ أي أرسلها ترعي وتختلط بغيرها من الحيوانات في المرعي فـ‏(‏مرجت‏),‏ لأن أصل‏(‏ المرج‏)‏ هو الخلط‏,‏ و‏(‏المروج‏)‏ هو الاختلاط‏,‏ وقوله‏(‏ تعالي‏):(‏ مرج البحرين‏)‏ أي أفاض أحدهما بالآخر‏,‏ وجعلهما يختلطان دون امتزاج كامل أي دون أن يلتبس أحدهما بالآخر التباسا كاملا‏..‏ و‏(‏مارج‏)‏ من نار أي‏:‏ لهب من نيران مختلطة لا دخان لها‏..‏
‏(2)(‏ عذب فرات‏):‏ الماء‏(‏ العذب‏)‏ هو الماء الطيب المذاق‏,‏ و‏(‏الفرات‏)‏ هو الشديد العذوبة‏;‏ والبحر العذب الفرات هو النهر لشدة عذوبة مائه‏.‏
‏(3)(‏ ملح أجاج‏):‏ الماء‏(‏ الملح الأجاج‏)‏ هو‏,‏ الماء شديد الملوحة والمرارة‏;‏ وما كان من الماء‏(‏ ملحا أجاجا‏)‏ هو ماء البحر علي اختلاف درجات ملوحته‏.‏ يقال‏:(‏ ملح‏)‏ القدر أي‏:‏ طرح فيها الملح بقدر‏,‏ و‏(‏أملحها‏)‏ أي‏:‏ أفسدها بالملح‏,‏ و‏(‏ملحها تمليحا‏)‏ مثله‏..‏
ويقال‏:(‏ ملح‏)‏ الماء‏(‏ بالفتح والضم‏)‏ فهو ماء‏(‏ ملح‏);‏ وقليب‏(‏ مليح‏)‏ أي‏:‏ ماؤه قليل الملوحة‏;‏ و‏(‏الملاحة‏)‏ منبت الملح‏;‏ و‏(‏المملحة‏)(‏ بكسر الميم‏)‏ ما يجعل فيه‏(‏ الملح‏);‏ و‏(‏الملاح‏)‏ صاحب السفينة‏..‏ ويقال‏:(‏ أجج‏)‏ النار أي‏:‏ زادها اشتعالا وتلهبا‏,‏ لأن‏(‏ الأجج‏)‏ هو تلهب النيران‏,‏ من‏(‏ أجت‏)‏ النار‏(‏ تؤج‏)(‏ أجيجا‏)‏ و‏(‏أجوجا‏),‏ و‏(‏أججها‏)‏ غيرها‏(‏ فاتجت‏)‏ و‏(‏تأججت‏),‏ وسمي الماء الشديد الملوحة‏(‏ بالأجاج‏)‏ لأنه يحرق معي الإنسان إذا شربه من شدة ملوحته‏.‏
‏(4)(‏ برزخ‏):(‏ البرزخ‏)‏ هو الحاجز والحد بين الشيئين‏;‏ وهو أيضا ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلي البعث‏,‏ فمن مات فقد دخل البرزخ‏;‏ وفي تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):(‏ وجعل بينهما برزخا‏...)‏ قال عدد من المفسرين هو حاجز من الأرض‏,‏ وقال البعض الآخر هو حاجز أو حائل أو مانع من قدرة الله‏(‏ تعالي‏)‏ لا يراه أحد من الناس‏.‏
‏(5)(‏ الحجر المحجور‏):‏ هو الحرام المحرم‏,‏ و‏(‏الحجر‏)(‏ بكسر الحاء وضمها وفتحها‏)‏ هو المنع والتضييق‏.‏ يقال‏:(‏ حجر‏)‏ القاضي عليه أي‏:‏ منعه عن التصرف في ماله‏;‏ و‏(‏حجر‏)‏ الإنسان‏(‏ بكسر الحاء وفتحها‏)‏ واحد‏(‏ الحجور‏),‏ ويقال‏:(‏ احتجر حجرة‏)‏ أي‏:‏ اتخذها مسكنا‏,‏ والجمع‏(‏ حجر‏),‏ و‏(‏حجرات‏)..‏ و‏(‏الحجر‏)‏ أيضا هو العقل لأنه يحجر صاحبه ويمنعه من الجري وراء شهواته والتهافت علي ما لا ينبغي له‏,‏ ويضبطه ويقهره علي ذلك‏.‏
الدلالة العلمية للآية الكريمة:
تطلق لفظة‏(‏ البحر‏)‏ في اللغة العربية علي كل من النهر ذي الماء العذب‏,‏ والبحر ذي الماء المالح‏;‏ ولولا أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد صمم الأنهار لتفيض من تضاريس القارات المرتفعة فوق مستوي سطح البحر فتلقي بمائها العذب وبما تحمله من رسوبيات في هذا الخضم المالح‏,‏ ولولا هذا النظام المحكم والمبهر في ترتيب مستويات كل من اليابسة وقيعان البحار والمحيطات لطغي ماء البحر المالح علي اليابسة بما فيها من ماء عذب‏,‏ وأفسدها إفسادا كاملا‏,‏ ودمر كل صور الحياة فيها‏;‏ وليس هذا من قبيل الخيال العلمي‏,‏ فقد مرت علي الأرض فترات عديدة طغت البحار فيها علي اليابسة إلي مسافات تزيد علي حدودها الحالية بمئات من الكيلومترات‏,‏ وذلك بارتفاع منسوب الماء في البحار والمحيطات‏,‏ بل إن الأرض قد بدأت بمحيط غامر غمرا كاملا لسطحها‏,‏ ثم بدأت اليابسة في التكون بفعل الأنشطة البركانية المندفعة من قاع ذلك المحيط الغامر علي هيئة جزيرة بركانية ظلت تنمو حتي كونت القارة الأم‏,‏ التي بدأت في التفتت إلي مكوناتها الحالية من القارات السبع منذ نحو مائتي مليون سنة مضت‏..‏ ومع استمرار نشاط الحركات الداخلية للأرض‏,‏ وانعكاس ذلك علي تحرك ألواح غلافها الصخري‏,‏ وما صاحبه من هزات أرضية‏,‏ وثورات بركانية ومتداخلات نارية‏,‏ تكونت السلاسل الجبلية التي أعطت سطح الأرض تضاريسه الشامخة‏,‏ ولولا تلك التضاريس ما كان من الممكن فصل الماء العذب عن الماء المالح أبدا‏..‏
ومع دورة الماء حول الأرض ـالتي تحركها بتدبير من الله‏(‏ تعالي‏)‏ كل من حرارة الشمس‏,‏ وتصريف الرياح‏,‏ وإزجاء السحب‏,‏ والتأليف بينها‏,‏ وبسطها أو ركمها‏,‏ وتكثف قطرات الماء فيها‏,‏ وإنزال المطر أو البرد أو الثلج منها بإذن الله‏,‏ وحيثما شاء وبالقدر المقسومـ تشكل سطح الأرض‏,‏ وشقت الفجاج والسبل‏,‏ وسالت الأنهار والجداول‏,‏ وتدفق الماء في الأودية‏,‏ ودارت دورات عديدة علي سطح الأرض‏,‏ ولولا ذلك لفسد ماء الأرض منذ اللحظة الأولي لخروجه من داخلها‏..‏
دورة الماء حول الأرض:
تبخر أشعة الشمس سنويا بتقدير من الله‏(‏ تعالي‏)‏ ما مجموعه‏(380.000)‏ كيلو متر مكعب من الماء من أسطح كل من البحار والمحيطات‏(320.000‏ كيلو متر مكعب‏),‏ ومن اليابسة بما عليها من مسطحات مائية وجليد‏,‏ وكائنات‏(60.000‏ كيلو متر مكعب‏),‏ وهذا القدر من بخار الماء يتكثف في نطاق التغيرات المناخية‏(‏ نطاق الرجع‏)‏ الذي يشكل الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض فيعود إليها مطرا أو ثلجا أو بردا‏(284.000‏ كم‏3‏ منها تنزل علي البحار والمحيطات‏,‏ و‏96.000‏كم‏3‏ تنزل علي اليابسة‏)‏ والفارق وقدره‏(36.000‏ كم‏3)‏ من الماء يفيض من اليابسة إلي البحار والمحيطات سنويا حاملا معه ملايين الأطنان من الأملاح وفتات الصخور‏,‏ وبذلك تكون الأنهار من وسائط النقل الرئيسية التي تنقل نواتج كل من عمليات التجوية والتحات والتعرية من اليابسة إلي أحواض البحار والمحيطات حيث تترسب الرواسب بتتابعات سميكة تتجمع فوق كل من الرصيف القاري وقيعان المحيطات العميقة‏,‏ كما قد تتجمع فوق قيعان البحيرات‏..‏ وجزء من هذه الرواسب يترسب علي طول مجري النهر بفعل عدد من العمليات النهرية‏..‏
تكون دالات الأنهار
تتكون دالات الأنهار‏,‏ والرواسب الدلتاوية نتيجة التفاعل بين كل من العمليات النهرية والعمليات الساحلية‏..‏ ولكل نهر حوض لتصريف مائه يعرف باسم حوض المصرف‏ (DrainageBasin) أو منطقة اصطياد المطر ‏(CatchmentArea) أو منطقة المجري ويمر النظام النهري بمراحل من الشباب‏,‏ والنضج‏,‏ والشيخوخة‏,‏ ويرسب قدرا من حمولته في مجراه بما يعرف باسم مجموعة رواسب القناة ‏(ChannelDeposits) ورواسب الشرف النهرية ‏(LeveeDeposits) ورواسب سهل الفيضان أو الرقة ‏(FloodPlainDeposits) ورواسب المستنقعات ‏(SwampDeposits) وتجمع كلها تحت مسمي رواسب فوق الضفة ‏(OverbankDeposits)..‏
وعموما تتجمع رسوبيات الدلتا فوق الأرصفة القارية الضحلة الواسعة عند التقاء ماء النهر بماء البحر‏,‏ وتنتج عن ذلك التجمع رواسب علي هيئة مخروطية تتكون أساسا مما يحمله النهر ويلقي به عند مصبه في البحر فيترسب جزء منه فوق اليابسة ويتجمع الباقي تحت سطح الماء‏..‏ وتعتبر دلتا النهر وسطا انتقاليا بين ماء النهر العذب‏,‏ وماء البحر المالح‏,‏ وتحتوي عددا كبيرا من بيئات الترسيب المتباينة التي يتجاوز عددها الإثنتي عشرة بيئة‏..‏
وكلما كانت كمية الرسوبيات التي يلقيها النهر عند مصبه أكبر من قدرة كل من تيارات المد والجزر‏,‏ والأمواج والتيارات البحرية الموازية للشاطئ علي إزالته‏;‏ وتلعب التراكيب الجيولوجية الكبيرة‏(‏ من مثل حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض‏)‏ دورا بارزا في ذلك‏..‏
عوامل تحكم نشاط النهر علي منطقة مصبه:
عند مصبات الأنهار عادة ما يضعف أثر كل من ظاهرتي المد والجزر‏,‏ وشدة الأمواج والتيارات البحرية فتسود قوي ثلاث أخري هي‏:‏ القصور الذاتي‏(‏أو قوة واستمرارية تدفق تيار الماء في النهر‏),‏ وقدر الاحتكاك بالرسوبيات في قاع مجري النهر‏,‏ وطفو الماء العذب فوق سطح الماء المالح‏..‏
وتبقي عوامل أخري مساعدة من مثل معدلات تدفق الماء وسرعة تياره‏,‏ وعمق الماء في مجري النهر‏,‏ وكتلة الرسوبيات التي يحملها ماء النهر‏.‏ ففي ظل زيادة سرعة تدفق تيار الماء في مجري النهر‏,‏ وعمق الحوض البحري الذي يصب فيه‏,‏ وتدني الفارق في كثافة الماءين الملتقيين يسود القصور الذاتي فيندفع ماء النهر إلي البحر بشدة علي هيئة نفاثات دوارة تعزل ماء النهر عن ماء البحر وتؤخر اختلاطهما وامتزاجهما حتي تضعف معدلات تدفق الماء فيبدأ الامتزاج علي حواف كتلة الماء العذب مكونا ماء قليل الملوحة يفصل ماء النهر عن ماء البحر باستمرار‏..‏ وفي كثير من الأنهار يؤدي نقل كميات كبيرة من نواتج عمليات التعرية علي هيئة الرسوبيات المحمولة مع ماء النهر إلي ترسيبها في منطقة مصبه مما يرفع منسوب قاع منطقة المصب ويجعل سمك الماء فيها قليلا خاصة في المنطقة بعد المصب مباشرة مما يؤدي إلي جعلها أعلي من منسوب قاع مجري النهر‏,‏ وتظل هذه المنطقة تنمو باستمرار نتيجة لاندفاع الماء من النهر علي هيئة تيار نفاث يحتك بالرسوبيات المتجمعة فوق قاعه‏.‏ وفي منطقة مصبه حتي يبني برزخا من تلك الرسوبيات عموديا علي اتجاه تدفق النهر فيحول دون امتزاج مائه مع ماء البحر امتزاجا كاملا لوجود هذا البرزخ من الرسوبيات ولتكون ماء قليل الملوحة علي حواف طبقة الماء العذب الرقيقة الطافية فوق الماء المالح‏..‏
ويؤدي بناء هذا البرزخ الرسوبي إلي تفرع مجري النهر إلي فرعين‏(‏ أو أكثر‏)‏ كل واحد منهما علي جانبي البرزخ نظرا لتباطؤ تدفق الماء نتيجة لضحالة المجري وشدة احتكاك الماء بقاعه في أثناء جريانه‏;‏ وقد يؤدي ذلك إلي زيادة نمو البرزخ علي هيئة حاجزوسطي كبير أو تكرار ترسب أعداد من تلك البرازخ‏..‏ ولما كانت كثافة الماء العذب‏(‏ في حدود جرام واحد‏/‏ سم‏3)‏ أقل من كثافة الماء المالح‏(‏ في حدود‏1.026‏ إلي‏1.028‏ جرام‏/‏ سم‏3)‏ فإن الماء العذب يطفو فوق سطح الماء المالح علي الرغم مما يحمله من رسوبيات‏,‏ ويسمي هذا التدفق المائي باسم التدفق المتباين الكثافة‏..‏
ويظل الماء العذب طافيا فوق الماء المالح حتي تتمكن كل من تيارات المد والجزر‏,‏ والأمواج والتيارات البحرية من المزج بين حواف هذه الطبقة الرقيقة من الماء العذب والماء المالح مكونة ماء قليل الملوحة يفصل بينهما‏,‏ وهنا يتأثر تدفق الماء العذب بكل من قوة الاستمرار في الاندفاع‏(‏ القصور الذاتي‏),‏ وشدة الاحتكاك بقاع المجري‏,‏ وفرق الكثافة بين الماءين العذب والمالح‏..‏ وفي حالة الأنهار ذات التدفق العالي للماء‏,‏ أو عند فيضاناتها يكون التدفق الطافي للماء العذب فوق سطح الماء المالح هو السمة الغالبة لتدفق ماء تلك الأنهار‏;‏ ويزداد الاحتكاك برسوبيات القاع مما يؤدي إلي تجمع كم هائل من الرسوبيات أمام مصب النهر علي هيئة سدود نهرية مستقيمة وموازية لمجري النهر تحت الماء في منطقة المصب‏,‏ تحيط بالماء العذب من الجهتين فاصلة إياه عن الماء المالح فتعينه بذلك علي مزيد من الاندفاع في داخل البحر‏..‏
كذلك تبني الرسوبيات سدا هائلا في مواجهة مجري النهر يعرف باسم حاجز توزيع الماء في مصب النهر‏ (Distributary-MouthBar)‏ يتراوح عرضه بين أربعة وستة أضعاف عرض مجري النهر‏;‏ وهذا الحاجز يفصل الماء قليل الملوحة‏(‏ المتكون نتيجة لمزج جزء من ماء النهر العذب مع ماء البحر الملح‏)‏ عن الماء العذب‏.‏ ويتكرر تكون أمثال هذا الحاجز عدة مرات علي مسافات متباعدة من مصب النهر حتي تتكون منطقة تعرف باسم منطقة توزيع ماء النهر تعمل علي مزيد من الفصل بين الأنواع الثلاثة من الماء الموجود في مصبات الأنهار وهي‏:‏ الماء العذب‏,‏ والماء قليل الملوحة‏,‏ والماء الملح‏..‏ وعلي ذلك فإن جميع النظم النهرية التي تصب في بحار تتميز بتداخلات معقدة بين كل من العمليات النهرية والبحرية‏,‏ منها عمليات المد والجزر‏,‏ التي تعمل علي اختلاط الماءين مكونة ماء متوسط الملوحة يفصل بين هذين الماءين خاصة في حالة التدفقات النهرية الضعيفة‏,‏ وتزداد عمليات الخلط بين ماء النهر وماء البحر كلما توغلنا في داخل البحر حتي يتحول الماء إلي الطبيعة البحرية الكاملة تاركا وراءه مراحل من الماء القليل الملوحة تعمل كفاصل بين الماءين‏.‏
كذلك تساعد عمليات المد والجزر علي تجميع الرسوبيات التي يلقي بها النهر علي هيئة حواجز رسوبية علي مسافات من مصب النهر‏,‏ ومتصلة بفم النهر بواسطة حواجز طولية موازية لاتجاه تدفق النهر تحول دون امتزاج مائه بماء البحر‏..‏ وفي الحالات التي يسود فيها دور عمليات المد والجزر سيادة واضحة يلاحظ أن مجري النهر يتسع عند مصبه اتساعا كبيرا علي هيئة الدلتا التي تعترضها تلال من رسوبيات النهر تعمل كذلك علي عزل مائه عن ماء البحر‏..‏
وهذه الحواجز الرسوبية الطولية والهلالية الشكل المعترضة لمجري النهر‏,‏ وكذلك الشرف النهرية الموازية لمجراه والمندفعة من فم النهر إلي داخل البحر تساعد كلها علي عزل ماء النهر العذب عن ماء البحر المحيط لأطول فترة ممكنة‏,‏ ثم يتكون بينهما نطاق من الماء قليل الملوحة يزيد من عملية الفصل تلك‏.‏ وكل من الماء العذب والماء المالح له من صفاته الطبيعية والكيميائية ما يمكنه من البقاء منفصلا انفصالا كاملا عن الآخر علي الرغم من التقاء حدودهما عند مصب النهر‏,‏ وذلك بتكوين برزخ من الرسوبيات أمام فوهة النهر ومن حوله‏,‏ ويؤدي ذلك إلي تفرع الماء العذب إلي فرعين أو فروع من حوله‏,‏ يتدفق منهما أو منها الماء العذب مكونا طبقة رقيقة طافية فوق الماء الملح‏,‏ وتختلط به عند حوافها مكونة حزاما من الماء قليل الملوحة وذلك بفعل تيارات المد والجزر‏,‏ والتيارات والأمواج البحرية المختلفة‏,‏ ويعمل هذا الحزام من الماء القليل الملوحة علي مزيد من الفصل بين المائين العذب والملح‏,‏ ولكل بيئة من هذه البيئات الثلاث‏(‏ الماء العذب‏,‏ والماء قليل الملوحة والماء الملح‏)‏ أنواع خاصة من أنواع الأحياء المائية المحدودة بحدود بيئتها‏,‏ وأنواع خاصة من الرسوبيات التي تترسب منها‏,‏ وبذلك تكون أنواع الحياة في الماء القليل الملوحة مقصورة علي تلك البيئة‏,‏ ومحجورة فيها‏,‏ أي لا تستطيع الخروج منها وإلا هلكت‏,‏ كما أن كل مجموعة من أنواع الحياة في البيئتين الأخريين لاتستطيع دخول الماء القليل الملوحة وإلا هلكت‏,‏ فيما عدا أعداد قليلة جدا منها تستطيع العبور فيها دون بقاء طويل‏,‏ ومن هنا كان هذا الماء القليل الملوحة حجرا علي الحياة الخاصة به‏,‏ ومحجورا علي الحياة في البيئتين الأخريين من حوله‏.‏
وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في العقـود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ وورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة‏,‏ مما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ ويجزم بنبوة هذا النبي الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)..‏ فسبحان الذي أنزل قوله الحق‏:‏ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا‏[‏ الفرقان‏:53]..‏
وقال‏:‏ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها‏.....‏ وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‏..




رد مع اقتباس