وترحل العصافير من المدينة..
وتعتلي مشاعري دموعيَ الحزينة..
وحين لا يبقى سوى المواجع..
وحرقة المدامع..
وتبحر الفرحة من ضفافي..
مذيبةً أصابعي الملطخة..
بشمعها الخرافي..
وحين تَدمع السماء في السَّحر..
ويسقط المطر..
ويسقط المطر..
سأمتطي حقيبتي.. وأرحل..!
***
حبيبتي..
عدوتي..
إذا صباح الغد قمتِ كالضياء..
وبابتسامةٍ أعرفها..
جميلةٍ بلهاء..
نظرت للفناء..
وبعد أن تغادري السرير باستياء..
وتخلعي عنكِ البيجامة الصفراء..
بمنتهى الإغراء..
وترتدي قميصك القاتم كالمساء..
ففتشي بأسفل الشرفة عند الباب..
لتقرأي الجواب:
إليكِ يا حبيبتي..
يا من بيومٍ كنت ظل الله..
في ليل عيوني..
وكنتِ ما أردتِ أن تكوني..
إليكِ يا رفيقة السراب..
وخاتمَ الكتاب..
أنا مسافرٌ بغير رجعةٍ..
مغادرٌ بلا إياب..
فلا تفتشي عني ولا تبحثي..
قد كنت مجنوناً وتبتُ من جنوني..!
***
إليكِ يا صديقة الجنونِ.. والمجونِ..
قد مر شهرٌ.. لم تنم عيوني..
قد مر عامٌ.. لم تَبِت شجوني..
قد مر دهرٌ مذ مضت قوافلي..
ولم تمت سنابلي..
وشابت النجوم وانقضى غدي..
ولم تحرري يدي..
من قيدكِ اللعينِ..!
قد أبحَرت كل الصباحات عن المدينة..
وكل من أعرفهم قد غادروا المدينة..
حتى إله الحب صاح وارتعد..
وغادر المدينة..
وعادت السفينةْ..
ولم نعد..
أحبكِ، فوق حدود التصور
فوق الأساطيرِ فوق الخيال
أحبكِ، ما آن أن تعلمي أن
نسيانَ أمركِ أمرٌ محال
أحبكِ، هلاَّ تريحين قلبيَ
من سَطوةِ الأمنيات الثقال
أحبُّ، وأعلم أني تورطـ
ـت في حبِّ شيءٍ بعيدِ المنال
أريدك حقاً! فهلاَّ اقتربتي
فإني مللتُ الرجا والسؤال
أيا امرأةً سكنت نصفَ قلبي
ونصفٌ تقيّدهُ بالحبال
أسيرٌ.. وكيف بمثلي أسيرٌ
يموتُ إذا فارق الاحتلال!
أيا امرأة جاوزت ما أُريد
وما لا أريد.. وما لا يطال
أسرُّ الخلود نما تحت عينيكِ
أم صاغكِ الله حسناً زلال
أفينوسُ أنتِ؟ أعشتارُ أنتِ؟
أمِ الله خصَّكِ سرَّ الجمال
أوجهُكِ؟ أم سلسبيل ضياءٍ
تحجُّ إليهِ قلوب الرجال
أعيناكِ؟ أم جندُ هارون يسقون
نقفورَ من ماطرات النبال
أقلبكِ؟ أم جنّة الخلد للعا
شِقين فطابت وطاب المآل
أخَصركِ؟ أم لحن موزارت يشدو
إذا مالَ، من حسنهِ الكونُ مال
لعَمركِ إني أريد وصالاً
أدكّ بهِ راسيات الجبال
أريدكِ حتى أحلَّق عشقاً
وأقطف توتكِ غضاً حلال
فأغفو على ومضِ عينيك حيناً
وأطفو على ناعمات التلال
أريدكِ عشقاً يدك حصوني
وإن ألفُ ألفٍ لقلبك آل
أريدكِ، شئتِ، أبيتِ، جفوتِ
دنوتِ، هجرتِ، نسيتِ الوصال
خذيني إليكِ.. عصارةَ شوقٍ
فما عدت أقوى على الاحتمال
الرسالة الأولى:
ما زلت أبحثُ عن أنثى تخلّدني
وتنفخُ الروحَ في مصفرِّ غاباتي
ما زلت أبحث عنها.. إنها حلُمٌ
أو كوكبٌ قد توارى في السماواتِ
إني وإن طال في ليل الهوى سفري
لمستريحٌ على نهديك مولاتي
لا تهربي.. إنني آتيك يا قدري
وإن تأخر ليلي.. إنني آتِ!
***
رسالة يائسة:
متى تطئين القلبَ.. واللهِ إنهُ
له ألفُ عامٍ لم يُدنَّس ولم يُطا
له ألفُ عامٍ في انتظاركِ واقفاً
من الوجدِ حتى كاد أن يتمرَّطا!
متى يا خيالاً ليس يدنو لعاشقٍ
تبيتين في عشِّي كما يرقدُ القطا
عسى أعيناً ما هزها الحبُ ليلةً
تذوقان طعم العشق يوماً فتهبطا
***
بزوغ:
يا ظل فاتنةٍ، في جوف هاويةٍ
في قلب باديةٍ، ما عانقت بشرا
إن كنتِ يا قمري، حتفي ومنتَظري
فالقلبُ في سفرٍ، هيمان منتظرا
أو طُفتِ بالسحبِ، عني لتحتجبي
يوماً ستنسكبي، في مهجتي مطرا
يوماً سأوقد من أحلامنا شهباً
وسوف أرجع يا حوريتي قمرا
***
هطول:
أهلاً بساكنةِ الفؤادِ وشمسهِ
أهلاً بسيدةِ الزمانِ وأمسهِ
قد كنتِ وعد الله من عليائهِ
فدنوتِ يا فرَح الشقيِّ وعرسهِ!
حطي رحالكِ وانفخي صور الهوى
فلقد بدت غرباً مطالعُ شمسهِ
وقفي على عرصات قلبي واحكمي
فإذا ظلمتِ.. فيا للذّةِ حبسهِ!
***
التحام:
رعى الله القصائدَ والنساءَ
وأنفاسٌ زفرناها مساءَ
وليلٌ لم يزل في ناظِرَينا
تقافزت النجوم به حياءَ
وغيماتٌ تظلّلنا بشوقٍ
وتسقي جدول العشاق ماءَ
وأحلامٌ بنيناها سراعاً
وشاء الله أن تصلَ السماءَ!
***
عناق:
لوزيَّة العينينِ هل سحرٌ
هذا الذي ألقاهُ من عينيكِ
أبِهِم جنانُ الخُلدِ قد فُتحت
أنهارها تجري على خدِّيكِ
ضُمِّي ركامي إنني تعِبٌ
لتنام أحلامي على زنديكِ
نهداكِ سنبلتان كيف أنا
أشقى وخدي فوق سنبلتيكِ!
***
ضباب:
ركبتُ فُلك ظنوني
مسافراً في عيونك
فتهتُ في ظلمائك
وضعتُ في مكنونك
قد صرتُ بين ظنون الـ
ـنوى قتيلاً وبينك
فإن نويتِ خصاماً
فما حياتي بدونك؟
***
فراق:
أعِد من كنتُ أعشقهُ
أعِد من كنتُ أهواهُ
أعِد من كانت الأيـ
ـام تحسدني بلقياهُ
أعِد من ضيَّعتني بسـ
ـمةٌ.. زانت محيَّاهُ
أعِدهُ.. أو ابتعد.. وستمـ
ـسح الأيام.. ذكراهُ!
***
حنين:
واللهِ لو تفتحي قلباً سكنتِ بهِ
لما وجدتِ نزيلاً غير ذكراكِ
تنام من وجعٍ عينٌ.. وتوقظني
عينٌ.. وما سهرت بالليل عيناكِ
أكلّما ارتشف النسيان ذاكرتي
سقيتني بدمٍ من عطركِ الزاكي!
أكلّما سجدَت عيني تمرُّ بها
مُزناً.. فتورقُ وردٌ كل أشواكي
***
ندم:
يا حلوتي.. ما كنتِ إلا خدعةً
ما كنتِ إلا نزوةً بمنامي
أرضعتِني حتى رويتُ صبابةً
وتركتِ أحلامي بغير فطامِ
لكنني آتيكِ رغم مواجعي
رغم العواصفِ والفؤاد الدامي
سأخبيء التاريخ خلف محاجري
وسنلتقي يوماً من الأيامِ!
أنتِ المُقام.. وغيرُكِ السفرُ
ولكِ الفؤادُ.. ودونكِ النظرُ
يا حلوتي.. أتُراكِ راحلةً؟
أوَترحلُ النجماتُ والقمرُ؟
أتملُّ أزهارٌ حديقتها؟
أوَتختفي الأصدافُ والدررُ؟
أتُمزق الأيامُ ليلكتي؟
وعبيرها أتُراه يندثرُ؟
هل غادرت أرتالُ قافلتي
من قلبكِ الشفَّاف يا سمرُ؟
قد نلتِ من قُببي ومئذنتي
ما لم ينل جنٌّ ولا بشرُ
وغزوتُ خندقكِ الحصينَ فكم
جندٌ لنا بالليلِ قد حضروا
لم يطفئوا ناراً لنا وقدت
كم حاولوا –حسداً وما قدِروا!
قد صرتُ أنتِ.. وأنتِ صرتِ أنا
كبحيرةٍ قد بلَّها المطرُ
واليوم تنوين الفراقَ إذاً!
وقلوبنا بالشوق تستعرُ
فهجرتِ حتى صرتِ بوصلتي
أهفو إليكِ ودوننا سفرُ
قلبي وإن مكروا يكذَّبهم
أتصدقين اليوم ما مكروا!
إن تُنكري حبي مكابرةً
أو تجهليهِ.. فبيننا الصورُ!
أو ترحلي عني.. فيا وجعي
من وِزرِ وازرةٍ وما تَزرُ
أو تهربي مني مسافرةً
لن تهربي مني.. أنا القدرُ!
يا ليلُ مهلاً إنَّ وعدكَ قد أزِفْ
لا تمضِ.. دعنا في سكونك نلتحفْ
لا تغفُ يا ليل الضياءِ فإنني
في حضن من أهوى وحيدٌ أرتجفْ
أمهِل محبّاً قد تناءت أرضهُ
ودَع القلوب من الجداولِ ترتشفْ
دعنا نطوف الكون في ولهٍ معاً
ونراقب النجم البعيد بلا هدفْ
يا ليلُ يا وجهاً ضحوكاً صارخاً
يا تحفةً ليست كما باقي التحفْ
يا ليلُ أحييت الوجود بضحكةٍ
وشفيت عيناً من دموعٍ لا تجفْ
وسقيتنا حتى روينا بهجةً
وسعادةً.. من يائها حتى الألفْ
فبأيّ شيءٍ نحتفي فرحاً بمبـ
ـسمك البهيّ.. وفرحنا لا يتّصفْ
ما لي أرى كل النجوم ترادفت
حتى على الجوزاء إن شئنا نقفْ
ما لي أرى الدنيا كطفلٍ باسمٍ
ما عاد يستجدي مزيداً من ترفْ
ما لي وللأحزان أحملها معي
كسفينةٍ مع كل موجٍ تنجرفْ
أتضمنا بالليل ألف حكايةٍ
ويسوقنا بالصبح دربٌ مختلفْ
أوَكلما فنِيَت جحافلُ بؤسنا
هطلت بموسمنا ملايين النُّطفْ
يا ليلُ.. ما نفعُ اللقاءِ.. وحزننا
كمآتمٍ من كربلاء إلى النجفْ
يا حزنُ أمهلنا فإن قلوبَنا
تَعِبت.. وإن الليلَ يا حزنُ انتصفْ
نلهو كأطفالٍ ولا ندري بأنّ
الموت يعدو قبلنا.. يا للأسفْ!